السيدة أحلام أكرم جعلتني أعيش صراعا مع نفسي أستمر عدة أسابيع، فأنا متابع لكتاباتها ومعجب بفكرها العقلاني التنويري... وحينما قررت التعبير عن هذا الأعجاب بكتابة مقالة عنها أصطدمت بعقبة كبيرة بالنسبة لي.. فهي مواطنة خليجية وهذه مشكلة تثير حساسية بالغة عندي.. اذ من المعروف عن معظم أبناء المجتمعات الخليجية ينظرون بالكثير من الشك للعرب ويظنون بمن يكتب عنهم أو يقيم أي أتصال معهم بأنه ربما طامع بأموالهم ولديه مصلحة شخصية للحصول على عقد عمل وفيزا الى دول الخليج العربي، وايضا ما يؤسف له ان غالبية الخليجيين يتعاملون بتعالي وتكبر مع العرب وغيرهم!
ولكن ماأذهب عني هذه الحساسية والتردد هو ان السيدة أحلام بادرت مشكورة بالأشارة الى كتاباتي في أحدى مقالاتها وبهذا أثبتت أنها تتعامل مع الأخرين بروح أنسانية تتصف بالعدالة بعيدا عن سلوك أكثرية الخليجيين وانها تعيش مقيمة في لندن، وانا أعيش في أميركا مما يعني عدم حاجتي الى عقد العمل والفيزا لدول الخليج، وعليه لاأحد يستطيع ان يتهمني بوجود مصلحة شخصية لي لدى السيدة أحلام.
والكتابة عن السيدة أحلام وتوجيه التحية لها أعتبره واجباً أخلاقيا على كل شخص يحترم العقل ومباديء الحرية والعدالة والقيم الأنسانية، فهذه المرأة تفكر وتكتب بعقل نقدي رائع، وصرامة فكرية، ووضوح في الرؤية، وهي تعبر عن قناعاتها بأسلوب مكثف مختزل غني بالمعاني والمضامين وجذاب للقاريء.
واذا كنا نشكو في الوطن العربي من ضعف الكتابات الفكرية النسوية، وان العديد من الكتابات التي تنشر للمرأة غالبا ما تكون سطحية وتنشر مجاملة لها، وبعضها يكتبها لها كتاب ذكور وتنشرها المرأة باسمها من باب التباهي والديكور الأجتماعي الزائف، فان أحلام أكرم لديها غزارة وعمق فكري أتمنى عليها لو تكرس جزءا من وقتها و استثمار هذا الغنى الفكري في تأليف وأصدار الكتب التي تكون أكثر فائدة للناس من المقالة، وتخلدها ككاتبة في ذاكرة القراء.
وكمثال على طبيعة فكرها النقدي التنويري أنقل هذه الفقرة من مقالة: دور جديد لرجال الدين... المنشورة في إيلاف التي تقول فيها: (( وواجبنا تجاه الأجيال المقبله أن نفتح هذه الصفحه.. صفحة نقد الفكر الغيبي.. ونقد الأديان جميعها للخروج من ظلامية الفكر الديني.. إلى مجتمع منتج يستند إلى قيم الأخلاق والفضيله.. فهذا المجتمع أفضل بكثير من مجتمع متدين بلا إنتاج.. تطوير البنيه الإنسانيه التحتيه في المنطقه العربيه أصبح ضرورة ماسه تبدأ من البيت... وتنتهي بفصل الدين عن الدوله لإرساء قواعد الديمقراطية السياسية. التي تضمن التطور المجتمعي وتؤسس لقيم الحرية والعدل والمساواه كقيم عالمية لا تختلف بإختلاف الدول أو الأفراد..)).
وهذه الفقرة المكثفة والعميقة تمثل ذروة الوعي النقدي الذي شخص معضلة ليس المسلمين وانما عموم المجتمعات البشرية التي عانت من مشاكل رجال الدين وألأديان ذاتها، فهي تنظر بعين نقدية معرفية واحدة الى جميع الأديان دون تمييز وتحيز، و تؤكد فيها على أهمية تنمية الجانب النفسي والعقلاني المتوازن وما ينتج عنه من فكر وسلوك أخلاقي أنساني نبيل يجسد مباديء الفضيلة والحق والعدالة... فالأنسان مهما كان متديناً بدرجة كبيرة لايمكن ان يصبح أنسانا سويا ومتوازنا من دون تنمية القيم الأخلاقية في داخله.. بدليل ان جراثيم الإرهاب يعتبرون في منتهى الإلتزام الديني ويطبقون معظم أحكامه بصرامة، ولكن إلتزامهم الديني هذا لم يمنعهم من أرتكاب أبشع الجرائم الوحشية في التخريب والقتل بسبب خلو هذا التدين من أهم شرط للوجود البشري وهو القيم الأخلاقية ألانسانية، فالدين الذي يأتي الينا عن طريق الوراثة هو إلتزام أكراهي جبري تعودنا عليه، وساهمت ضغوط المجتمع والخوف من العقاب الإلهي في التمسك به، ولكن الإلتزام بالقيم الأخلاقية السامية هو خيار فردي حر نمارسه بمحض أرادتنا وهو يعبر عن جوهر ذاتنا ومدى رقيها مستواها الحضاري.. لذا فأن التربية الأخلاقية هي أهم بكثير من الإلتزام الديني.
توجد أفكار كثيرة تضمنتها مقالات السيدة أحلام المنشورة في إيلاف وغيرها لايسع المجال هنا لتسليط الضوء عليها، فقط وددت عرض نموذج منها، وتوجيه الشكر والتحية لها ولفكرها التنويري الانساني الذي يذكرنا بأن المرأة هي خالقة الحياة والراعية لها والساهرة عليها، وما يفيض به قلم السيدة أحلام أكرم هو تجسيد حقيقي لمشاعر أمومة المرأة حيال البشر والحرص على حياتهم وسلامتها ورقيها.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات