وسط مناظر الدم و اِلاء المتفحمة و نيران التفخيخات الإرهابية المجرمة التي سلطت على رؤوس العراقيين جاء خبر تنفيذ حكم الإعدام بأحد أبرز قادة القمع في التاريخ العراقي المعاصر وهو وزير الدفاع الأسبق و الرجل القوي في نظام صدام حسين البائد علي حسن المجيد الشهير بعلي كيمياوي!، هذا الرجل طبقت شهرته الآفاق ليس بسبب إنجازاته و عبقريته و قيادته السياسية أو العسكرية الفذة، بل بسبب أساليبه القمعية و روحيته المتصلبة و قسوته الشديدة التي تذكرنا بتاريخ ولاة عتاة قساة حكموا العراق منذ فجر الإسلام من أمثال زياد بن أبيه، و الحجاج الثقفي و إبن هبيرة و غيرهم من الحكام الذين كانوا سيوفا قاطعة و أسواطا لاسعة للسلطة المركزية، وساهموا بأساليبهم القمعية الخارجة عن المألوف في دخول سجلات التاريخ و لكن من أسوأ أبوابه و أقلها إحتراما، فالظلم و القمع لا يبني دولا و يشيد أسسا بل أنه يحفر و يأكل كالسرطان في كيانات الدول و الأنظمة ومرتعه في النهاية وخيم كما يقول وهو حالة زائلة مهما بدت الظواهر عكس ذلك، و علي ( كيمياوي ) كان سيفا و سوطا من سيوف و أسواط صدام حسين، وكان بروزه لمسرح الأحداث العراقية قد جاء تماما مع صعود صدام حسين لسدة السلطة الأولى في العراق في ذلك الصيف الدموي اللاهب من عام 1979 وتحديدا في تلك القاعة الشهيرة التي كانت مصيدة للفئران من ( الرفاق ) أعضاء القيادتين القومية و القطرية لحزب البعث الذي كتبت شهادة وفاته منذ ذلك التاريخ بعد أن تحول لملكية خاصة لصدام حسين و جماعته!، في ذلك الإجتماع الدموي المرعب خرج صوت من بين صفوف الحاضرين يدعو لإعدام القيادي و المفكر البعثي و المعتقل منذ عام 1973 في زنزانة إنفرادية وهو المرحوم عبد الخالق السامرائي الذي زج أسمه في محاولة إنقلاب بعثية مضادة رغم كونه كان قابعا في السجن لا يقابل أحدا!! وقتها تعهد صدام لإبن عمه الذي طالب بذلك وهو علي حسن المجيد نفسه قائلا له بالحرف ( أخذو من هالشارب )!! أي أنه أقسم بشواربه الكثة أن ينفذ حكم الإعدام بالسامرائي!!،

ثم بدأت رؤوس الرفاق تتدحرج في حديقة القصر الجمهوري في الثامن من أغسطس 1979، و بدأت أحلك فترة في تاريخ العراق السياسي المعاصر تميزت بهيمنة عصابة صدام و كانوا من القتلة و أشباه الأميين و المتطرفين و القساة الغلاظ الأكباد على السلطة التي إنتهجت منذ ذلك الحين منهجا تصادميا عبر إستعمال العنف المفرط في التعامل مع المخالفين و الخصوم و شيد المشروع البعثي الفاشي و بوشر بعسكرة المجتمع العراقي و إعداده لحوادث جسام ومهولة، و كان علي حسن المجيد جزءا مركزيا من هذا الوضع الجديد و تسلم أرفع المناصب العسكرية رغم أنه ليس مؤهلا فرتبته لا تتعدى رتبة نائب الضابط، وجهله بأمور الستراتيجيا و اللوجستيك و الأمور الفنية الأخرى من ألأمور المعروفة، ولكن النظام لا يستند لأهل الخبرة بل لأهل الولاء و تلك هي مصيبة الأنظمة الشمولية في العالم العربي، كان المجيد مكروها حتى من إخوان صدام غير الأشقاء من أمثال رئيس المخابرات الأسبق برزان التكريتي الذي كان يعتبر علي حسن المجيد بمثابة الروح الشريرة للنظام! و كثيرا ما كان يتهكم عليه خصوصا و إن الشروخ العائلية قد توسعت مدياتها مع زواج بنات صدام رغد و رنا من آل المجيد وهما حسين كامل و صدام كامل!! و ماجره ذلك الزواج من صراعات شديدة داخل الأسرة الحاكمة أدى لإنفصال الإخوان وطرد برزان التكريتي من منصبه المخابراتي ليعيش بعيدا في سويسرا كسفير العراق للأمم المتحدة هناك سنوات طويلة قبل أن يعود للعراق في أيام النظام الأخيرة ليعتقل بعد الإحتلال ثم يعدم عام 2007.

علي حسن المجيد القاتل القاسي القلب الذي تأسفت على إعدامه بعض الأصوات العربية وحتى منظمة العفو الدولية! هو من طراز الرجال الذين لا تعرف الرحمة لقلوبهم سبيلا، فهو الذي ذبح بيديه إبن شقيقه حسين كامل المجيد الذي هرب للأردن ثم عاد للعراق ليذبح بيد عمه ( الكيمياوي ) و ليقدم رأسه هدية لصدام حسين في معركة شرسة في فبراير 1996 أسموها ( رصاص العشيرة )!! بل أن علي المجيد لم يتورع عن قتل شقيقه أيضا وهو والد حسين كامل في تلك المعركة الشهيرة!! لقد كان قاتلا و مجرما لا مثيل له، فخلال قيادته لعمليات الأنفال لم يتورع أبدا عن إستعمال أقصى درجات العنف ضد المدنيين الأكراد عام 1988 و حينما قابل زعماء الأكراد في عام 1991 كان يحتج عليهم و يلومهم لأنهم ( شوهوا ) سمعته و قالوا أنه قتل 200 ألف!! و كان إحتجاجه ينصب على القول من أنه لم يقتل سوى 120 ألف إنسان!!! تصوروا الوضاعة و الخسة و الإرهاب و إزدراء النفس البشرية!!، كان كيمياوي كثيرا ما يسخر من الرأي العام العالمي و كان يردد على الدوام عبارته الأثيرة ( ألعن أبوهم لا أبو كل دول الله.. ألعن أبو شواربهم )!! بهذا المنطق التافه كان يتحدث ذلك الشخص التافه الوضيع المجرم.

في غزو و إحتلال النظام العراقي لدولة الكويت برز علي حسن المجيد بإعتباره كان حاكم الكويت العسكري و نفس عن أحقاده من خلال قمعه الشديد للشعب الكويتي و حملات الإعدام و التدمير الشاملة التي كان ينفذها بشراسة منقطعة النظير لا علاقة لها أبدا بكل الدعايات القومية المزيفة لنظامه العدواني، وبعد الهزيمة و الهرب من الكويت بعد التحرير مارس حقده و جرائمه المخزية على الجماهير المنتفضة العزلاء في الجنوب العراقي و شهيرة للغاية أشرطة الفيديو التي تؤكد ساديته و إرهابه وهو يقوم بالشتم و التعذيب و إطلاق الرصاص و الإعدام الجماعي، لقد إستحق بالفعل لقب جزار العراق و الأمة العربية أيضا!!!

و مع ذلك لم يزل يحظى بالإعجاب و التقدير من بعض القطاعات العربية المريضة و السادية و الطريف أن زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله كان قد قابل و صافح وقبل هذا الشخص في بيروت عام 2001 رغم دماء الأبرياء النازفة من ين أصابعه!! و لكنه النفاق السياسي و الأوامر الإيرانية التي لاراد لها كما نعلم و تعلمون!!.

لقد حظي هذا الشخص بسلسلة طويلة و مملة و عادلة من المحاكمات التي لم يكن ليوفرها أبدا لخصومه لو أنه ظفر بهم!بل كان الإعدام الفوري وسيلته المفضلة لحسم النزاعات و إعدامه شنقا لربما يكون نهاية سعيدة لحياته الدموية التي ما كانت لتنتهي إلا نهايات بشعة، فالجزاء في النهاية من جنس العمل، و ما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون، فشخص أولغ في دماء الناس و لو كانوا من الأهل و العشيرة لم يكن مظلوما أبدا، بل أنه كان ظالما للناس و لنفسه على طول الخط، ونهايته كانت أكثر من متوقعة فمن إستل سيف البغي قتل به!

كان صلفا متعجرفا متفرعنا يتصور نفسه مركز الكون و ما درى أبدا لجهله و أميته و تجبره من أنه أعجز من بعوضة أمام حكم الله و التاريخ، ولو دامت لغيره ما وصلت إليه!!، ولكن المشكلة هي أن جميع الطغاة لا يتعظون و لا يقراوون التاريخ وحتى إن هم قرأوه فإنهم لا يفهموه!!.. و تلك هي المعضلة؟.

[email protected]