الزيارة المرتقبة لرئيس إقليم کوردستان مسعود البارزاني الى واشنطن بدعوة رسمية من الرئيس باراك اوباما، والتي من المتوقع ان تطرح فيها العديد من المواضيع و الملفات الساخنة، ينظر إليها العديد من المراقبين السياسيين على أنها زيارة ذات طابع خاص لأنها تتم في ظل تداعيات ظروف خاصة و حساسة ترتبط جلها بالانسحاب المرتقب للقوات الامريکية من العراق.


ورغم انه من السابق لاوانه التکهن بالنتائج او التوافقات التي سيتوصل إليها البارزاني مع الادارة الامريکية، لکن الرأي الغالب و الاکثر قبولا لدى الاوساط السياسية سيما الاقليمية منها، بأن تطابقا(محددا)في العديد وليس(کل)المواضيع المطروحة على بساط البحث بين الرئيسين اوباما و البارزاني هو الارجح سيما وان للطرفين الکثير من نقاط الالتقاء و المصالح المشترکة التي تدفعهما بشکل او بآخر لصيغ من الاتفاق و المشارکة.


وليس من المستبعد ابدا ان تکون الدعوة الامريکية تلبية لمطالب ملحة قادمة من بغداد و عواصم اخرى من المنطقة لحمل رئيس إقليم کوردستان على إبداء المزيد من الليونة و المرونة ازاء المواضيع و الملفات الساخنة خصوصا التي يتخذ منها الجانب الکوردي موقفا متشددا، وترى اوساطا مقربة من اوساط سياسية مطلعة في بروکسل، بأن الاطراف السياسية النافذة في بغداد و کذلك عواصم مهمة في المنطقة متفقة على ان الجهة الوحيدة التي بإمکانها أن تدفع مسعود البارزاني(المتمسك بقوة بالملفات الحساسة محل الاختلاف مع بغداد) الى إبداء نوعا من المرونة اللازمة و المطلوبة سيما لهذه المرحلة بالذات.


البارزاني و من خلفه مختلف القوى و الاطراف السياسية الکوردية بالاقليم، مازالت تعول على الدور الامريکي و تعتبره الاکثر تأثيرا في دفع الامور نحو مفترقات الحسم خصوصا وانها باتت تراقب عن کثب التقرب الامريکي الملفت للنظر من عواصم المنطقة عقب إنتخاب الرئيس باراك اوباما وانها تجد من المفيد و الضروري الاستفادة الممکنة من ذلك بإيصال صوتها و مواقفها الى الادارة الجديدة. ومع ان هناك أطرافا کوردية غير متحمسة اساسا للسياسة المتبعة من جانب الرئيس اوباما و تتوجس منها حيال الملفات المهمة و الساخنة العالقة بين أربيل و بغداد، فإنه في نفس الوقت هناك أيضا في أربيل تيار إعتدالي يميل الى ابداء المزيد من التفهم لسياقات و متطلبات السياسة الدولية و تسعى لکي تتفاعل معها و تديف مطالبها و مواقفها ضمن خطوطها العامة، وهذا التيار بالذات، يراهن کثيرا على هذه الزيارة و يعتبرها مفترقا مهما و نوعيا في مسير العلاقات الامريکية الکوردية في عهد اوباما وتنتظر نتائج واحتمالات إيجابية منها خصوصا في المستقبل المنظور.


ان ملفات کرکوك و المناطق المتنازع عليها بين أربيل و بغداد و النفط على وجهي التحديد ناهيك عن آفاق و تداعيات الانسحاب الامريکي من العراق ستکون من أکثر الملفات المطروحة بقوة على بساط البحث بين الجانبين وليس من المرجح أبدا ان يتم طرح حلول او إتفاقات حاسمة او على الاقل نوعية لتلك الملفات وانما سيکون الاتفاق التوافقي و غير المرتکز على أسس قوية هو الوارد، لکن انسحاب القوات الامريکية من العراق(سيما من المناطق العربية) والتي باتت مطلبا ملحا للعديد من القوى السياسية العراقية حيث يتم توظيفها سياسية من أجل العديد من الاهداف(سيما الانتخابية منها)، لن يکون أمرا مفيدا و حيويا لواشنطن إذا ما نأت بکل قواتها الى نقاط أبعد من اللازم عن العراق، ومن هنا فإن إحتمال بقاء جانب من تلك القوات في الاقليم الکوردي مهما بالنسبة للسياسة الامريکية مثلما أنها مفيدة و إيجابية بالنسبة للکورد لأسباب متباينة، وقد تکون هذه المسألة محورية في المباحثات ومن المرجح أن يسعى الزعيم الکوردي الذي يحظى بثقة و تإييد الشارع الکوردي بشکل عام الى الاستفادة من ذلك و توظيفه بالشکل المطلوب و اللازم لخدمة الاهداف الکوردية الاساسية. ويمکن أيضا النظر للزيارة المنتظرة للرئيس البارزاني من زاوية القلق و التوجس الکورديين من الخط العام للسياسة الامريکية في العراق منذ تسلم اوباما لسلطاته کرئيس للولايات المتحدة الامريکية إذ يعتقد بأن واشنطن و من خلال توجيه دعوة رسمية للرئيس البارزاني لزيارتها فإنها تهدأ من الروع الکوردي و تعيد الدفأ الى العلاقات الحميمة بين الجانبين.


الامر المهم و الذي يجب الترکيز عليه بقوة، أن الکورد قد لعبوا في عراق مابعد صدام حسين دورا بالغ الايجابية سيما في مسألة حقن الدماء و تخفيف التوتر بين القوى السياسية العراقية المختلفة و کانوا عاملا للإستقرار و السلام و إعادة الاعمار، فإنهم وعشية التمهيدات المکثفة لإنسحاب القوات الامريکية و ماسيترتب عليها من تداعيات و نتائج سيلعبون نفس الدور في لضمان الاستقرار و الامن و السلام في مختلف ربوع العراق خصوصا وان هناك أکثر من سحابة سوداء داکنة تسعى لإلقاء أمطارها(الحامضية الخبيثة)على بلاد الرافدين من أجل أهداف مقصودة و عدوانية وان الرئيس البارزاني سيقدم قطعا ضمانات و تطمينات للرئيس الامريکي بأن يلعب الکورد دورا إيجابيا في العملية السياسية بالعراق خصوصا في الانتخابات المزمع إجرائها في مارس/آذار المقبل وهي إنتخابات ينتظر أن تکون حاسمة و مصيرية الى حد ما في التأريخ العراقي المعاصر حيث ستؤکد قدرة و عزم العراقيين على إدارة شؤون بلادهم بأنفسهم بعيدا عن مختلف التأثيرات الدولية و الاقليمية.