ظهور الأنبياء عبر مراحل التاريخ شكل نقطة تحول إيجابية لتنظيم الحياة الروحية والدينية للمجتمعات وفق ضوابط وأحكام وعقائد وفلسفات حملتها أديان الأنبياء للبشرية... وكان الإيمان والتسليم بها هو الشرط الأول والأساس لمن يريد أعتناقها ثم تأتي في مراحل لاحقة عقلنة الإيمان بها وتبريره والدفاع عنه، وبعدها يحدث الأختلاف والأنشطار والتوزع الى طوائف ومذاهب نتيجة الصراعات المختلفة، وتنوع قراءة وتفسير النص المؤسس الأول بعد غياب مصدره الذي جاء به ووفاته ونقصد به النبي.
و تشكيل الأنبياء وأتباعهم لدين معين هو أستجابة طبيعية لنزوع فطري روحي يبحث عن الأشباع، فالانسان المجهز بالنزوع الروحي الأصيل في أعماقه يظل في حالة بحث دائم عن مظلة روحية يستظل بها ويشبع حاجاته بواسطتها.. بحثا عن الأرتواء النفسي والشعور بالطمأنية والأمان، والحصول على أجابات لأسئلته حول الانسان والحياة والكون، ولهذا كان الانسان البدائي الأول حائرا وقلقا وقد دفعه هذا الى أبتكار عبادة الطوطم الذي كان يرمز له بأحد مظاهر الطبيعة أو حيوان أو طير أو رمز ما.
وكان ظهور الأنبياء هو أحد تجليات التطور الروحي والأجتماعي للأنسان، ولو أخذنا النبوة من منظور سيكولوجي نفسي نجد انها تمثل أعلى حالات التأمل الروحي والوجد الصوفي والأتحاد بالله، فالنبي كأنسان أمتلك طاقة عاطفية وروحية تفوق بها على أبناء عصره، وهذا البحث عن الله وسر الوجود أوصله الى درجة الذوبان والتماهي الروحي بالله، وطغيان عالم الخيال والروح لديه بصورة كبيرة جدا، ومن ثم ((أنسنة )) هذه العلاقة بين النبي والله كما لو انها علاقة بشرية بين انسانيين، وقد نتج عن هذا خروج الأفكار والتأملات والعقائد والاحكام التي ألقاها الانبياء على أتباعهم.
فمن وجهة نظري ان النبوة ظاهرة بشرية ايجابية نبيلة نظمت حياة المجتمعات الروحية والدينية والاجتماعية... وهذه الظاهرة تم تضخيمها وتصويرها بأنها أصطفاء من الله للبعض واختيارهم كأنبياء وانزال الشرائع السماوية عليهم، وهذا يتعارض مع عدالة الله ومساواته بين البشر، ففكرة الأصطفاء والعصمة فيها تمييز وتفرقة بين الناس، وهذا بالضد من العدالة الإلهية، ثم لماذا لم يختر الله من بين الانبياء أمرأة وجعل جميعهم من الذكور ونحن نعرف ان المجتمعات القديمة كانت مجتمعات أمومية تقودها النساء ولايوجد مشكلة في أن تترأسهم وتقودهم أمرأة نبية.. أليس هذا ايضا يتعارض مع عدالة الله؟
فالنبي أنسان رقيق مرهف المشاعر، جعلته هذه الشفافية الروحية العالية كان يتحسس أكثر من غيره الجانب الروحي في نفسه وفي في نفوس أبناء مجتمعه وراح يبحث عن أشباعه عبر الأتصال بالقوى العليا والخالق وسر الأسرار الله، وهذا البحث عن الله أوصله الى درجة الذوبان والتماهي الروحي بالله، وطغيان عالم الخيال والروح لديه بصورة كبيرة جدا، ومن ثم أنسنة هذه العلاقة بين النبي والله كما لو انها علاقة بشرية بين أنسانيين، وبالتالي فأن النبوة ظاهرة روحية بشرية غير مرتبطة بالله بشكل مباشر مثلما تصورها الأديان، ولكنها تعبر عن أحد أشكال الإيمان التي يراها النبي وأتباعه.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات