في بلد كبير مثل العراق راهن عليه القوميون العرب في فواتح الانظمة الرسمية العربية في بداية القرن المنصرم. ومع ارتفاع الشعارات والدعوات العربية لضم العراق الى الخارطة القومية العربية، ناهض القوميون العرب كل اعدائهم داخل وخارج العراق وراحت ضحايا كثيرة وتمزقت مدن وسقطت انظمة واغتيلت قيادات وتفرق العرب ومنهم دعاة القومية انفسهم وشيخهم حزب البعث الذي وقع متشتتاً بين شقي بلدين شقيقين متعاديين لاكثر من ثلاثة عقود هما العراق وسوريا، والتي من المفارقة ان حزب البعث الذي يدعي لم العرب ودعمهم فشل في اصلاح ابويه الذين انجباه وهما سوريا والعراق.


هذا الصراع القومي لابقاء العراق رهن النظام الرسمي العربي افرز عداءاً لاكبر شريحتين من الشعب العراقي هما الشيعة والاكراد. هذان الشريحتان دفعتا الثمن في مقابر جماعية وسلاح كيمياوي لارجاعهما الى بيت الطاعة البعثي وفرض العقائد القومية العربية على ابنائهما. الا ان النتائج لم تكن بالحسبان فقد تمخض عن ذلك الصراع الكردي الشيعي من جهة والبعثي القومي العربي الرسمي من جهة اخرى قوى سياسية كردية وشيعية اعترف بها فيما بعد ومنذ عقد الثمانينات من قبل قوى دولية وفتحت لها مكاتب كمعارضة عراقية في اهم عواصم العالم. ومنذ الحرب العراقية الايرانية بدأت خارطة الطائفية الدينية تلوح في الافق بالنظر لوقوف النظام الرسمي العربي مع النظام العراقي في حربه مع ايران و كان الجيش العراقي في غالبيته من الشيعة الا ان ذلك لم ينف التهمة الطائفية عن الحرب، وقد عزز النظام هذه التهمة ليستفيد من الدعم الخليجي انذاك بحجة الدفاع عن( البوابة الشرقية للامة العربية)، وعلى الرغم من ان ايران لا تعمل بالاجندة الطائفية في سياساتها وتزيد من تهور السياسات الايرانية الداخلية والخارجية سواء في الماضي او في الحاضر ضد العراقيين رغم غالبيتهم الشيعية، وقع العراقيون في الازمة داخل ايران سواء المدنيين المعارضين الهاربين من النظام العراقي انذاك او الاسرى الذين يقعون بشباك الجيش الايراني، اعداد كبيرة من العراقيين المعارضين كان يرفضهم النظام الرسمي العربي ويتهمهم بالولاء لايران ولن يسمح لهم بالاقامة باية دولة عربية باستثناء سوريا لعدائها مع صدام حسين، وايران كانت تظطهدهم ولاتمنحهم حتى اوراق الاقامة الرسمية ليسجلوا ابناءهم في المدارس، مع العلم ان النظام العراقي هجر العديد منهم على انهم ايرانيون. طبعاً وكعادته لم يفكر العرب ستراتيجياً بابعاد الحرب العراقية الايرانية ويتخذوا مواقف عادلة متوازنة بين النظام العراقي الدكتاتوري انذاك والشعب العراقي ودولة ايران كقوة اقليمية صاعدة في المنطقة. انتهت الاحداث لما هي عليه بانقلاب صدام على النظام الرسمي العربي بغزوه للكويت. وتوالت الاحداث ليسقط صدام حسين تحت ضرب القوات الامريكية و بدعم وتاييد من شعبه باستثناء الطبقة المستفيده من حكمه.


وعوده على ذي بدء عاد النظام الرسمي العربي يعمل على مستوى متدني من الستراتيجية ليحاول اعادة العراق الى النظام الرسمي العربي و وتعاونت اجهزة المخابرات العربية مع القوى المتطرفه وفلول حزب البعث المنحل لتركب موجة الارهاب لاخافة الامريكان وافشال مشروعهم التغييري في العراق كما تعتقد. الا ان الصورة التي كانت مضببة وتستطيع ان تعمل بها اجهزة المخابرات العربية على تعبئة اكبر قدر ممكن من التفجيريين توضحت اكثر، وتبين ان الامم المتحدة والدول الكبرى في العالم اعترفت بالنظام العراقي الجديد واعتبرته نظام انتخابي ديمقراطي كامل السيادة على اراضيه وفتحت كثير من دول العالم سفاراتها وفعلت عقودها التجارية وعلاقاتها الاستراتيجية من العراق باستثناء الدول العربية التي كانت ومازالت تقدم خطوة الى الامام وخطوتين الى الخلف، وعادت لستراتيجيتها المعهودة في التعامل مع الحكومة العراقية بعقلية مخابراتها المؤامراتية في حين الدول الغربية والولايات المتحدة قطعت مسافة طويلة في علاقاتها واستفادتها من برنامج اعادة بناء العراق، وبقي النظام الرسمي العربي يوعز المهمة الى المخابرات في قضية العراق.


اعتقد النظام الرسمي اخيراً ان دعم عدد من الشخصيات العراقية النافذه في الحكومة الجديدة ربما يكون وسيلة ناجعة لاعادة العراق الى العهد المخابراتي القومي و اخذ يعول على التمييز الطائفي معتقداً ان السنة في العراق هم الكفيلين باعادة العراق الى النظام القومي العربي، لكن قادة السنة لا يمثلون القاعدة السنية في العراق بشكل واضح لان الشريحة السنية في العراق في معظمها تيار براغماتي تكنوقراطي بالنظر لخبرتهم في ادارة الدولة السابقة غير متحمسين لاعادة النظام القومي العربي في العراق ومصلحتهم في الوقت الحاضر تكمن في وضائفهم في الدولة الجديدة اذا اخلصوا اليها وليس مع مخابرات الدول العربية التي لم تسجل لها نجاحات تذكر في تاريخها السياسي في العراق غير الانقلابات والمؤامرات والتفجيرات، ومهما يكن من امر فقد اعتقد النظام الرسمي العربي ان دعم شخصيات كانت منتمية او مؤيدة لحزب البعث المحضور في العراق على ابواب العملية الانتخابية في العراق قد يعيد العراق الى عهده السابق اذا سيطر على البرلمان القادم عدد كبير من المؤيدين الى القومية العربية او فكر حزب البعث... حينها كما اعتقدت بعض الانظمة العربية ستعود شعارات نفط العرب للعرب، وشعار امة عربية واحدة على الجدران.

لكن الشيعة والاكراد لم يكونوا من السذاجة بحيث لم يصيغوا قوانين وبنود دستور محكم ضد الفايروس المخابراتي العربي خصوصاً بعد هذه المدة الطويلة من الانتكاسات والتفجيرات التي نفذها النظام العربي لافشال المشروع. الشيعة والاكراد عدوا العدة الان للدخول للانتخابات بعقلية واعية لكل مايحاك في اقسام المخابرات المجاورة واخذوا يخططون لما بعد الانتخابات و للاربع سنوات القادمة التي تلي البرلمان الجديد.


ان التحالف المعلن الاخير بين الاحزاب الكردية والاحزاب الشيعية يوضح خارطة العراق السياسية تماماً وابتعادها الى اقصى حد عن التيار الرسمي العربي مع تاييد مطبق من شرائح واسعة ومختلفة في الشعب العراقي من سنة وشيعة واكراد وتركمان لم يروا ابتعاد العراق عن النظام الرسمي العربي مأسوفاً عليه، بل وقد ذهب احد قادة السنة العرب الى ابعد من ذلك وهو السيد مثال الالوسي الذي اعلن ان العراق أمة مستقلة ولا يحتاج ان يكون جزءاً من امم اخرى.


اعتقد ان الاستراتيجية العربية الساذجة هي التي تدفع بالاحداث دائماً لصالح الشعارات وليس لصالح شعوبها الفقيرة والا لاستفاد العمال العرب الان من عملية اعادة الاعمار في العراق بدلاً من العمال الاسيويين، لكن اسس النظام الرسمي العربي الان العداء بين الفرد العربي وبين الشعب العراقي لان العرب دخلوا العراق محملين بالمتفجرات لينالوا الشهادة في الاسواق الشعبية بدلاً ان يعملوا بها.

جامعة منيسوتا
[email protected]