إسلام آباد هي العاصمة الثانية لباكستان ومن أجمل العواصم على المستوى الدولي. كما وأنها أول مدينة مخططة في منطقة جنوب آسيا كلها. مضى على بنائها نصف قرن وها هي تحتفل بعامها الخمسين أو عامها الذهبي هذا العام 2010م.


فكرة إنشاء عاصمة جديدة:

كانت مدينة كراتشي المطلة على بحيرة العرب أول عاضمة لباكستان حين انقسام شبه القارة الهندية إلى دولتين باكستان والهند واستقلالها من الاستعمار البريطاني في 14 أغسطس 1947م.


ورغم أن هذه المدينة تقع في أقصى جنوب البلاد وتبتعد عن الأقاليم الشمالية بالمئات من الكيلو مترات؛ إلا أنها بقيت عاصمة للبلاد من دون حدوث أي تغيير بسبب المشاكل التي كانت تواجهها دولة باكستان الناشئة التي شهدت أكبر هجرة في التاريخ البشري. وكان إسكان المهاجرين أكبر مشكلة أمامها في ذلك الحين؛ ولكن كانت القيادة الباكستانية تدرك ببعدها عن بقية المناطق من البلاد.


وأخيرا تم تشكيل لجنة بعد عقد من إنشاء باكستان عام 1958م للبحث عن موقع مناسب لإنشاء عاصمة جديدة للدولة الفتية. ووقع اختيار اللجنة على المنطقة التي تتسمى اليوم إسلام آباد لعدة أسباب. منها لطافة طقسها وقربها من جبال ماركلة التي تحرسها من الشمال ووفرة المياه والخضرة وصفو الجو إضافة إلى كونها متاخمة لمدينة راولبندي العسكرية التي تؤوي مقر القيادة العامة للجيش.


فوضع الرئيس الباكستاني المرحوم الجنرال محمد أيوب خان حجر أساس المدينة الجديدة التي أصبحت أول مدينة مخططة في منطقة جنوب آسيا كلها عام 1960م. وانتقلت المباني الرسمية الهامة من كراتشي إلى مدينة راولبندي.


التسمية وتقسيم المدينة:

تم تقسيم العاصمة الجديدة إلى خمس مناطق على أساس أشهر اسم لمنطقة أو حديقة في الأقاليم الخمسة الباكستانية آنذاك. فتمت تسمية منطقة بـ (مهران) بالإشارة إلى وادي مهران في إقليم السند والمنطقة الأخرى (بولان) تشبيها بوادي بولان في إقليم بلوشستان والمنطقة الثالثة (شاليمار) باستلهام اسمها من حديقة شاليمار في البنجاب وهي من أشهر الحدائق التي أنشأها المغول في الهند. والمنطقة الرابعة (خيبر) بالإشارة إلى معبر خيبر في إقليم الحدود الشمالية الغربية والمنطقة الخامسة هي (رمنا). وهذا الاسم مستلهم من حديقة رمنا الكائنة في مدينة داكا عاصمة بنغلاديش الحالية والتي كانت باكستان الشرقية في ذلك الوقت.


وللأسف أن هذه الأسامي محفوظة في بطون السجلات الرسمية؛ إلا أنها غير معروفة على ألسنة سكان العاصمة. ومن المثير أن اسم إسلام آباد مأخوذ من اسم مدينة إسلام آباد الواقعة بكشمير المحتلة مثل حرف الكاف في اسم باكستان والتي تلمح إلى كشمير.


الشركة التي خططت العاصمة:

وقامت شركة Doxiadis Associates اليوناينة بوضع الخطة العامة للعاصمة الجديدة التي بدأت تنمو مع مرور الوقت وقد تجاوز عدد سكانها نصف المليون نسمة في الوقت الحالي؛ لكن رغم ذلك فإنها تصبح منطقة مهجورة مع جميع مظاهرها الخلابة والخضرة أيام الأعياد الإسلامية، إذ يعود معظم أهاليها إلى مدنهم وقراهم للتعييد مع ذويهم. ولو قام أحد بزيارة قلب المدينة في ذلك الوقت يرى وكأنها لم تكن عامرة.


مع مرور الوقت انتقلت جميع الدوائر الرسمية إلى إسلام آباد ولا تزال مشاريع توسيعها مستمرة. وقد أصبحت الآن قلب البلاد النابض والذي يدفع بالدم الجديد في جميع العروق.


وتشتهر مدينة إسلام آباد بخضرتها وأشجارها الباسقة وجبالها الخضراء؛ إلا أن خضرتها بدأت تتقلص أمام الزحف الجارف لتوسيع بنيتها الأساسية؛ لأن توسيع الطرق وإنشاء المفترقات وبناء الجسور المرورية كلها على حساب الشريط الأخضر. وقد أبدى مجموعات حماية البيئة قلقها إزاء هذا الأمر ودعت الحكومة إلى إيجاد الحلول البديلة لتوسيع البنية التحتية.


ومع أنه تم قطع كمية كبيرة من الأشجار وقد أتت الطرق المسفلتة على المنطقة الخضراء الشاسعة ؛ إلا أن جمال هذه المدينة لا يزال خلابا. ولو تدخل إسلام آباد صيفا ستندهش لأول وهلة من مشاهدتها وتفكر هل هي مدينة في غابة أم غابة في مدينة.


أهم معالم إسلام آباد:

مثل كل مدينة في العالم تحظى إسلام آباد أيضا بتواجد عدة مزارات منها مزارات دينية ومزارات سياحية وأخرى تقافية. ومن أشهر المزارات الدينية لإسلام آباد مسجد الملك فيصل الذي يتراءى لزوار العاصمة من quot; نقطة الصفرquot; وهي نقطة الدخول إلى العاصمة مرورا من المطار. كما وأن طريق المطار ينتهي إلى هذا المسجد في سفوح جبال ماركلة الجميلة.


والمزار الديني الثاني هو ضريح بري إمام أحد الأولياء الصالحين قرب الحي الدبلوماسي. ويقوم الناس بزيارته في جميع أوقات العام. كما يقام عليه مهرجان سنوي يستغرق سبعة أيام. وقد ألغي هذا المهرجان أول مرة العام الماضي جراء الأسباب الأمنية لأول مرة.


ومن أهم المزارات السياحية منطقة (دامن كوه) المحفوفة بالغابات الكثيفة في جبال ماركلة. ومنطقة (بير سوهاوا) أعلى نقطة لمشاهدة إسلام آباد. ومنظر المدينة من هذا الموقع في الليل يكون أجمل. وحديقة فاطمة جناح و (شكر بريا) حيث أقيم تذكار زمن الرئيس السابق مشرف ويليها حديقة (الورد والياسمين). وكما هو الظاهر من الاسم إنها حديقة للأزهار وتقام هنا معارض للأزهار أوائل الربيع بينما توجد فيها أنواع من الورد مغروسة طوال العام. وحديقة الحيوانات التي من أهم المزارات السياحية للأطفال وحديقة (راول جهيل) التي أنشأتها هيئة تطوير العاصمة بمصاريف باهضة. وهي أجمل حديقة في العاصمة على الإطلاق لوقوعها على حافة بحيرة راول. وكانت منطقة هذه الحديقة غابة كثيفة حتى قبل أربع سنوات. أضف إلى ذلك سد راول وسد سملي وحديقة أنقرة.


ومن أهم المزارات الثقافية (لوك ورثة) ndash; الترات المحلي- حيث تم تجسيد التراث المحلي لكل منطقة من باكستان في قاعات وغرف مختلفة إضافة إلى جلب أصحاب الصناعات المحلية في رحابها. كما وأن الهيئة المشرفة على (لوك ورثة) تقيم مناسبات مختلفة لإبراز التراث المحلي من حين إلى آخر. كما وأن لديها مكتبة مصورة واسعة.


الجامعات والمعاهد العلمية:

تؤوي إسلام آباد عدة من الجامعات الرسمية والأهلية. ومن أشهرها جامعة القائد الأعظم والجامعة الإسلامية العالمية وجامعة العلامة إقبال المفتوحة وجامعة أردو الفدرالية والجامعة الوطنية للدفاع والجامعة الوطنية للغات الحديثة إلى جانب جامعات كثيرة أهلية. ويشار إلى أن الجامعة الوطنية للغات الحديثة هي الجامعة الوحيدة المتخصصة في اللغات الدولية في البلاد.


هذا وبمناسبة العيد الذهبي للمدينة قامت هيئة تطوير العاصمة بوضع لوحات ترحيبية في مختلف الأماكن من العاصمة وكلها تحمل عليها عبارة quot; خمسون عاما مجيداquot;. طبعا إن حكاية العاصمة إسلام آباد، حكاية شعب فقير نهض من الحضيض رغم جميع المشاكل ليصبح القوة النووية الثامنة على المستوى الدولي. وها هو اليوم مرة أخرى أمام نضال جديد من أجل حماية مكاسبه خلال نصف القرن الماضي