إن ترجمة خيار الشيعة العرب بتقديم الانتماء القومي على الانتماء الطائفي يحتاج إلى جهد دؤوب وعمل فكري وسياسي واجتماعي مستمرّ، لا يمكن نجاحه من دون قيادة مرشدة وموجهة. من هنا نشأت الحاجة إلى مرجعية سياسية عربية للشيعة العرب.
إذًا لم تكن فكرة تأسيس المجلس الإسلامي العربي في لبنان، فكرة طارئة أوعرضية تتعلق بظروف ومناخات سياسية وفكرية مرحلية أو آنيّة، ولم تكن تجسيداً لطروحات فوقية وافتعالية تفرض قسراً على الواقع، وإنما کانت أساساً حاجة ملحة وحيوية بالغة الأهمية لحرکة الواقع وتفاعلاتها وتداخلاتها وتداعياتها المختلفة، لا سيما أن بلدان الوطن العربي بشکل خاص، وبلدان العالم الإسلامي بشكل عام، مقبلة على أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية بالغة الدقة والتعقيد تتعلق بشكل مباشر بالتغيير الحاصل في معادلة توازن القوى على الصعيد الدولي، مع تراجع الدور الأمريکي وبروز محاور دولية جديدة جميعها تسعى بصورة أو بأخرى لإيجاد مواطئ أقدام لها في البلدان العربية والإسلامية.
إن إعادة صياغة معادلات توازن القوى ومناطق النفوذ بين الأقطاب الدولية المتنفذة، سيكون لها تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على منطقتنا، وسيتجلى ذلك التأثير بالسعي لإحداث نوع من التغيير أو شيء يشبه ذلك أو يقرب منه کخلخلة الأوضاع الأمنية أو السياسية والاقتصادية، بقصد إضعاف أطراف وتقوية أخرى، من أجل أهداف محدّدة سلفاً، ومن هنا فإننا شهدنا ونشهد الحرکة الدؤوبة لأطراف إقليمية مثل إيران وترکيا. وقد عملت أطراف دولية نافذة على خلق مناطق نفوذ جديدة في دول المنطقة عبر التداخل الاقتصادي وتوظيف رؤوس الأموال والعلاقات السياسية والعسکرية المتقدمة نسبياً. ولكن الأخطر هو محاولة الأقطاب الجدد توظيف مشکلة الأقليات العرقية والدينية والطائفية من أجل خدمة الأهداف المرسومة، وقد کان توظيف الشيعة العرب من قبل إيران بشكل سياسي عقائدي ضمن برنامج محدَّد الأبعاد والنتائج والأهداف، من أهم الأسباب المباشرة التي دعتنا للتسريع بطرح أطروحةzwnj; المجلس وصياغة نظريته الفكرية السياسية لکي تستوعب حرکة القوى المضادة على صعيد الشيعة العرب وإجهاضها قبل أن تبلغ مرحلة اللّاعودة لا سمح الله تعالى.
إن المرجعية السياسية الرشيدة للشيعة العرب ستكون بمستوى وحجم التحدِّيات المطروحة في الساحة وستكون بمثابة قبس ومنار لإرشاد وتوعية الشيعة العرب من المخاطر والتحديات المختلفة التي تواجههم أو تنتظر مواجهتهم من جانب أعدائهم أو الذين يتربصون بهم شراً. ستعمل هذه المرجعية على فكّ ارتباط فكري عقائدي ما بين جماهير الشيعة العرب من جانب، وبين تلك الأطراف الأجنبية التي تسعى لاستغلالهم وتوظيفهم.
إن دور المرجعية العربية للشيعة العرب هي التصدِّي لنظرية ولاية الفقيه وما طرحته وتطرحه من آراء ومفاهيم بالغة الخطورة في تأثيرها السلبي على ذهنية وتفكير وقناعات الشيعة العرب.
إن نظام ولاية الفقيه يدسّ السمّ بالعسل ويسعى لاستغلال طيبة وتلقائية الشيعة العرب من أجل مآرب مشبوهة لاعلاقة لها بالمذهب ودعائمه الأساسية بأي شکل من الأشكال. لذا تقف المرجعية العربية للشيعة العرب نداً وغريماً لنظام ولاية الفقيه بمختلف مفاصله ومرافقه ومبادئه وطروحاته.
*المرجع السياسي لشيعة العرب.
التعليقات