من المسلم به أن تمر الامم بفترات من التوتر المجتمعى لاسباب عارضة كالثورات او الانقلابات او التغيرات الاجتماعية أو الاقتصادية الحادة او الكوارث الطبيعية او عقب الحروب..الخ، وقد تطول هذه الفترات أو تقصر وذاك يتوقف على آليات التصحيح المتبعة وثقافة المجتمعات ونوعية القيادة والإرادة الشعبيه وأسباب فرعيه كثيرة ومتشابكة ولكن بعد أن يهدأ الغبار لاتلبث ان تعود هذه الامم وتستقر وتستقيم امورها وتعود منظومة تسيير المجتمع إلى سابق عهدها مع استيعاب الدروس المستفادة.


إن أمما وشعوبا وأمبراطوريات كثيرة عبر التاريخ الانسانى خرجت من النفق المظلم لهذه الحالة أكثر قوة مما كانت عليه ووضعت نصب أعينها أهدافا واضحة أهمها عدم العوده مطلقا لمسببات هذه الحالة وتلقين الاجيال التاليه مساوئ هذه الفترات المظلمة من التاريخ والاشارة اليها بإعتبارها خطايا سابقة وطوعوا دساتيرهم لاستهجانها فلا يتحدث الالمان عن فترة النازى بفخر ويكره اليابانيون الحرب والايطاليون يلعنون موسولينى والفاشية والاسبان يبغضون فرانكو و و و.


لكن أمما تستمرئ هذه الفترات فترات التوتر والقلق المستدام لانها حالة يجوز ويستباح فيها كل شيئ بلا استثناء ووضع يمكن فيه تعليل حتى الموبقات بمرجعية الحالة الراهنة، فلا اسهام ولا عمل ولا انتاج ولا بحث، والفتاوى جاهزة لاخراس كل من تسول له نفسه أن يعلو صوته فوق صوت الحالة الحاضرة التى لايعرف أحد على وجه اليقين متى وكيف تنتهى.


وفى هذه الاوضاع يستشرى الفساد والظلم والعنصرية والتطرف والفقر والمرض والجهل وتحرص الانظمة على تأليب مكونات المجتمع بعضها على بعض واشاعة ثقافة الفرز والتمييز بسبب الدين واللون والعرق و و و حتى يظل الفرقاء ndash;السذج-دائما فى حاجة الى دعم هذه الانظمة لمناصرتها على خصومها الوهميين.
وطالما توترت امبراطوريات وامم كثيرة واستمرءت الحاله على مر العصور لكن نهايتها كانت مؤلمة اما انمحت او انقرضت او انقسمت او ذابت الى الابد بدءا من الرومان ومرورا بالعثمانيين وحتى الاتحاد السوفيتى.


والامم المتوترة تحذف العقل من كل افعالها وردود افعالها بل وتخاف من تفعيلة وتكون الغيبيات هى الحاكم الاوحد حتى تستمر الحاله الى الابد.
والامم المتوترة تحرص على ممالئة العامة والدهماء فهم وقود حالة التوتر المستدامه ونسقها الاول اما المثقف والمفكرالمستنير فهو خطر يجب تحجيمه وارهابه بالتابوهات المقدسة المعروفة بدءا من الحسبة والاستتابة وصولا الى المحطة الاخيرة محطة فرج فودة ونجيب محفوظ والدهبى وهى تابوهات توظفها منظومة الاستبداد المسيطرة على فضاءات الامه لصالح استمرارية الحالة واستمرار آلية تهييج الرعاع.


والامم التى تستمرئ حالة التوتر لن تعدم سببا كل فترة لتجديد الحالة وتفعيلها حتى لاتخبو جذوتها وتظل ndash;الجماهير- جاهزة فى اى وقت للتجييش دفاعا عن الحالة الراهنة.
والشعوب المتوترة تنجذب بعضها الى بعض ككرات الزئبق المتدحرجة وغالبا لا يكون بينها مشترك واحد سوى معامل التوتر المرتفع واذا قسنا الحالة على فنزويلا وايران وكوريا الشمالية كمثل قد يتضح المشهد أكثر.


وغالبا لاتساهم هذه المجتمعات فى الانتاج الانسانى بأى مساهمة مفيدة اللهم إلا فتح حوارات ساذجة لقضايا حلحلتها آليات العصر والحضارة بالتقادم الزمنى ولم تعد لها وجود إلا فى أذهان هذه المجتمعات البائسة.


إن حالة التوتر المستدامة التى تدمنها مجتمعات ما تولد نوعا من الهشاشة فى هياكلها العظمية وتلك المجتمعات ستسقط إن عاجلا أو آجلا سقوطا دراماتيكيا مروعاً.