عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين ماتت في عز شبابها، فعمرها لم يتعدى العشرين عاما، لكنها دخلت في موت سريري في فترة ولاية بوش الابن وأصبحت جثة هامدة في أعقاب خيبة الأمل التي يشعر بها الفلسطينيون بعد اعتراف اوباما بالفشل في تحريك مسار التفاوض بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بل والانقلاب على مواقفه السابقة، وباتت مهمة مبعوثه للشرق الأوسط جورج ميتشل، هي الضغط على الفلسطينيين لقبول الرؤية الإسرائيلية للسلام.


إسرائيل نجحت في الالتفاف على التوجهات الأمريكية الجديدة، التي ظهرت في بعد فوز اوباما لأنها رأت فيها خطرا على مخططاتها ومشاريعها التوسعية في المنطقة في ظل عجز عربي واضح عن الفعل، وحرصت إدارة نتنياهو على عدم الدخول في صدام مباشر مع إدارة اوباما، فقدمت تنازلات شكلية فيما يتعلق بمطلب اوباما وقف النشاط الاستيطاني، ولجأت إلى عملية خداع مكشوفة، فجمدت الاستيطان لمدة عشرة اشهر في الضفة الغربية باستثناء القدس، بعد الموافقة على منح تراخيص بناء لما يزيد على ثلاثة آلاف وحدة سكنية، وهو معدل عال يتم تنفيذه خلال عشرة اشهر، وأبدى نتنياهو الاستعداد لاستئنا
ف المفاوضات على أساس حل الدولتين بشرط أن يعترف الجانب الفلسطيني بيهودية دولة اسرائيل.


برز على السطح موقفان على درجة كبيرة من الغرابة: الأول: هو موقف السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس، فقد وافقت على قرار نتنياهو استثناء القدس وهو ما يعني الموافقة بشكل ضمني على استبعادها من المفاوضات، وخطورة الأمر أن هذا يمهد لإسرائيل ضم القدس بقرار أحادي الجانب، على الرغم من أن ملف القدس يدخل ضمن مباحثات الوضع النهائي الذي يشمل الحدود واللاجئين والمستوطنات، كذلك فإن الشرط الإسرائيلي وهو اعتراف السلطة الفلسطينية بالدولة اليهودية، يعني إعطاء اسرائيل الحق في تجريد عرب ثمانية وأربعين من حقوقهم، واعتبارهم جالية أجنبية كأي جالية مقيمة في اسرائيل.


الموقف الثاني: موقف الإدارة الأمريكية الذي صدم الكثيرين، والتي اعتبرت هذا الشرط كافيا لاستئناف عملية التفاوض وهو كما سبق القول يمثل انقلابا على مواقفها السابقة، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل السعي لتسويق الرؤية الإسرائيلية، وممارسة ضغوط على السلطة الفلسطينية عبر جورج ميتشل للتخلي عن الوقف الكامل للمستوطنات، كشرط لاستئناف المفاوضات، وتصوير الطرف الفلسطيني والعربي بأنه يرفض فرص التوصل لتسوية عادلة، وقلب الأكاذيب وتصويرها على أنها حقائق.


ومن هذه الأكاذيب ترويج أن موقف نتنياهو قد تغير من معارضة إقامة دولة فلسطينية إلى الموافقة على قيام هذه الدولة، وأن اليمين الإسرائيلي يستطيع في ظل ضعف تأثير اليسار على الحياة الاسرئيلية تمرير التسوية، والأخطر التركيز على مسألة ترسيم الحدود، وتخطي عقبة العودة إلى حدود سبعة وستين كمرجعية لرسم حدود الدولة الفلسطينية، والتي يجب على قوات الاحتلال الانسحاب إلى ما ورائها من خلال طرح فكرة تبادل الأراضي، وتقديم ضمانات أمريكية تلبي مصالح الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.
إن عملية تبادل الأراضي تنطوي على مخاطرة كبيرة، لأنها ستكون مجرد غطاء على احتلال اسرائيل لأراض عربية، والتعامل مع هذه المسألة من قبيل الأراضي المتنازع عليها، وإضفاء شرعية على المستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذي يعني حلولا وهمية.


لقد بات واضحا أن الولايات المتحدة في عهد اوباما كما العهود السابقة، ليست طرفا نزيها في التفاوض لأنها لا تقف على مسافة واحدة من الطرف الفلسطيني والإسرائيلي، وبالتالي لا يمكن الرهان على الضمانات الأمريكية لتجاوز أزمة الثقة بين اسرائيل والعرب، وبالتالي على السلطة الفلسطينية ألا تقبل العودة إلى طاولة المفاوضات، قبل أن تعلن اسرائيل أن الأراضي التي استولت عليها بالقوة العسكرية عام سبعة وستين quot;أراض محتلةquot; والقبول quot; بالمبادرة العربيةquot; كأساس للتفاوض، وعليها أيضا ألا تقبل مبدأ تبادل الأراضي، لأنه تنازل خطير يعقد الوصول إلى تسوية لان اسرائيل تهدف إلى اتخاذ هذا الأمر ذريعة لتبرير إلغاء خط الرابع من يونيو سبعة وستين كمرجعية لرسم حدود الدولة الفلسطينية، والانتباه إلى أن اسرائيل تريد ضم الكتل الاستيطانية الكبرى، كأمر واقع وإعطاء الانطباع لدى الرأي العام الدولي بأن اسرائيل تنازلت وضحت من أجل التوصل لتسوية مع الفلسطينيين، وأتمنى ألا يخاطر الفلسطينيون والعرب بقبول ما يتناقض مع الحقوق الشرعية العادلة للشعب الفلسطيني.


ويحضرني هنا جواب الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في محاضرة له بجامعة جورج واشنطن عام سبعة وتسعين عن سؤال حول مفهوم إسرائيل لعملية السلام بالقول: إنها حرب من أجل السلامrlm;..rlm; ليست حربا عسكريةrlm;،rlm; لكنها صراع تفاوضيrlm;،rlm; ودبلوماسيrlm;،rlm; ونفسيrlm;،rlm; وضغوط بكل الوسائل المتاحةrlm;،rlm; تدخله إسرائيل وهي مجهزة باستراتيجيةrlm;،rlm; وبإدارة لعملية السلامrlm;.rlm;

إعلامي مصري