خلال العامين الماضيين، انتهجت حركة التحرر الكوردية، سلسلة مبادرات، لتحويل مجرى الصراع الدائر من جانب أجهزة الدولة التركية، ضد الشعب الكوردي، إلى اتجاه الحلول السلمية، فعمدت حركة التحرر الكوردية، إلى تنفيذ وقف إطلاق النار، من جانبها، وبالتوازي مع ذلك، أطلق الزعيم الكوردي عبدالله أوجلان، المتمثلة في مشروع quot;خارطة الطريقquot;، من داخل سجن إمرالي، فضلاً عن الجهود التي بذلها حزب المجتمع الديموقراطي، والمبادرات السياسية السلمية، التي تقدم بها، لحل القضية الكوردية، علاوة على وفود السلام، التي دخلت تركيا، لعرض المقترحات، والمطالب الكوردية، لحل الصراع سلمياً، واحتملت حركة التحرر الكوردية، تجاوزات الجيش، والشرطة التركيتان، بحقها، وبحق المدنيين الكورد العزَّل، دون الرد عليها، ما أودى بحياة العشرات منهم، بالإضافة إلى سلسلة الإجراءات التي اتبعها حزب العدالة والتنمية، وأجهزة الدولة التركية القضائية، والتنفيذية، وتمثلت في:

1)حملات التمشيط العسكرية المستمرة، على المناطق المدنية الكوردية، وإرهاب المدنيين الأكراد، وإيقاع الضحايا منهم.
2)إجراءات القمع المتكررة، التي تمارسها الشرطة التركية، بحق المدنيين الكورد، في إحتفالاتهم القومية بالنوروز، وبالرد العنيف على تظاهراتهم السلمية، المؤيدة للحل السلمي، الذي أطلقته منظومة المجتمع الكوردستاني، والمظاهرات المنادية بإطلاق سراح القائد الكوردي المعتقل quot;عبد الله أوجلانquot;، وتحسين وضعه في المعتقل.
3)إجراءات حل quot;حزب المجتمع الديموقراطيquot;، انتهاءاً بحكم المحكمة الدستورية العليا في 11/12/2009 بحظر نشاطه، وتجريد زعيمه السيد quot;أحمد تركquot;، من عضويته للبرلمان، ومن حقه في ممارسة العمل السياسي، وتطبيق العزل السياسي، على 37 من قيادات الحزب المذكور، لمدة خمس سنوات. وإغلاق أي فرصة لممارسة الحقوق السياسية، أمام الشعب الكوردي، ومنعه من ممارسة حقه المشروع، في التعبير عن كيانه السياسي، وطموحاته القومية.

4)ممارسة القمع عبر اعتقال مئات من المواطنين، والناشطين السياسيين الكورد، طوال عام 2009، وانتهاءاً باعتقالات صباح الخميس 24/12/2009، للعشرات من الممثلين الشرعيين المنتخبين من الشعب الكوردي، للمجالس البلدية، والذين جاءوا عبر انتخابات حرة، اختار فيها الأكراد ممثليهم الشرعيين.
5)عشرات الجولات المكوكية لدول الجوار، التي يقوم بها الساسة الرسميون الأتراك، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، لحشد الدعم، والتأييد، من مختلف الأطراف الخارجية، لإجراءات القمع، التي تمارسها حكومة quot;العدالة والتنميةquot;، بحق الشعب الكوردي، وحركته التحررية.

لابد من الإشارة، إلى أن التصعيد الحاد، من جانب quot;العدالة والتنميةquot;، والدولة التركية، يكشف مدى العجز والأزمة لديهما، بعدم القدرة على التفاعل إيجابياً مع المبادرات السلمية الكوردية، وأن تلك المبادرات نجحت في كشف زيف التوجهات المعلنة، من العدالة والتنمية، حيال ما يسمى بسياسة الانفتاح التركي على الأكراد.
لا يمكن تفسير هذا الوضع القمعي، سوى بأن حزب العدالة والتنمية، يشكف عن وجهه الحقيقي المعادي للحريات الديموقراطية عامة، وجهه الحقيقي المتماهي، والمتوافق، مع توجهات القوى العنصرية القومية التركية، المعادية للحقوق والطموحات المشروعة الشعب الكردي.

يبدو أن التصعيد الذي يدفع باتجاهه السيد رجب أردوغان، تحكمه خطة محكمة، واتفاق بين مختلف الفرقاء، داخل تركيا، من السياسيين، والأجهزة الحكومية، ضد الشعب الكوردي، وحركته التحررية، ويسير وفق تنسيقات مع أطراف خارجية، عقدتها حكومة العدالة والتنمية، مع دول الجوار، وبمباركة أمريكية، لقمع حركة التحرر الكوردية، والحركة الديموقراطية في تركيا، بوجه عام. وتحطيم كافة الإنجازات السياسية التي حققها الكورد خلال العامين الماضيين.

كما يبدو أن أجهزة الدولة التركية، وحزب العدالة والتنمية، تظن أن الحقوق، والمكتسبات التي حصل عليها الأكراد، عبر نضالاتهم، وتضحياتهم، ما هي إلا منحة تركية للأكراد، وبالتالي يمكن سحبها منهم، وقتما شاءت الدولة التركية، وحزب العدالة والتنمية!.

فالعدالة والتنمية لا يحمل برنامجاً لحل القضية الكوردية، سلمياً، العدالة والتنمية، ورجب طيب أردوغان، لا يحملان سوى برنامجاً واحداً للانفتاح على الكورد، هو برنامج القمع العنيف، والمعتقلات، وحظر الحياة السياسية، على المؤسسات السياسية الكوردية، وممثلي الشعب الكوردي المنتخبين في المجلس النيابي، والمجالس البلدية، لا يحملان سوى برنامجاً للتصعيد، والقمع، فالحرب. حقيقةً، يجب الانتباه، إلى أن سلسلة الإجراءات القمعية الأخيرة، وانتهاءاً بحملة الاعتقالات صباح الخميس 24/12/2009، ربما كانت مقدمات لهجمة عسكرية عنيفة، محتملة، على مناطق شمال كوردستان، بدعوى تعقُّب حزب العمال الكوردستاني، قد يسقط خلالها ضحايا مدنيين من الأكراد، كما جرت عادة الجيش، والحكومة التركية، في الحالات المماثلة.

من اللافت للنظر، والمثير للدهشة، أنه في الوقت الذي تقدم فيه حكومة quot;العدالة والتنميةquot;، مشكورة، قوافل الإغاثة إلى الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، تقدم للشعب الكوردي، في شمال كوردستان، مصادرة الحقوق السياسية، والقمع، والاعتقال، والقتل، لأبنائه، والحرمان من مقومات الحياة الأساسية، فقد كان الشكر سيتضاعف لحكومة quot;العدالة والتنميةquot;، لو قدمت، بالتوازي مع قافلة غزة، قافلة إغاثية أخرى، للاجئين الكورد في quot;مخيم مخمورquot;، من ضحايا الحملات البربرية للجيش التركي، وقوافل أخرى لإغاثة الجماهير الكوردية بشرقي تركيا، الذين يعانون نقص الاحتياجات الأساسية، ويعيشون دون مستوى البشر، شتاءً غاية في الصعوبة، بعد أن حطم الجيش التركي منازلهم، وقتـَّـل قطعان أغنامهم، وأحرق غاباتهم، التي يقتاتون بها، وتقيم عيشهم، فكلا الشعبين الفلسطيني، والكوردي، يعانيان من نفس ظروف الإقصاء، والتهميش، وإنكار الحقوق الإنسانية، والسياسية، والقومية، ولكن يبدو أن قوافل الإغاثة إلى غزة، تستقطب أضواء الصخب الإعلامي، المُجَمِّل للوجه التركي، أكثر من تلك القوافل، التي يتوجب توجيهها إلى الأكراد، شرقي تركيا، والتي نتمنى ألا يرسل الأتراك، عوضاً عنها، طائراتهم الأباتشي، والإف 16، وقذائف الأوبيس، وقطعان الذئاب الرمادية!.

محلل سياسي مصري القاهرة