لسنا نشك في أن للواعز الديني تأثيرا كبيرا في سلوك الإنسان وفي تحديد ميوله وأهدافه لكننا ندرك أن هناك قوى تحاول تسخير هذا الواعز لتحقيق أهداف سياسية أو مصلحية بالنظر لهيمنة وقوة الظاهرة الدينية في المجتمع. وما بين هاتين الحالتين المترابطتين تقف واحدة من أكثر الإشكالات التي تقف بوجه مستقبل هذه الطائفة المنكوبة بهيمنة المقدس وارث التاريخ المستغل سياسيا.

إن زيارة الأربعينية التي تعد من الإرث الجنائزي لفئات كثيرة من الشعب العراقي لم تأخذ هذا النسق من ذكرى واقعة كربلاء وحسب ولم تؤسس حقيقتها على أحداث تلك الذكرى التي اختفت الكثير من معالمها تحت سطوة وهيمنة العامل الشعبي الأكثر تأثيرا وقوة من سواه في العراق إنما نمت وارتقت بفعل تطورات الصراع والتنابز المذهبي الذي تصاعد أواره بين الطائفتين و غدى من اكبر الأخطار المحدقة بوحدة العراق وبوجوده.

ورغم أن السياسيين ليسوا مسؤولين عن تصاعد هذه الظاهرة ونموها بهذا الشكل الكبير إلا أنهم بحسب ما نرى ليسوا من دعاة العمل على مواجهة ما يمكن أن يترشح منها من سلبيات أو ما تسببه من إرباك للدولة العراقية المغلوبة على أمرها. فهؤلاء يدركون أن أي موقف بإزاء مناهضة هذه الظاهرة هو بالتحديد أشبه بالانتحار السياسي هذا أن لم تكن له عواقب أخرى قد تصل حد التفسيق أو التكفير ومادام هؤلاء لا يتعاطون مع الواقع العراقي تعاطي الجريء الحريص على مصلحة الأمة فليس هناك بالتأكيد ما يمكن أن يضمن خروج العراق من مأزقه وتعاطيه بشكل سليم مع الممارسة الديمقراطية الآخذة بالأفول بفعل ما تواجهه من تحديات.

لقد خلت مؤسسات الدولة من أي فعالية طوال فترة المسيرة الراجلة للزائرين ودب التسيب الأمني في معظم مفاصل الدولة ما انعكس سلبا على تقديم الخدمات وتمشية مصالح الناس ناهيك عن تحول هذه المناسبة إلى وسيلة للترويج السياسي واستغلالها في الحملات الانتخابية للسياسيين كما تحول الزائرون إلى أهداف سهلة للقتلة والمجرمين الذين يبتغون من وراء ذلك تحقيق أهداف طائفية.

فزيارة الأربعينية التي يعدها الشيعة ركنا من أركان مذهبهم الديني لم تعد قادرة على البقاء ضمن حيزها الاعتيادي لان ظروف البلد سوف تنعكس بالتأكيد على أداء هذه الشعائر أو حتى على التعاطي معها الذي سينحو تدريجيا باتجاه الغلو والتطرف.

لكن ليس هذا أسوا ما نخشاه بل انحراف المسار السياسي عن مثاباته الديمقراطية لان الحرية التي لا تستغل بشكل صحيح سوف تتحول إلى نكبة حضارية كبيرة لن يسلم منها ومن نتائجها احد.