تتسارع الحياة بمستجداتها ومتغيراتها،ولازال البعض يقف في وجهه من ينادي بالتطوير،وتزداد مشكلة المواجهة وتتضخم حدتها كلما ناديت بتطوير يتماهى مع شريعتنا السمحاء رغم انها شريعة عظيمة تنادي بالتطوير والقياس والاجتهاد، نتفهم ان كل مناداة للتطور او مطالبة بالتغيير لابد ان يعارضها أحد،هذه حقيقة علمية يعرفها اي دارس لعلم الادارة، في القضاء السعودي يعرف القاصي والداني ان الحكم الصادر على المتهم هو حكم شخصي من قبل قاض يعتمد على خبرته الشرعية التي تختلف من قاض لآخر وعلى مزاج القاضي لحظة اصدار الحكم،مع ملاحظة اني لااقصد بمزاج القاضي عدم اخلاص او حرص لاسمح الله بل اقصد ان يصدر القاضي حكما متجردا لادخل لشخصيته به،وهذا السبب وغيره هو ماخلق تباينا كبيرا في الاحكام على قضايا متشابهة تماما،بل حتى ان بعضها كان محل استهجان كبير من قبل الجميع كالحكم على سارق راسين من الاغنام وغيرها الكثير من الاحكام،فرح الجميع عند افتتاح المحكمة العليا في عهد ملك التطويروالوصول الى العالمية خادم الحرمين الشريفين حفظه الله ورعاه،لأننا فعلا بحاجة لمحكمة عليا حتى يستعيد القضاء أمان الناس به وطمأنينتهم بعدله،محكمة عليا تفهم القضاة ان الخطأ في العفو مقدم على الخطأ في العقوبة، ومع مضي مايقارب السنتين ونحن ننتظر من المحكمة العليا خطوة كبرى تثبت فعلا ان ديننا واحكام شريعتنا صالحة لكل زمان ومكان،وهي خطوة تدوين الاحكام القضائية بشكل يقلل نسبة الخطأ او المزاج الشخصي للقاضي او حتى الاجتهاد والاعتماد على الحدس،استجدت قضايا في مجتمعنا اثبتت اننا بحاجة ماسة للتحرك السريع في تدوين القضايا وفق التخصصات واصحاب الخبرة،فما قضية الشاب الذي يفحط ومات معه صبيان والشاب الاخر الذي كان يفحط وقتل شابا كان يتفرج الا اكبر دليل على حاجتنا لتدوين القضاء كقانون يعرفه الجميع على الاقل في مسائل كبرى مستجده كالقتل اثناء التفحيط او قطع الاشارة او عن طريق الاهمال أو الخطأ الطبي، حتى القتل وهو من اكبر الجرائم استجدت له حيثيات تحتاج من القضاء اللجوء الى اصحاب التخصص والتدوين،اضف الى ذلك السرقة،والكثير الكثير غيرها،ادلل على ذلك مثالا بسيطا فقبل سنوات دعت كلية الملك عبدالعزيز الحربية فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله لمحاضرة فسئل فضيلته بعد المحاضرة عن حكم الاقساط المنتهية بالتمليك ndash; كانت وقتها في بداية ظهورها- فماذا أجاب العلامة رحمه الله،رفض الاجابة قبل ان يرجع لشخص يثق به متخصص في هذا المجال،هذا وهو عالم من علماء الأمة المعاصرين رحمة الله،وهذا مانريده بالضبط،نريد من علماء القضاء والمسئولين عنه الرجوع الي المختصين الثقات في كل مجال لتدوين الكثير جميع القضايا،فهناك ارشيف كبير من الاف القضايا التي يمكن دراستها وتدوين احكام قضائية حولها تضمن أكبر قدر من العدل مما يساهم في ردم الهوة التي بدأت تتسع بين القضاة وبين المجتمع، صحيح ان المحكمة العليا لازالت فتية في بدايتها والمنتظر منها كبير،ولكن عندما اردت الكتابة عن هذا الموضوع قمت في البحث عن موقعها على الانترنت ففرحت فرحا كبيرا عندما وجدته، فهذا دلالة كبيرة على ان القائمين عليها اناس يفكرون بشكل حضاري يواكب التطور الكبير الذي تعيشه البشرية جمعاء،فوجدت بعضا من اقسامها مكتوب عليه(تحت الانشاء)،تجاوزت عن ذلك لتوقعي ان تلك الاقسام يحتاج انشائها الى اكثر من سنتين وهو تقريبا تاريخ انشاء هذه المحكمة،ولكن مااصابني بالاحباط ان محكمتنا العليا لم تصل بعد الى هيكلها التنظيمي أو كما كتبوا (تحت الانشاء)،فإن كانت هيكلتها موجودة ولم يتم وضعها على الموقع فهذا خطأ يوازي عدم هيكلتها من الاساس،لااريد ان نحرم انفسنا الفرح والتفائل بوجود المحكمة العليا،لاأريد ان تشعروا بأني ضد هذا الاجراء الاصلاحي العظيم والمهم في تاريخ الشعب السعودي، ولكنني لااريد أن اصحو يوما فأجد ان (عبدالمعين) اضحى بحاجة ماسة الى (العون) بعد ان كنا ننتظره منه!