منذ أيام يشتد الجدال حول تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش في عمان، تطالب فيه الحكومة الأردنية بتوضيح تعليمات فك الارتباط بين الأردن والضفة الغربية، وفقاً للقرار الذي صدر عام ثمانية وثمانين بناءً على طلب من منظمة التحرير الفلسطينية.
التقرير جاء على خلفية قيام الجهات المعنية في الأردن، بسحب الرقم الوطني من بعض الأردنيين من أصول فلسطينية، بالاستناد إلى قرار فك الارتباط، على اعتبار أنَّ كل من يحمل وثيقة لم الشمل وهو مقيم في الضفة الغربية قبل تاريخ 15/8/1988 لا يتمتع بحقوق سياسية في الأردن، وبالتالي لا يحمل رقماً وطنياً على وثيقة جواز السفر الأردني، على أن يتمتع فقط بالحقوق الأخرى كأي عربي يقيم على الأراضي الأردنية.
من الجيد، أن تتطرق منظمة هيومن رايتس ووتش إلى هذه القضية، بغض النظر عن وجود إجحاف بحق البعض، أو مغالطات ضد الأردن لجهة القرار، لكن أود الإشارة هنا إلى أن المنظمة الموقرة لم تتطرق من قريب أو من بعيد إلى معاناة الأهل في غزة، ولا إلى الإهانات والمضايقات اليومية التي يتعرض لها الأطفال والنساء والشيوخ على الحواجز في الضفة الغربية، بل والأكثر من ذلك أنَّ هيومن رايتس ووتش اعتبرت أنَّ الحرب على غزة وما قام به الجيش الإسرائيلي بما له من قوة واستخدامه الأسلحة المحرمة دولياً هو من قبيل الدفاع عن النفس.
على أي حال، ما شاهدناه وتابعناه خلال الأيام الماضية في وسائل الإعلام الأردنية المرئية والمسموعة والمكتوبة، كان التأكيد من قبل بعض المتحدثين على أنَّ القرار الأردني هو تصويب وتنفيذ لبنود قرار فك الارتباط، وأنَّ من فقد الرقم الوطني الأردني، يمكنه الحصول على جواز السفر الفلسطيني، وأنَّ بقاءهم في الأردن لفترة طويلة يفقدهم حق العودة إلى الضفة الغربية، حسب بطاقة لم الشمل التي أصدرتها الحكومة الإسرائيلية، خاصة وأنَّ ذلك يخدم الحكومة اليمينية المتشددة في تهويد الأرض.
كما استند البعض إلى أنَّ هناك وثيقة موجودة في الجامعة العربية، تتعهد فيها الأردن منذ وحدة الضفتين بناءً على طلب بعض الدول العربية، بأن تكون الضفة الغربية في عهدة الأردن، حتى يستطيع الشعب الفلسطيني تقرير مصيره.
أما ما يُلفت النظر ويزيد الاستغراب ويكشف المستور، هو مشاركة العين مروان دودين وهو وزير شؤون الأرض المحتلة سابقاً، في برنامج على التلفزيون الأردني، وكان أول ما تحدث عنه، أنه لم يقرأ التقرير، وتارة أخرى أنه اطلع على ردود الفعل من بعض الصحف المحلية والعربية، ورداً على سؤال حول توقيت التقرير واستهدافه للأردن، أجاب العين دودين على مقدم البرنامج قائلاً: لا تعطي الأمور أكثر من اللازم، مشيراً إلى أنه لولا منظمة هيومن رايتس ووتش لما كُشف عن فضائح سجن أبوغريب، والممارسات التي ارتكبتها القوات الأمريكية هناك، وهذه من وجهة نظري مقارنة غير منطقية، لأنَّ موضوع سحب الأرقام الوطنية لا يجوز تشبيهه بفضائح السجون العراقية.
لماذا إذن يعتب الأردنيون والفلسطينيون على منظمة هيومن رايتس ووتش وينتقدونها؟ ألم تكشف المستور؟ وثمة سؤال آخر، ما الذي قدمه الأستاذ مروان دودين للفلسطينيين والأردنيين؟ هل زار غزة واطلع على أحوال أطفالها ومعاناة أهلها، هل خرج بعد الحرب على غزة على وسائل الإعلام ودافع عن تقرير غولدستون؟ وهل ذهب إلى القدس واطلع على ما تقوم به قوات الاحتلال من تنكيل وتغيير لمعالم المدينة؟
لماذا يغضب الأردنيون هذا الغضب على منظمة هيومن رايتس ووتش، ولماذا البرامج التلفزيونية، وتركيز وسائل الإعلام على الدور الأردني؟ والتضحيات التي قدمها ويقدمها من أجل القضية الفلسطينية؟.. هل الأردن بحاجة إلى ذلك؟ إنَّ القاصي والداني يعرف الشعب الأردني وتضحياته ومساعداته فلسنا بحاجة إلى أن نتكلم ونذكِّر من جديد وأخيراً هنيئاً للأردنيين والفلسطينيين وشكراً لمنظمة هيومن رايتس ووتش على كشفها المستور، والخير بالجايات.
صحفي أردني
التعليقات