الفرصة ما زالت قائمة أمام تيموتشنكو لتفوز بمقعد الرئاسة الأوكرانية إذا ما رد يوتشنكو الجميل ليوليا تيموتشنكو وحث الناخبين الذين صوتوا له والذين يقدرون بحوالي 5% من إجمالي أصوات الناخبين وشجعهم على أن يعطوا أصواتهم لصالح تيموتشنكو والتي طالما ساندته حتى وصل إلى سدة الحكم. وقد خرج الرئيس المنتهية ولايته فيكتور يوتشنكو من الجولة الثانية في 7 فبراير 2010 والتي ستنحصر المنافسة فيها بين كل من المرشحين الأساسيين يانوكوفيتش و تيموتشنكو واللذين حصلا على اكبر عدد من أصوات الناخبين. وتزداد فرصة الفوز أمام يوليا تيموتشنكو إذا ما توحدت أصوات الناخبين الحالمين بالانضمام للاتحاد الأوربي والتي تبعثرت في اتجاهات المتنافسين على مقعد الرئاسة واتجهت نحو تيموتشنكو. ويحلم الكثير من الأوكرانيين والذين يشكلون نسبة 75% من إجمالي عدد سكان أوكرانيا والبالغ عدهم حوالي 46 مليون نسمة في العام 2008 بحكم المرأة الحديدية الناعمة كما يطلقون عليها والتي يأملون فيها أنها سوف تحقق حلمهم في الانضمام للاتحاد الأوربي من أجل مستقبل اقتصادي أفضل. ويرون أنها قادرة بشخصيتها الأوكرانية الوطنية الأصيلة على وضع الآليات الكفيلة بالحفاظ على الهوية الأوكرانية التي استعادوها من الهيمنة الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. بينما تضغط الأقلية الروسية والتي تشكل حوالي نسبة 20% وغالبيتهم لا يتحدثون اللغة الأوكرانية في اتجاه فوز يانوكوفيتش الموالي لروسيا والذين يرون في فوزه برئاسة أوكرانيا الحماية الأكيدة لمصالحهم الاقتصادية والتي يعتقد الكثيرون أنهم قد حصلوا عليها بدعم كبير من حكومة روسيا الاتحادية، عندما شجعت رجال الأعمال الروس على شراء المصانع والمؤسسات الاقتصادية الأوكرانية عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وفترة ما قبل الثورة البرتقالية. وهو الأمر الذي يفسره كثير من المحللين الأوكرانيين على أنه تأكيد لرغبة الحكومة الروسية لما تعتبره ضروري للحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية والإستراتيجية الكبرى في المنطقة ويضمن بقاء أوكرانيا quot;حليفاً رغم أنفهquot; لروسياً. وأعتقد أن هذا الثبات في ملامح الشخصية الأوكرانية هو السبب الحقيقي والأساسي الذي يجعل أوكرانيا دولة مختلفة تماماً عن كل جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً. فلم تقدر بولندا كما لم تستطع السلطة السوفيتية برغم سنون الاحتلال الكبيرة من التأثير على الشخصية الأوكرانية سلباً، ولم تنجح هذه القوى الخارجية في تغيير الشخصية الأوكرانية، ولم توفَّق في القضاء على لغتها الأم ولا على تقاليدها وعاداتها على الإطلاق. بل على العكس تماماً كان تأثير هذه القوى الخارجية مساعداً على تغذية مشاعر الانتماء وحب الوطن بشكل غير مسبوق. والعداء بين الروسي والأوكراني أزلي وله رصيد كبير في ثقافة البلدين. ويتذكر الأوكرانيون دائما المآسي التي تحملوها في ظل حكم السوفيت، ولا ينسون الطرد والنفي إلى سيبيريا، ومعاقبة السلطة السوفيتية لكل من يتحدث اللغة الأوكرانية، ومسائلة كل من يذهب إلى الكنيسة، مفسرين ذلك بأنه كان ضمن سياسة الروس لطمس الهوية الأوكرانية التي يحاولون الآن الحفاظ عليها وتغذيتها في النشء. أذكر أن فتاة أوكرانية كانت تتحدث باللغة الأوكرانية في وسط مجموعة من الأصدقاء عندما هاجمتها فتاة أخرى أوكرانية موالية للسلطة السوفيتية ومنعتها بحجة أنها يجب أن تتحدث باللغة الروسية، وأضافت quot;إنها لغة لينينquot;. وقد جاءت النتائج الأولية التي تناولتها وسائل الإعلام لتشير إلى حصول زعيم حزب الأقاليم المعارض يانوكوفيتش الموالي لروسيا على حوالي 35%، من أصوات مجموع المواطنين مالكي حق الاقتراع والذين يزيد عددهم على 35 مليون مواطن، بينما حصلت يوليا تيموشينكو على حوالي 25% من الأصوات. وحصل رجل الأعمال رئيس البنك المركزي سيرغي تيغيبكو على حوالي 13 % بالمائة، كما حصل وزير الخارجية السابق ارسيني ياتسينيوك على حوالي 7%. وتبعثرت بقية الأصوات بين المرشحين الآخرين من إجمالي عدد المرشحين والبالغ عددهم 18 مرشحاً رئاسياً. فهل سيرد يوتشنكو الجميل لرفيقة الدرب تيموتشنكو؟ وهل ستنجح الحسناء تيموتشنكو في إقناع باقي المرشحين وعلى الأخص كل من سيرغي تيغيبكو، وارسيني ياتسينيوك والذين حصلا معاً على حوالي 20% على الوقوف بجانبها حتى تصل إلى سدة الحكم وتفوز بمقعد الرئاسة؟ لست أدري.
وقد أتاحت لي فترة الدراسات العليا التي أمضيتها في أوكرانيا في ظل حكم السوفيت، وزياراتي العلمية فيما بعد أن أتعرف عن قرب على الواقع الأوكراني، والشخصية الأوكرانية. فالعنصر الأوكراني ظل متمسكاً بمبادئه وقيمه الدينية والأخلاقية وطموحاته بالرغم من كل الظروف والأحداث التي مرت بها أوكرانيا. ومن الصعب ملاحظة أية تغيرات على مفاهيم الانتماء، وحبهم الشديد لبلدهم، وتمسكهم القوي بالثقافة الأوكرانية... فالشخصية الأوكرانية تعتز بهويتها ولغتها وسماتها بصرف النظر عن وقوعها تحت تأثير سلطة خارجية، أو تحررها من هذه السلطة.
- آخر تحديث :
التعليقات