اثار التحوير الوزاري الأخير في تونس، لغطا كبيرا قبله و بعده. و حتى بعد ان تنفس الساسة و المتابعبن الصعداء واتضحت الرؤية بعد التحوير،شرع آخرون نوافذ التكهنات وفتح أبواب دكاكين التكهنات على مصراعيها.
اما الفترة التي سبقت التحوير فحدث و لا حرج، حيث تعطلت جميع المصالح او تكاد، وانكفأ الوزراء و المسؤولون، على انفسهم، يعدون الأيام و الدقائق، و الثواني الباقية،في حين رفض بعضهم اخذ اي قرار او التوقيع على الوثائق حتى تلك المتعلقة بشاهدة الولادة بدعوى انهم في انتظار التحوير، و الحالة ليس مرتبطة بالوزير بل بكل الطاقم الوزاري.
من الجهة الأخرى من مسرح التحويرات، دخلت الأقلام على خط في حرب مفتوجة، بين مؤيد لتأخر التحوير و علاقة ذلك بالدستور و القانون وأخرى تنتقد، و تعتبر التأخير دلالة على quot;الإضطراب الذي يسيطر على إدارة شؤون البلادquot;. هكذا بكل بساطة.
لن أطيل في الحديث عن التحويرات الوزارية بتونس، لأن معرفة اسبابه و أهدافه لا تتطلب جهبوذا في السياسة، فهذه الأخيرة تسير وفق أجندة خماسية يحددها رئيس الدولة، و ترد بنودها ضمن برنامج انتخابي واضح المعالم، يحاول التوفيق بين المتطلبات الداخلية و ما تقتضيه المرحلة من تحديات، و بين طلبات و ربما شروط المؤسسات و التكتلات الدولية.
و لا يبقى امام الوزير غير تنفيذ هذا البرنامج، وفي عديد المناسبات وقع تغير وزير او اكثر لأنه لم ينتجح في مهمته،و دون ان يكون هناك موعد انتخابي او سياسي ما،
عندما كنا صغارا في عصر التلفزة الواحدة، كانت تأتينا الأخبار بانه هناك على الضفة الأخرى، دولا يمكن ان تسير دون حكومة، او وزارء، و كنا ننبهر بذلك، على اعتبار اننا لم نكن لنتخيل كيف يمكن ان تسير حتى مجرد مؤسسة صغيرة، دون مسؤول، يأمر بأومره، و يحكم بأحكامه. و لما عمت الفضائيات، و النت العالم، اصبحت تصلنا الأخبار و الصور و التقارير اول بأول، لنتأكد ان ما كنا نعتقد انه خرافة من خرفات الجدات، ما هو الا حقيقة، فغير بعيد منا تتغير الحكومة في ايطاليا مرات و مرات و تبقى دون رئيس وزراء ربما لأشهر، و لا احد يلقي اي اهتمام للوزير الفلاني او المسؤول العلاني،لأن كل موظف من السامي الى البسيط يعرف ما له و ما عليه، كما ان مؤسسات الدولة وصلت الى درجة من العقلانية و quot;المكننةquot; بحيث حتى و ان غاب الوزير، فلن تجد من يسأل عنه، و في احسن الأحوال يتحول الى مادة إخبارية اذا وفاه الأجل و كان من طينة الوزراء ذوو الإسهامات الثقافية و العلمية الكبرى او اذا أغتيل لا قدر الله.
لا أحد ينكر اهمية التحويرات الوزارية عموما، لأنها تؤسس لمرحلة مقبلة، و تضخ دماء جديدة في شريان الحكومات، كما لا يخفى على أحد ما تتطلبه الخماسية القادمة محليا و دوليا من حراك و عمل، و برأي هي الأهم خلال الثلاث و العشرين سنة، و لن نجانب الصواب حين تؤكد ان قطب الرحى في هذا التحوير كان الإعلام بتعيين وزير مختص و الخارجية بتعيين دبلوماسي محنك، لكن ان يتحول التحوير الى الخبز اليومي للساسة و المسؤولين، وسؤال وجودي quot;أكون او لا اكونquot; فهذا يجعلنا نشك في مدى مصداقية بعض المسؤولين، و نعتقد ان غايتهم الأولى و الأخيرة هي التشبث بالكراسي عوض خدمة البلاد و العباد.
التعليقات