عادت أجواء التهديد بالانسحاب لتزعزع التحالف الحكومي في المغرب، الذي يقوده حزب العدالة والتنمية ، بعد ما يقارب السنة على تنصيب الحكومة في نسختها الثانية، إثر تفعيل حزب الاستقلال (المحافظ) لتهديداته ومغادرته فريق عبد الإله بنكيران. وربط قيادي استقلالي بين ما يحدث وquot;معاناة رئيس الحكومة من مرض الاستعلاءquot;.


الرباط: لم تكد الأجواء تهدأ داخل الأغلبية بعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة المغربية وتعويضه بالتجمع الوطني للأحرار (يمين وسط)، حتى تناقلت وسائل الإعلام تصريحات أكدت أنها صدرت عن الأمين العام لحزب الحركة الشعبية (وسط ليبرالي) امحند لعنصر، تتضمن تهديدات بالانسحاب من الحكومة.

ورغم نفي قياديين في الحزب ما جرى تداوله، إلا أن تقارير إعلامية واصلت الحديث عن الموضوع، مؤكدة أن رئيس الحكومة تمكن من احتواء الأزمة، التي ظهرت بعض ملامحها في كلمة لعنصر في المجلس الوطني المنعقد، أخيرًا.

وجاء ذلك بعد أول لقاء للأغلبية بعد التعديل الحكومي، وهي مناسبة استغلها عبد الإله بنكيران لمساءلة امحند لعنصر حول أسباب تهديده بالخروج من الحكومة، بحضور نبيل بنعبد الله، الأمين العام للتقدم والاشتراكية (يسار)، وصلاح الدين مزوار، رئيس التجمع الوطني للأحرار، قبل أن يطوي الملف.

وفي هذا الإطار، قال سعيد أمسكان، الأمين العام المفوض للحركة الشعبية، quot;هذا الكلام غير صحيح، والأمين العام لم يهدد بالانسحابquot;، مشيراً إلى أن امحند لعنصر سيعقد، عشية اليوم الجمعة، ندوة صحافية سيشرح فيها ما حدث.

وأضاف سعيد أمسكان، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، quot;هل لعنصر كرجل دولة، كما نعرفه، ولديه تجربة طويلة، سيأتي الآن ويخلق أزمة في هذا التوقيت؟.. هذا أمر مستحيلquot;، وزاد مفسرًا quot;كل ما يجري تداوله غير صحيحquot;.

هزة بعد زلزال الاستقلال

إذا افترضنا أن حزب الحركة الشعبية هدد فعلاً بالانسحاب، فإننا سنكون أمام ثاني هزة في quot;البيت الأغلبيquot;، بعد زلزال الاستقلال، الذي أدخل الحكومة بمأزق حقيقي.

إذ أن الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكي سبق له بدوره أن لوح باتخاذ الإجراء نفسه، وهو ما يطرح العديد من علامات الاستفهام حول ما يحدث داخل التحالف الحكومي ومصير التجربة الأولى للإسلاميين في الحكم.
الإجابات على هذه الأسئلة ذهبت جميعها في اتجاه تحميل الجزء الأكبر من المسؤولية لرئيس الحكومة عبد الإله بنكيران. وفي هذا السياق، سجل محمد زين الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني المحمدية، وجود ثلاثة عوائق تقف حاجزاً في طريق بناء انسجام حكومي قوي.

هذه أسباب quot;الثوراتquot;

يتمثل العائق الأول، حسب ما كشفه محمد زين الدين، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، في كون أن quot;الحكومة هجينة وليس لديها رابط إيديولوجي ينظم عملها بشكل أساسي، مشيرًا إلى أن quot;هذا الاختلاف يمتد تأثيره على العمل الحكومي بشكل عامquot;.

أما العائق الثاني، يضيف المحلل السياسي، فيتجلى في quot;عدم تفعيل آليات التشاور بالنسبة لمكونات الأغلبية الحكومية، إذ أن هناك آليات للتنسيق لكن لا يجري تفعيلها. وهذا يظهر أن الآليات لا تشتغل بطريقة ديناميكية وسلسة حتى تتمكن من تصريف القرارات المتخذة في إطار توافق بين مكونات الأغلبيةquot;، ومضى قائلاً: quot;الحكومة مشكلة من عدد من الأحزاب، وبالتالي يجب أن يكون هناك نوع من التوافق السياسي، الذي يجمع بين المكونات الأربعة للحكومةquot;.

وحدد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني المحمدية العائق الثالث في quot;السلطة الانفرادية في التعاطي مع القرارات الاستراتيجيةquot;، مبرزاً أن quot;رئيس الحكومة لا يشرك باقي مكونات الأغلبية في هذه القرارات، وهذه مسألة لوحظت مع الأمين العام للاستقلال حميد شباط، الذي كان يقول بأنه ليس هناك تشاور ولا تشارك في بلورة القرارات الاستراتيجية بالنسبة للحكومة.. ولاحظنا أن الأمر نفسه أصبح يسجل مع لعنصرquot;.

وأضاف quot;هناك انفراد في اتخاذ القرارات، وهذا له كلفة سياسية، التي تزداد مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية الجماعية ومجالس الجهة ومجلس المستشارينquot;، وزاد مفسرًا quot;أي حزب الآن يبدأ يحس أن طبيعة هذه القرارات، التي تأتي مناوئة لرغبات المواطنين، ستكون لها كلفة سياسية بالنسبة للأحزاب المشاركة في الحكومة، وبالتالي هناك هامش من التحفظ الذي تبديه الأحزاب المشاركة في التحالف الحكوميquot;.

الأسباب نفسها مستمرة!

يبدو أن قلب الاستقلال الطاولة على بنكيران له أسبابه، التي أظهرت quot;فورةquot; لعنصر وبنعبد الله، وهي ما زالت قائمة، حسب ما أكده عبد القادر الكيحل، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال.

فالقيادي في الحزب المحافظ قال، في تصريح لـ quot;إيلافquot;، إن quot;الأسباب التي جعلت حزب الاستقلال ينسحب من الحكومة ما زالت قائمة، وفي مقدمتها غياب التشاورquot;، مبرزاً أنه quot;منذ التعديل الحكومي، لم تجتمع الأغلبية الحكومية، وهناك مجموعة من القرارات والتصريحات التي تتفاجأ بها مكونات الأغلبية قبل المعارضةquot;.

وأضاف عبد القادر الكيحل quot;لو كانت لنا إمكانية الإصلاح من داخل هذه الأغلبية والرجوع عن مجموعة من الممارسات كان بإمكاننا الاستمرار في الحكومة ونساهم في الإصلاح من الداخل. لكن نظراً لطبيعة رئيس الحكومة في التدبير، وهي طبيعة فيها نوع من الاستعلاء، إذ يعتبر أن الآخرين مكملون، وأنه هو رقم أساسي والباقي يجب أن يكونوا تابعين، قررنا عدم الاستمرارquot;.
وقال quot;هذه حكومة العدالة والتنمية، وليست حكومة الأغلبيةquot;.

بنكيران.. مريض

وأكد القيادي في حزب الاستقلال أن رئيس الحكومة يعاني من quot;مرض الاستعلاء السياسي والمؤسساتي، وهذا يصعب الاستمرارية، وبالتالي لا يمكن أن يكون أي أحد شريكاً وهو لا يستشار في عدد من القضايا، خاصة قضايا جوهرية تهم التوجهات العامة التي تهم مصير المغاربةquot;، ومضى موضحًا quot;استمرار بنكيران في هذه الطريقة في التدبير سيجعل هذه الأحزاب بلا رأي ولا قيمة، سواء مع مناضليها أو مع الرأي العام لأنها غير معنية بعدد من القراراتquot;.