ارتكب الجزائريون، طاقما فنيا وهيئة إدارية وصحافة وجمهورا، أخطاء فادحة كلفت الخضر هزيمة تاريخية أمام الفريق المصري في المباراة المؤهلة لنهائي كأس القارة السمراء. صب المعلقون جام غضبهم على حكم المقابلة البنيني وهم محقون في ذلك بعض الشيء إذ من المستحيل أن يلعب فريق مقابلة كبيرة يديرها حكم صغير، هذا إن كان صغيرا فقط!

ولكن لماذا لم يقدم المسؤولون الجزائريون اعتراضاً على هذا الحكم المعروف بسوابقه؟ لماذا لم يضغطوا بالمطالبة بتغييره ما داموا يعرفون ما يجري في كواليس الكاف ومدى التأثير الذي تمارسه الجهة المصرية؟ ألم يكن من المنطقي والحال هذه أن يطالب الجزائريون بحكم أوروبي أو آسيوي أو جنوب أمريكي نظرا لحساسية المباراة ولو من أجل إشعار الخصم والحكم على أنهم على الخط؟

سوء النية مطلوب في بعض الأحيان بل ضروري. وقد كانت للجزائريين تجربة مع حكم المباراة التي جمعتهم في التصفيات مع رواندا في الجزائر إذا بدا الحكم مأمورا بإلحاق الهزيمة بالخضر وقد شاهد الكل كيف رفض لهم هدفا لا غبار عليه وكثيرا من التدخلات المريبة. فماذا استفادوا من ذلك؟ لقد افتتح الخضر البطولة بمقابلة كارثية ضد مالاوي (3_0)، واجتهد الشيخ سعدان في رد ذلك إلى حرارة الجو وقد يكون ذلك من الأسباب ولكن لا أظن أن الشمس وحدها هي التي ألحقت بالخضر تلك الهزيمة الثقيلة. ما هزم الجزائريون هو استصغارهم للمنافس المالاوي ودخولهم اللقاء بثقة في النفس زائدة على اللزوم. وما أن سجل المالاويون هدفهم الأول حتى تاه الخضر وسط العشب الأخضر. صدمهم الهدف وطريقة اللعب الجميلة التي انتهجها من كانوا يعتبرونهم لقمة سائغة.


أمام المالي، دخل الجزائريون في ثوب الضحية نظرا لقوة الفريق المنافس و حاولوا بكل ما يملكون طي صفحة مالاوي ولعبوا مباراة بطولية كبيرة على كل المستويات وفي مقابلة ثالثة مع البلد المنظم قدموا مقابلة جيدة وذكية كانوا فيها أسياد الملعب المالكون لمصيرهم وحققوا هدفهم المسطر وهو الوصول إلى الربع النهائي،مدخرين جهودا إلى مقابلة الحسم ضد ساحل العاج. وقد لعب محاربو الصحراء مقابلة عظيمة أبلوا فيها بلاء كرويا ورجوليا حسنا أبهروا الناس أجمعين وربما هي أحسن مقابلة على الإطلاق في كأس إفريقيا منذ إنشائها. و لكن تركت المقابلة آثارها على اللاعبين إذ لعب بعضهم وهو في حالة جسمانية لا تسمح له بذلك لولا الإصرار على اللعب ضد فريق دروغبا الجالب للصحافة الرياضية العالمية وللباحثين على الصفقات الكروية..


ولئن خرج الفريق الجزائري من مقابلته مع ساحل العاج غانما على كل المستويات فإن اللقاء قد أنهك المحاربين وأدمى جروحهم.
إلى هنا يستحق سعدان وأبناؤه العلامة الكاملة. ولكن ما يبقى محيرا هو طريقة تعاملهم مع ما حققوه من هيبة عظيمة ومن رأسمال معنوي ثمين! ما لم أفهمه أبدا هو طريقة تعامل الجزائريين في مواجهة مصر قبل وأثناء اللقاء؟ ومع ذلك يبدو أنهم لم يحسموا بشكل عقلاني الإشكالية التالية : هل الهدف هو الانتصار على مصر بالطريقة والنتيجة وتأكيد أحقية الجزائر مرة أخرى في التأهل إلى المونديال أم الوصول إلى نهائي كأس إفريقيا أم هذا وذاك؟ من البديهي أنه لا يمكن تكرار مقابلة أم درمان كل يوم، فبغض النظر عن الجماهير الكروية المتحمسة، لا أحد يفقه في كرة القدم طالب المنتخب الجزائري بذلك.


غلّب الطاقم الفني القلب على العقل وعقد العزم على إعطاء درس في كرة القدم للمصريين كما تقول العامة وهو سلوك لا عقلاني بالمرة. وتوالت التصريحات المغالية في التفاؤل والحديث عن أم درمان الثانية. وهكذا لعبت المقابلة قبل موعدها وانتصر الجزائريون على الورق المطبوع وفي أفواه معلقين ومحللين رياضيين غير مسؤولين. وهو ما يعني أن الكل قد سقط في الفخ المصري. لقد ذهب أحد المشرفين على الفريق إلى التصريح بأنه لا حاجة لتهيئة اللاعبين نفسيا ضد مصر! وهذا يدل على الجو الذي كان سائدا قبل المقابلة والاتجاه نحو ابسكولوجية الجماهير اللاعقلانية والاستثمار في المشاحنات الخارجة عن إطار المربع الأخضر.

لكن ما هو محير فعلا،على الأقل بالنسبة لكاتب هذه المقالة، هو التساهل في إشراك لاعبين مصابين، فقط لأنهم أصروا على لعب هذه المقابلة أو تلك! يمتلك الفريق الجزائري لاعبين ممتازين لم تعط لهم الفرصة حتى حينما كان إشراكهم ضروريا بل حلا وحيدا. يزخر كرسي الإحتياط بعناصر جيدة وفي لياقة حسنة لو اعتمد عليها ضد مصر لأدت مقابلة في القمة لأسباب موضوعية أهمها رغبتها في تأكيد أحقيتها في الانتساب إلى المنتخب. كل الذين أتيحت لهم الفرصة برهنوا على قيمتهم،ألم يفعلها بوعزة في مرمي ساحل العاج العملاق؟ لا فريق ينجح بدون منافسة داخلية بين اللاعبين، ولا منافسة حقيقية خارج المقابلة الرسمية.


ما لم أجد له تفسيرا عقلانيا هو أن الفريق الجزائري قد لعب مقابلة القرن ضد ساحل العاج وانتزع الاعتراف من العالم الكروي كله وحتى من المصريين أنفسهم. فلماذا يدخل المقابلة مع مصر كأنه يريد البرهنة على بديهية، كمن يكسر بابا مفتوحا! بدأ الخضر اللعب بدون أدنى حذر، وحاولوا مجانيا أن يقدموا أداء جيدا، فهل كان مطلوبا من الفريق الجزائري أن يهزم مصر في النصف ساعة الأول؟ كان من الحكمة الكروية أن يبقي في قواعده مؤمنا دفاعه القوي وينتظر المصريين، فهم المطالبون بإثبات أنهم الأحق بالترشح إلى نهائيات كأس العالم و ليس رفاق حليش! بعد مقابلة ساحل العاج الكبيرة لم يبق للفريق الجزائري ما يثبت، لم يبق له سوى الـتأهل ولو على حساب الطريقة. من المجنون الذي يطالب الفريق الجزائري أو ينتظر منه أن يلعب مقابلات متتالية بنفس المستوى الفني والروح القتالية العالية التي لعب بهما ضد مالي أو ساحل العاج؟ التسلسل منطقي وواضح في أداء الجزائريين إلا بالنسبة للذين ينتظرون من الخضر كل يوم 'أم درمان جديدة':


أدى أشبال سعدان مقابلة سيئة ضد فريق مالاوي، تلتها مقابلة رائعة ضد مالي،ثم مقابلة متوسطة مقبولة ضد أنغولا، ومقابلة في القمة ضد ساحل العاج وكان منتظرا وموضوعيا أن لا يتمكن الفريق الجزائري من لعب مقابلة كبيرة ضد مصر! وكان على الجهاز الفني أن يعد خطة مناسبة لذلك وصارمة، يواجه بها ليس الفريق المصري فحسب بل محيط المقابلة كله: الحكم والكاف والصحافة والجمهور المتعطش لإلحاق هزيمة أخرى بمصر وذاتية بعض اللاعبين وغرور البعض الآخر. إن استخلص الجزائريون العبرة، ستكون 'الكان2010'تحضيرا لا يقدر بثمن لنهائيات كأس العالم في جوان المقبل، وأنا متأكد أن الخضر سيبهرون عشاق كرة القدم وسيدفع الإنجليز والأمريكان الثمن كما دفعه الألمان من قبلهم.