قبل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة إلى العاصمة السعودية الرياض، كثر الحديث عن مشاركة الرئيس المصري حسني مبارك في القمة السعودية السورية، التي جمعت خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، لكن كل هذه الحديث ذهب أدراج الرياح، الأمر الذي أكد أن الأجواء لا تزال غير مواتية حاليا لعقد مثل هذا اللقاء، فالحملات الإعلامية بين القاهرة ودمشق ما تلبث أن تخفت حتى تشتعل من جديد.


المؤكد أن تلاقي المصالح السورية السعودية في لبنان شكل نقطة انطلاق لعودة الدفء إلى العلاقات بين الرياض ودمشق، ويمكن أن يشكل ملف المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، نقطة انطلاق لعودة العلاقات المصرية السورية إلى سابق عهدها، فالقاهرة تتمتع بعلاقات جيدة بالسلطة الفلسطينية ممثلة في حركة فتح برئاسة محمود عباس، في حين تجمع دمشق علاقات قوية بحماس وهو ما يشكل بداية جديدة للطرفين.


الفتور في العلاقات بين مصر وسوريا ليس وليد اللحظة، فهناك اختلافات بين التوجهات المصرية والسورية، بدت واضحة منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في صيف 2006 عندما اتخذت مصر والسعودية مواقف رافضة لمسلك المقاومة اللبنانية ممثلة في حزب الله، والذي اتخذ ذريعة من جانب إسرائيل لشن عدوانها على لبنان بينما أيدت سوريا مسلك المقاومة اللبنانية ودعمته.


بلغ الاختلاف الذروة في خطاب الرئيس السوري عقب إنهاء إسرائيل هجومها على لبنان في أغسطس آب 2006، والذي تحدث فيه عن quot; أنصاف المواقف وأنصاف الرجالquot; مشيرا إلى مواقف عربية على رأسها الموقفان المصري والسعودي، فتوسعت الفجوة في علاقات سوريا بكل من السعودية ومصر، ووصف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع الدور السعودي بالشلل والعجز عن التحرك.


استمر التراشق الإعلامي بين الرياض ودمشق من ناحية، والقاهرة ودمشق من ناحية أخرى، وهو ما دعا إلى بذل جهود كبيرة لإقناع الرئيس السوري بحضور قمة الرياض عام 2007، وحدث تجاوز مؤقت للأزمة، وحضر الرئيس السوري القمة، وبقي الخلاف في التوجهات بين العواصم الثلاث، وانضمت سوريا إلى إيران فيما عرف بمحورquot; الممانعةquot; للوقوف ضد ما عرف quot; quot;بمحور الاعتدالquot;، الذي يضم مصر والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي.


ظلت الأمور على حالها إلى أن حدث تلاق في المصالح السعودية السورية في لبنان، وما نجم عنه من تشكيل حكومة برئاسة سعد الحريري، وفي الوقت ذاته حدث تباعد في المصالح المصرية السورية تعمق بعد قضية الجدار الفولاذي الذي تشيده مصر على حدودها مع غزة.


البحث في دلالات الأزمة الراهنة في العلاقات المصرية السورية، يشير إلى عدة نقاط: الأولى: أنها تأتي في توقيت بالغ السوء للنظام العربي، فالمفترض أن الجامعة العربية بصدد تنقية الأجواء، وتنفيذ مقررات قمة الدوحة الأخيرة في مارس الماضي، والوقوف ضد كل ما يهدد الأمن القومي العربي، ومن شأن استمرار الخلاف المصري السوري أن يؤثر في عمل الأمانة العامة للجامعة العربية مع اقتراب القمة العربية في ليبيا في مارس المقبل، واستمرار هذه القطيعة قد يحول دون حضور مصر أو تخفيض مستوى تمثيلها إلى الحد الأدنى، لذا باتت القمة المصرية السورية ضرورة ملحة.


الدلالة الثانية: إعادة الروح إلى ما كان يسمى quot;المثلث المصري السوري السعوديquot; والذي كان يمثل لكثيرين باب أمل في قيام نظام عربي قادر على الخروج من أزماته، خاصة أن هذا المثلث أدى دورا في التصدي لحلف بغداد عام 1955، ووقف ضد المطالبة العراقية الأولى بالكويت عام 1961 quot; أيام الوحدة المصرية السوريةquot;، وحقق إنجاز نصر أكتوبر عام 1973 وحرك الركود في النظام العربي بعد احتلال العراق للكويت فيما عرفت quot; بأزمة الخليج الثانيةquot; في عام 1991.


ولأن دوام الحال من المحال، فقد أسهمت المتغيرات الإقليمية والدولية في تباعد هذه الإطراف عن بعضها بعضا، كل حسب مصالح بلاده، وإن كانت الأطراف الثلاثة تخضع لعملية مراقبة من قبل إطراف دولية، فواشنطن تحاول فك عرى التحالف السوري الإيراني، وتعتقد أن أي تقارب بين دمشق والقاهرة سيصب في مصلحة إيران، وربما يستطيع هذا التقارب المصري السوري أن يقف في وجه الحرب الإسرائيلية المتوقعة على إيران، ولو كان لواشنطن مصلحة في دفع التقارب المصري السوري فإن دمشق لن ترضى أن يكون ذلك على حساب علاقاتها بإيران.


وإذا كانت الأزمة الراهنة في العلاقات المصرية السورية على هذه الدرجة من الخطورة، فمن الأفضل تجاوزها بسرعة وهذا ممكن موضوعيا بشرط إدراك عمق الأزمة خاصة أن مظاهرها الراهنة أدت إلى استقطاب تجاوز حدود أطرافها المباشرة.


إعلامي مصري