لا شك في ان الأجواء الديمقراطية في اي دولة تتيح للفرد الذي يرغب في خدمة شعبه الفرصة في ان يتقدم بمؤهلاته أكاديمية كانت ام سياسية ليخوض الانتخابات والتنافس مع الأخرين للحصول على ثقة الناخبين والفوز بمنصب متقدم يتيح له من خلاله خدمة المجتمع بجدارة ونزاهة، ولكن في دولة العراق وهي من الدول التي قيل عنها انها اصبحت دولة ديمقراطية بعد 2003 فاننا لم نعيش الأجواء الديمقراطية انما عشنا وشاهدنا البراعة في تنفيذ ابشع انواع الفساد والقتل والتهجير والاجتثاث والاقصاء الذي لم يسلم منه الارهابيين والبعثيين فقط، انما شمل كل مكونات الشعب العراقي ومنهم اتباع الديانات المسيحية والمندائية والايزيدية والشبكية وهم الأقلية حيث كانوا الأكثر تضررا.

ولكن يمكننا القول بان بعضنا قد عاش اجواء الديمقراطية في بعض من دول الغرب، فالغرب جعل منها حق وممارسة انسانية تتيح للمواطن ان يعتقد بمن يشاء وان يبدي رأيه في كل شئ الى جانب ضمان حقه في المشاركة مع الأخرين في ادارة حكم بلده وصنع قرارها، هكذا هي الديمقراطية.


ولكن مع الأسف فان غالبية انظمة بلداننا العربية ما زالت بعيدة عن ممارسة الديمقراطية ليس مع شعبها فحسب انما في داخل مؤسساتها الحزبية والرسمية، وسؤالي المشروع...ما السبب الذي منع الذين جئ بهم لحكم العراق بعد 2003 من احلال وتطبيق الديمقراطية وجعلها حق من حقوق العراقيين في الاعتقاد وابداء الرأي بعد ان حجبها عنهم نظام صدام، الم يكن هدفهم الذي جاءوا من اجله هو القضاء على الدكتاتورية واحلال الديمقراطية، ثم الم يكن غالبيتهم لاجئين في دول غربية ذاقوا فيها طعم الديمقراطية الحقيقية ولسنين طويلة.

لقد توقع العراقيون بان النظام الجديد الذي حل بديلا لنظام البعث بعد 2003 سيكون نظاما ديمقراطيا حقيقيا وسيتيح للعراقيين حق ابداء الرأي والمشاركة في ادارة الحكم وصنع القرار، لكنهم تفاجئوا بنظام حكم تقوده مجموعة من احزاب وتكتلات مختلفة الايدلوجيات والاقطاب، واتضح لاحقا ان غالبية اعضاء هذه الأحزاب والتكتلات لا يمتلكون الكفاءة والنزاهة ولا يهمهم سلامة شعبهم حيث اعتمدوا على نظام توزيع الغنائم و المناصب على الطوائف والاحزاب والكتل، وقد اتضحت معالم شخصيتهم اكثر من خلال خطابات المسؤولين الحكوميين وجلسات مقهى مجلس النواب، ونتيجة لكل هذه السلوكيات فقد انتشر القتل والتهجير على الهوية الدينية والحزبية، فعمت الفوضى وانشر الفساد على نطاق واسع على كامل الأرض العراقية باستثناء بعض المحافظات الشمالية في { اقليم كردستان }.


يقينا ان العراق لا يمكن ان يحكمه حزب او حتى مجموعة احزاب دينية وطائفية وقومية وحزبية لأن مبدأ المحاصصة والولاء الديني والطائفي والقومي والحزبي اصلا لا يمكن ان يتواصل مع المدنية المتطورة، لأن بلداننا العربية ما زالت تعتمد على الولاءات المذهبية والعشائرية والقبلية المحكومة بالايدلوجيات الدينية والقومية.

ان احلال الديمقراطية في العراق والتي رُوّج لها كاحد الشعارات لاسقاط نظام صدام الدكتاتوري كانت كذبة دون شك، ولذلك فاننا نشك بان الانتخابات القادمة ستكون ديمقراطية وشفافة، ولا يفوتني ان اقول واشهد بان نظام صدام كان دكتاتوريا بامتياز حيث لم يمارس الديمقراطية بشكلها الحظاري انما رَوّج لها هو الاخر للاستحواذ على المال والسلطة.

من الواجب ان اذكر بالانتخابات السابقة وبالضرر الكبير الذي الحقته بالعراقيين حيث افرزت تلك الانتخابات عناصر غير نزيهة ولا كفوءة، فالانتخابات السابقة شابها التزوير واتصفت بالترويج للطائفية باستخدام الرموز الدينية الى جانب الرشوة بالمال، وبما ان الخطاب الرسمي بعدها بقي هو.. هو.. لم يتغير...والشخصيات نفسها..هي..هي ولم تتغير، وان الكتل والاحزاب والشخصيات لم تأتي بمشروع جديد يخدم العراقيين ويساعدهم على بناء وطنهم...ولأنهم ما زالوا يرفضون اي تقارب، فاننا نعتقد ومع الأسف بان الانتخابات القادمة لن تختلف عن سابقتها بشئ.


ان ظاهرة التسقيطات وتشويه السمعة باتت تظهر تباعا وهذا ما ينذر بفشلها، فهناك الكثيرين ممن جرفهم التيار فاحتلوا المناصب يعتقدون بان السلطة وما تدره عليهم من مال وجاه هي حق مشروع دائم لهم!، فهم وبهذا المعنى لم يستفيدوا من تجربة ودروس الأنظمة السابقة والتي حكمت العراق مثل.. نظام نوري السعيد ونظام عبد الكريم ونظام عبد السلام وآخرهم نظام صدام حيث كان هدفهم سلطة الحكم والاستئثار بالسلطة ومغرياتها فابعدوا هدف الديمقراطية، لكننا رغم ذلك سوف لن نتأخر بمطالبة الحكومة والانتباه لتهيأت الأجواء السلمية الملائمة والتي من شأنها تقريب وجهات النظر واحترام آراء جميع الشخصيات السياسية والحزبية قبيل الانتخابات، فخطاب فخامة الرئيس جلال الطالباني الأخير حول هيئة المساءلة والعدالة يجب ان يدرس بجدية فهو درس جديد من دروس الانظمة التي تحاول الانتقال الى اجواء الديمقراطية، واتمنى ان يكون توضيح فخامة الرئيس موقفا ستراتيجيا وليس موقفا تكتيكيا!!، وهنا لابد وان اشير الى ان هيئة اجتثاث البعث والتي غير اسمها الى هيئة المسائلة والعدالة يتقاطع انشاءها مع المنهج الديمقراطي، فالاجتثاث مارسه نظام صدام ضد الشيوعيين وضد حزب الدعوة وغيره وهذا معناه الانفراد بالسلطة وهو ما يظهر اليوم، ولكن ومع شديد الأسف بقي حال الاجتثاث بعد 2003 وهذا ما يعيق الديمقراطية في العراق.


ان السلوك الانتقائي الطائفي او الحزبي قد سئمه العراقيون منذ تأسيس دولة العراق الى يومنا هذا، وهنا نؤكد ان من تلطخت يداه بدماء العراقيين او سرقة المال العام يجب ان يحاكم ويعاقب باشد العقوبات مهما كانت صفته او انتماءه الديني او الحزبي ويجب ان يشمل ذلك جميع افراد الأنظمة التي حكمت العراق.
ان العقلية التي تتوجه بصدق لخلق اجواء المصالحة والتآلف والتحابب هي القادرة على فرز الكفوئين لبناء العراق، اما العقلية التي تعشق السلطة والحكم وغير مستعدة للمصالحة والعمل على توحيد الثقافة الوطنية للعراقيين، فانها لن تلقى رضى العراقيين وان مستقبلها لن يكون احسن حال من نظام صدام.

لقد تبين بان خطابات وتوجهات غالبية المسؤولين وخاصة اعضاء مجلس النواب لا تبدي اهتماما بالمصالحة ونسيان الماضي، حيث اننا لم نشهد اي تحرك صادق في استحداث قوانين وهيئات او قرارات تدعم عملية المصالحة، لا بل على العكس فانهم مهتمون بتشكيل هيئات ولجان همهما الأول والوحيد هو التمييز واهمها كيفية التخلص من هاجس البعث وكأن البعث ملهم جبار وساحر للقلوب..ولا ادري لماذا هذا الخوف من البعث، وهنا اقول ان الجدارة والكفاءة والوطنية هي التي يجب ان تكون المعيار وليس التحزب او الفئوية، فلا خوف من اي حزب او تكتل ما دمنا نبغي خدمة العراقيين وما دام حبنا للوطن بلا حدود، نؤكد بان الكراهية والعداءات والحقد والثأر طبائع بالية ولا يمكن لها ان تبني شخصية عراقية متماسكة، ان التمسك بالخيار الديمقراطي وابعاد الاحقاد المتعشعشة في رؤوس البعض هي الاساس الذي يبنى عليه جدار السلام والمحبة.
كما ان العراقيين جميعا مسلمون او مسيحيون وغيرهم مدعوون ان ينتبهوا ويدققوا اثناء قيامهم بالانتخاب، كما انهم مطالبون دوما بالوقوف ضد كل من يسعى لتهميش العراقيين المخلصين او يدعم دعوة تقسيم العراق وشعبه الى اقاليم وافراد طائفية وعنصرية بغيضة، وعليهم التأكيد بان ما يحتاجه العراقيون اليوم، هو اشاعة ثقافة التوحد وسلامة التعايش بين المكونات الدينية والقومية العراقية، نذكركم بان شعب العراق من المسلمين عربا وكردا وتركمان والمسيحيين بكل مذاهبهم ومن اتباع الديانة المندائية واليزيدية والشبك والأرمن الى جانب اليهود كانوا يشغلون اعلى الرتب والمناصب في الجيش والشرطة والأمن وفي الوزارات كافة بجميع مؤسساتها، فالجميع كانوا يتفاخرون بانهم { عراقيون }.

فان كنا نطمح وعبر انتخاباتنا القادمة لتأسيس حكومة عراقية ديمقراطية قوية ومتماسكة، فان كل ما نحتاجه هو الدقة والحذر عندما نصوت لنختار، ان صوتنا يجب ان يذهب الى الأسماء العراقية ذوي الكفاءة والاخلاص للوطن، لأننا نعلم بان دستور العراق والقائمين على حكم العراق منذ 2003 والى هذا اليوم لم يثبتوا لنا عدالتهم ولا جدارتهم ولا كفاءتهم ولا حتى حرصهم على امن وسلامة العراقيين، ان الكفاءة والاخلاص والوطنية والابتعاد عن التقسيمات الدينية او الطائفية او القومية واحلال بدلها التآلف والتعاون والعمل المشترك والعدالة والمساواة..هو المطلوب والذي يجب ان يسود.