يستقبل الرئيس بشار الأسد اليوم الاثنين رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية السورية السيناتور فيليب ماريني الذي يحمل معه رسالة من الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي تتعلق بمواصلة وتطوير العلاقات الممتازة بين البلدين. زيارة ماريني لسورية التشاور في آخر التطورات التي تشهدها المنطقة وعلى رأسها المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل والمصالحة الفلسطينية والملف اللبناني.
ووفقاً للمصادر فإن العلاقة السورية الأمريكية ستأخذ حيزاً من الحديث بين عضو مجلس الشيوخ الفرنسي والرئيس السوري، وتأتي زيارة ماريني لدمشق بعد أيام من لقاء جمع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بحثا خلاله العلاقة مع سورية، ومعروف عن ماريني علاقته الجيدة بسورية، ورغبته التي أعلن عنها أكثر من مرة بالسير قدماً بتطوير العلاقات السورية الفرنسية على أكثر من مستوى وصعيد..
في العقد الأخير مرت العلاقات الفرنسية السورية بثلاث مراحل:
الأولى مرحلة تبني كامل لعملية توريث الحكم في سورية، والمشاركة في إعداد الرئيس الوريث منذ كان لازال ضابطا متوسطا في الجيش السوري، برتبة رائد طبيب، عندما استقبله الرئيس الفرنسي جاك شيراك على درج الإليزيه، وأكيد كان والده الراحل الرئيس حافظ الأسد يراقب وريثه في التلفاز. ويقال أن شيراك نفسه ساهم بالضغط على أمريكا لإرسال وزيرة خارجيتها آنذاك مادلين أولبرايت من أجل حضور جنازة الرئيس الراحل وترتيب لقاء مع الرئيس الوريث، اثناء ذلك. وكانت دمشق كما هي الآن لا تخلو من مسؤول فرنسي، إما أمني غير معلن، أو سياسي معلن. وبالفعل استطاع جاك شيراك تمرير عملية التوريث دوليا بشكل سهل جدا، كما انه حاول المساهمة في ما أعتقده إصلاحا لنظام الوريث الرئيس، من خلال خبراء في كافة المجالات توافدوا على سورية، ولم يكن أيضا الرئيس الراحل رفيق الحريري بعيدا عن هذه الأجواء بل وساهم فيها أيضا، لأن هنالك مصادر تقولquot; أن دعم شيراك لعملية التوريث، وإن كان مبتوتا به استراتيجيا فرنسيا، فإن صداقته للحريري، قد زادت من اندفاع الرئيس الفرنسي في هذه العلاقة. لهذا عندما أتت المرحلة الشيراكية الثانية، جاءت على أثر الصدمة من اغتيال الراحل رفيق الحريري، وما ترتب على القرار 1559 من خروج للجيش السوري في لبنان. حيث بدأت مرحلة الضغوط السياسية على النظام في دمشق، وعملية حصار سياسي نسبي للنظام، قادها الرئيس شيراك بالتنسيق مع الرئيس جورج بوش. وهذه الضغوط التي تأججت أكثر فأكثر مع تأسيس المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الراحل رفيق الحريري، وشهداء الاستقلال، كما قيل آنذاك وصدقنا، نحن السذج. وهنا لابد من تسجيل مفارقة أولىquot; أن المملكة العربية السعودية والرئيس المصري السيد حسني مبارك، قد ساهما في تخفيف الضغط على النظام السوري، من خلال التدخل في البنود والنصوص القانونية لتشكيل المحكمة الدولية، ومن أجل إنقاذ الصف الأول والثاني من النظام، كما أشارت الكثير من المصادر، وكما أشيع آنذاك. هذه المرحلة الثانية، حيث أصبح الرئيس الفرنسي محط هجوم قوي ولاذع من قبل الإعلام السوري، وما يدور في فلكه من إعلام عربي. تزامنت هذه المرحلة، أيضا مع تخريب شبه كامل للعلاقة السعودية السورية، وما رافقها أيضا من تشعبات. وصلت لفرض عقوبات أمريكية على سورية، وإن كانت عقوبات جزئية، ولكنها كانت مؤشر على تصاعد هذه العقوبات، والحصار، لو لم يأتي الثنائيquot; أوباما- ساركوزيquot; إلى قيادة العالم، ومجيء حزب العدالة والتنمية التركي، الذي فتح للرئيس السوري بوابة التفاوض مع إسرائيل من أجل عودة تدريجية للنظام إلى الساحة الإقليمية وهذا كان بتشجيع واضح من النخب السياسية الإسرائيلية.
وهكذا بدأت المرحلة الحالية من العلاقة السورية الفرنسية، والتي تحمل المفارقة التاليةquot; إن الرئيس ساركوزي، كان اندفاعه نحو سورية، ليس وليد اهتمامه في لبنان، بل وليد استراتيجية تحملها قسم مهم من النخب الغربية والإسرائيلية، وهي يجب الحفاظ على النظام القائم في سورية مهما كانت الذرائع والمسميات، لاستمرار سورية ضعيفة لحين يستجد جديد! والملف اللبناني كان ذريعة ساركوزي، كما هو الحال في ملف التفاوض مع إسرائيل، لأن ساركوزي يعرف جيدا التاليquot; أن عين النظام السوري هي على واشنطن أولا وأخيرا. كما يعرف أن حصيلته في لبنان جاءت هزيلة جدا أقله حتى هذه اللحظة، وهو يعرف أيضا أن هنالك استحقاقات مهما حاول ساركوزي أو كلود غيان أو فرنسوا ماريني لن يقبل النظام السوري بدفعها مطلقاquot; فكانت سياسة ساركوزي ليس سحب التنازلات من النظام، بل إضعاف خصومه فقط، في لبنان أو في المنطقة عموما، وإضعاف الخصوم، يعني قوة للنظام. والدليل رفض النظام توقيع اتفاقية الشراكة مع أوروبا ساركوزي- ميركل. كما أنه من غير المفهوم، تشدد ساركوزي مع إيران ودعم النظام في دمشق، الذي مهما حدث لن يفك تحالفه مع طهران، وهذا يترك سؤالا كبيرا في الحقيقة، وساركوزي والدول العربية تعرف، أن سورية محطة دعم مهمة لسياسة الدولة الإيرانية! كما أن ساركوزي يعلم جيدا، انه مهما حاول في ملف التفاوض السوري الإسرائيلي، فإنه لن يستطيع إجبار النخب الإسرائيلية على الانسحاب من الجولان، ولن يستطيع استبعاد أمريكا، ولهذا زيارة ماريني بعد لقاء ساركوزي بهيلاري كلنتون، أن ساركوزي في سياق وساطته بين النظام في دمشق وأمريكا يحمل مبادرة جديدة، تذكر بالوساطة التي قام فيها ساركوزي بين الرئيس الأسد والحكومة العراقية قبل أشهر من الآن، والتفجيرات لازالت مستمرة! ماهي هذه المبادرة التي يحملها ماريني، وما علاقتها بملف طهران، أو بملف الضغط على الفلسطينيين في حال إهمال مسارهم؟ وفتح المسار السوري، على مزيدا من التفاوض لأجل أهداف غير السلام وإعادة الجولان. وككل دعم فرنسي، يقوى النظام وتضعف سورية أكثر فأكثر، لتكون مرشحة أولى لحرب اهلية في حال أراد أحد من الكبار اللعب في هذه الورقة في لحظة ما.
بروكسل
التعليقات