يشهد المشهد السياسي العراقي منذ قرار المسائلة والعدالة وحتى قرار الهيئة التمييزية الاخير المتهمة من قبل الرافضين لها بعدم نزاه قضاتها وحياديتها و بوجود قضاة من البعثيين داخلها ثم ما ستبت به المحكمة الاتحادية لاحقاً مابعد اجتماع الرئاسات الثلاث يوم السبت يلحقه الاحد اجتماع طاريء للبرلمان لتدارس هذه المشكلة المعقدة بكل تفرعاتها ونتائجها يشهد اخطر مرحلة يمر بها حيث ينتظر قرار المحكمة الاتحادية لتقول قولتها وتحسم القرار النهائي لكن من جهة اخرى يقول سياسيون مقربون من دوائر صنع القرار ان القضاة السبعة في هيئة التمييز كانوا قد أصدروا قرارهم بعد مشاورات أجروها مع المحكمة الاتحادية، ما يشير الى إمكان تطابق القرارين وان صح ذلك يعني لاجدوى من الانتظار وان الامور تتجه نحو الجدل الواسع و التعقيد والفوضى العارمة والتراشق الذي قد يفتح الباب على مصراعيه لكل الاحتمالات المستقبلية لهذه الانتخابات الخطرة التي تنذر بمفاجئات يمكن ان تضع العراق على حافة هاوية الانزلاق والانهيار الكامل تنعكس تداعياتها على امن وحياة المواطن العراقي بل ربما قد تطال بعض السياسيين كما صرح قاسم عطا في بغداد. فالكتل التي تقف بجانب هيئة المسائلة والعدالة تتهم هيئة التمييز بإختراق قضاتها السبع ممن ينتمون الى حزب البعث الصدامي وعلى اكثر الظن ستتجه هذه الكتل يوم الاحد اثناء انعقاد الجلسة الطارئة الى التصويت بحل هذه الهيئة او تبديل قضاتها كما انه طالب البعض ان يكون طارق الهشمي من ضمن قائمة المشمولين بإجتثاث البعث بإعتباره اقوى شخصية تقف بجانب عودة البعثيين، هؤلاء يرون ان امريكا خذلتهم وتنصلت عنهم وببدو انها انقلبت على المادة السابعة الخاصة بإجتثاث البعث وعلى الدستور التي ارادته ان يخرج للعلن بالسرعة الفائقة وبضغوطات منها. قرار مشاركة البعثيين الصداميين بالانتخابات المقبلة وصفه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بأنه عين الكفر نفسه وطالب بهاء الاعرجي بشمول طارق الهاشمي بقانون المسائلة والعدالة وحتى الشخصيات السنية فقد طالها القرار بإنقسام الرأي ففي الوقت الذي يطالب احمد ابو ريشة بإجتثاث احمد الجلبي قبل اجتثاث غيره لأنه صاحب مشروع مشروخ لكن الهايس من الئتلاف الوطني يتهم أبو ريشه بأكبر شخص يعمل لاجندات خارجية اردنية سعودية وامريكية. الائتلاف الوطني حسم موقفه برفظه القاطع وبقوة قرار هيئة النزاهة أما حزب الدعوة المشكل منه الحكومة فقد اختلفت الاراء فيما بينه فبينما يعتبر القيادي في الحزب وليد الحلي لراديو سوا ان قرار الهيئة مر لكن لابد منه نرى ان حيدر العبادي يرفض بشدة القرار في حين يوضح علي الدباغ الناطق الرسمي للحكومة لوكالة الانباء العراقية ويقول ان الموقف من قرارات هيئة المساءلة والعدالة يكاد أن يكون مختلفا حوله داخل الحكومة العراقية، ولا يوجد إجماع حوله، حيث توجد آراء داخل الحكومة تختلف من كتلة إلى أخرى، فضلا عن التزام الصمت من جانب بعض الكتل،.

اما رئيس الوزراء نوري المالكي الحائرفي كيفية حل هذه القضية المعقدة حسم هو الاخر امره واحالها الى البرلمان ليقول كلمته لكنه رفض بشدة التدخلات والضغوطات الامريكية والاقليمية بشان الانتخابات ورفض السماح للسفير الامريكي بتجاوز مهامه وقد دعا الى اجتماعات طارئة لكل من الرئاسات الثلاث وعقد جلسة طارئة للبرلمان العراقي وعلى اغلب الظن لايتوقع من هذه الجلسات ان تخرج بقرارات ترضي الاطراف كلها ولايتوقع وجود عصا سحرية تستطيع ان تضيء النور في نهاية النفق المظلم دون حصول تداعيات خطيرة.


وبالرغم من التصريحات المتقلبة والمتناقضة التي صرح بها جو بايدن والسفير الامريكي في كل مرة بعدم التدخل بالشأن العراقي لكن الترحيب الاخير الذي جاء على لسان المتحدث الرسمي بأسم الخارجية الامريكية فيليب كراوري الذي وصف قرار هيئة التمييز بالقرار الايجابي جداً كشف الاوراق المستورة واستفز الكتل الشيعية بشكل خطير ستتحول التراشقات الحاصلة بين الكتل السياسية من دائرة التسقيط السياسي المعتاذ اثناء الانتخابات الى معركة حامية تتحول فيها صناديق الاقتراع الى صناديق من الدم العراقي كما وصفها قبل حوالي اكثر من شهرين احد رجال الدين الشيعة المقرب جدا الى السيد اية الله علي السيستاني لم يرغب بذكر اسمه.


بعض الاراء تعتقد ان قرار الهيئة التمييزية الاخير بإرجاء النظر بطعون المشمولين بقرار المسائلة والعدالة الى مابعد نتائج الانتخابات انما هي وعود تسويفية يراد منها تمرير مخططات مستقبلية لاعادة البعث الصدامي مرة اخرى ويعد مخالفة دستورية حسب المادة السابعة منه، ففي حالة فوزهم فلا يمكن لايّ قوة ابعاد المرشح الفائز من حصوله على مقعد نيابي وممارسة مهامه فضلا من ان قرار الابعاد بحق الفائزين سيخلق رفض شعبي لمن ادلى بصوته لمرشحه الفائز، الكثير ممن يعتقد ان قرار الهيئة التمييزية قسّم الشارع العراقي الى كتلتين تتناحر فيما بينها و تتحدى الواحدة الاخرى بخيارين لاثالث لهما أما مع القرار أو ضده. فأنصار الرافظين اصلا للقرار برمته يعتبرون ان القرار يمثل تخطيط وتأمر امريكي واقليمي عربي لعودة اخطبوط البعثيين الصداميين وتهيئتهم داخل البرلمان المقبل من اجل اضعاف الحكومة المقبلة واعاقة حركة قراراتها كما حصل في الدورة الاولى، ففوزهم بأيّ نسبة حتى ولو كانت قليلة ستوثر سلباً على سير وقرارات البرلمان المقبل اضافة الى ان وجودهم يعني البقاء على نفس وتيرة الاختراقات الحاصلة سابقاً وسيبقى البرلمان المقبل عرضة الى المؤمرات وحتى التفجيرات.


محنة الصراع الحاصل والاتهامات القانونية الدائرة والمتداخلة في مهام وصلاحيات الهيئتين المساءلة والعدالة والتمييزية ولدت حالة من التراشق السياسي والوظيفي الحاد بين تلك الهيئتين والنخب السياسية فهيئة المسائلة تتهم هيئة التمييز بالخروج عن اداءها الوظيفي كون ان مهامها قانونية فقط وليست سياسية اضافة الى ان كل هيئة لها انصارها ومؤيديها من النخب السياسية و معظم هذه الكتل مرتبطة بقرارات واجندات دولية لاتسمح لها لأكثر من سبب بالعدول عن تنفيذ طموحات ورغبات هذه الدول حتى قيل ان نتائج الانتخابات المرتقبة في آذار ستكون نصراً لاحدى الدول الاقليمية وليس للعراق والمواطن العراقي.


لاغبار يشوبه الظن ولا حتى ادنى شك من ان قرار هيئة التمييز جاء بعد زيارة نائب رئييس الجمهورية طارق الهاشمي واجتماعه بالرئيس الامريكي اوباما ونائبه بايدن، القرار جاء نتيجة ضغوطات امريكية فمهندس القرار ومؤسسه وواضعه هو بايدن الذي ابدى عدم ثقته بالهيئة التي قامت بالاجتثاث مقترحا quot;أن تكون عملية الاجتثاث بعد الانتخابات لا قبلها على أن يتقدم المرشحون بتعهدات بالبراءة من حزب البعث وإدانة كافة جرائمه السابقةquot;. كذلك السفير الأميركي في بغداد كريستوفر هيل هو الاخر شكك في عمل الهيئة واعتبرها من الاخطاء التي سنت في عهد الحاكم المدني بول بريمر. السفير الامريكي ربط قرار ابعاد المشمولين بالمسائلة والعدالة وما سينعكس ذلك على مخاطر مستقبل العملية السياسية اولا ثم على جدولة الانسحاب الأميركي عن الأراضي العراقية والمنتظر استكماله بنهاية العام المقبل ثانياً. اما قائد القوات الامريكية للمنطقة الوسطى الجنرال باتريوس كان قد اتهم هيئة المسائلة والعدالة بارتباطها وتلقي الاوامر من قيادة فيلق القدس الايراني ( طبعا ً هذه الاتهامات ترتبط بزيارة احمد الجلبي الى ايران واعتقال مسؤول الهيئة علي اللامي من قبل القوات الامريكية لمدة سنة تقريباً الذي اوضح اللامي بعدها سبب الاعتقال ان الامريكان كانوا قد ضغطوا عليه ان يعلن عن ارتباط احمد الجلبي بإيران وبسبب عدم قبوله تم اعتقاله لديهم ).


المتابعون للحدث العراقي لايبدو لهم الموقف الامريكي وتدخلها بالشان العراقي في قضية الانتخابات وممارسة ضغوطاتها من اجل مشاركة المتهمين بقوائم المسائلة والعدالة امراً غريباً فمادام العراق لايزال لايتمتع بالسيادة الكاملة ولايزال أسير البند السابع ولم يفك الوثاق عنه بعد، كما ان القوات الامريكية لازال وجودها على الارض والسماء العراقية. ثم ان هذه ليست المرة الاولى التي تتدخل فيها امريكا بالشأن العراقي فهناك الكثير من القرارات المهمة كان لأمريكا الدور الرئيسي في صياغتها اضافة الى ان امريكا تنظر الى الحالات الشبيهة بحالات العراق المليء بالصراعات وتسابق الاجندات تنظر الى اولويات مصالحها وبحسب متطلبات الظرف والزمن والنتائج كما حصل عندما غدرت بالعراقيين بعد الانتفاضة الشعبانية عام 91 آنذاك.


دعوة اشراك البعثيين ليست هي المرة الاولى فهم متواجدون اساساً بدوائر الدولة بقوة ويتحكمون بمفاصلها الرئيسية ولهم صلاحيات تفوق احيانا حتى صلاحيات الوزير. لم يكم قرار مشاركتهم مفاجئاً لكثير من المتابعين وقد كتبت عن هذا الشأن بمقالة عنوانها ( الفصائل المسلحة في العراق والاحتمالات القادمة ) وقلت ان امركا تخطط لارجاع البعث بشكل مدروس وقد اجرت محادثات ومفاوضات عديدة في كثير من البلدان وهي قطر والاردن وموسكو وحتى اربيل منذ تأسيس المجلس السياسي للمقامومة العراقية من قبل حارث الضاري لثلاثة عشر فصيلا وضرورة اشراكهم في الانتخابات التشريعية القادمة في آذار اضافة الى انه تم الاعلان عن مفاوضات وبروتوكولات بين الجانب الامريكي وفصائل المجلس من على الارض التركية في شهر آذار من السنه الماضية ) ً. كما ان المجلس السياسي للمقاومة العراقية كان قد اعلن عن جملة من الشروط اثناء المفاوضات فرضها على الحكومة العراقية اهمها ضرورة اشراك البعثيين في كل مفاصل الدولة اضافة الى اصدار قانون العفو عن جميع المطلوبين واطلاق سراح الاسرى، حينها وصفت المفاوضات والبروتوكولات بمثابة السوط الذي يهدد برياح التغيير السياسي في العراق نحو اتجاه آخر والاعداد الى مرحلة اخرى.


السؤال لماذا دعمت امريكا المستبعدين من الانتخابات وتهيء لمشاركتهم للانتخابات القادمة في آذار المقبل وهي تعلم ان هذا الدعم سيستفز الكتل الشيعية التي دعمتها وايدتها في حربها على العراق بقانون تحرير العراق عام 1998؟ ولماذا تضع نفسها بموضع الطرف الغير مؤتمن امام حلفاءها الشيعة؟


للاجابة على هذا السؤال يرى بعض المحللين ان وراء ذلك هوسباق الاجندات الاقليمية عربيا وايرانيا في العراق، فأمريكا لاترغب بالتواجد والنفوذ الايراني المتنامي في الساحة العراقية على حساب التواجد العربي الضاغط بالخفاء على ازاحة حكومة المالكي واستبداله بوجوه اخرى لحسابات عرقية وايديولوجيات مذهبية. ولعلها هذه تضع شروطاً على امريكا امام التعاون معها في كثير من الملفات الشرق اوسطية العالقة. وبهذا ليس من المعقول ان تفرّط امريكا بعلاقاتها وصداقاتها مع دول تعتبرها العصب الرئيسي بنهوض اقتصادها المتهاوي حالياً اضافة الى ماتضخ هذه الدول من دعم سياسي غيرمحدود لأجل عملية السلام حيث تعتبرها صمام الامان لاستمرارها وتوسعة رقعتها، الجانب المهم والاكبر ان امريكا تعتبر البعض من هذه الدول الخليجية بمثابة الثقل الاكبر والاهم ونقطة الانطلاق لمواجهة وافشال المشروع النووي الايراني. فكيف تفرط امريكا بعلاقاتها الحميمية امام تلك الاهداف فلا يمكن لامريكا التي بذلت المال والانفس ان تراهن بهذه المصالح الكبرى على حساب دعم حكومة المالكي المتهمة بعض اطرافها الشيعية مابين عين لازالت بعد مرور ست سنوات تهمس بالولاء الى ايران وتعتبرها الموطن الثاني لها واخرى لأمريكا تلتمس منها الدعم والبقاء في الحكم). يبدو ان المشروع الامريكي آخذ بالتوجه بقوة والاستفادة من كل جزيئة عربية تستطيع من خلالها افشال المشروع النووي الايراني والذي تعتقد اسرائيل انه يهدد اقامة الدولة اليهودية مستقبلاً وهذا لايتم إلا بتنفيذ رغبة المحيط العربي بالعراق.


كما ان هناك عامل آخر وهو ان الخبرة التي اكتسبتها امريكا في العراق جعلتها من غير الممكن الاعتماد على الاحزاب الشيعية في الحكم فالتآكل والتنافس الفئوي فيما بينها يأكل بأجساد اطرافها حولّها الى كتلة ضعيفة وهذا ما أكده رئيس الوزراء السابق ابراهيم الجعفري عندما وصف كتلة الائتلاف بالبرلمان بأنها ( اكبر حجماً لكنها ليست اكبر قوةً ). ويشهد المشهد الشيعي الان ذروته في صراع الانقسامات والتسقيطات والاتهامات مابين كتلة الحكومة لدولة القانون والائتلاف الوطني لكن في نفس كما ذكرت هناك من يعتقد ان انكشاف الموقف الامريكي والواضح والداعم لقرار هيئة التمييز قد يوحد الكتل الشيعية والائتلافين فيما بينها ويوحد الشارع الشيعي في حسم موقفه والالتفاف حول قادته في انتخابات آذار المقبل

لكن قراءة اخرى مختلفة ترى ان الشارع العراقي سيجد نفسه لاول مرة بعد تغيير النظام المقبور امام خيارات و امتحان صعب لايعلم ايهما اصلح اليه هل يسمح للماضي بالعودة ويكتوي به من جديد من اجل حقن دماء الابرياء التي تتساقط كل يوم بدون أيّ ذنب لكن على اغلب الظن لااعتقد انه سيرتضي بذلك الخيار المر لان ذلك يعني استرجاع ذكريات المقابر الجماعية، ولان وجود البعث داخل البرلمان القادم هو بمثابة قوة تعمل على تهيئة الاجواء للدورة البرلمانية الثالثة لصالحهم وهذا ماسيؤدي الى نسف العملية السياسية برمتها، في حين يرى البعض الاخر انه حتى لو افترض قبول مشاركتهم السياسية فسوف لن يستطيعوا ان يسترجعوا امجاد قوة البعث الغابر فلماذا التخوف منهم مادام هناك مؤسسات مراقبة وحتى الدول الداعمة لهم لاترتضي لهم ان يستعيدوا قوتهم السابقة.فهل يهادن المواطن العراقي ويقبل بهذا الخيار مادام البعض قد تسلم مهام سيادية وشارك في كتابة الدستور سابقاً وهو بهذا يلقي اللوم على حكومته وقبولها ابتداءاّ بهولاء بأعتبار ان هيئة اجتثاث البعث تشكلت منذ ايام بريمروكان لها الوقت الكافي لابعادهم من هيئات القرار السياسي.