تربطني منذ حوالي الثلاث سنوات صداقة إنترنتيه على الياهو مسنجر، بشاب من غزة.. بادر هو بمناقشتي فيما قرأ لي من مقالات، وهو يعرف مواقفي، التي لا أتوقع لها الكثير من المتفهمين، وسط شعب يتعرض لأقسى وأطول عملية غسيل مخ تعرض لها شعب عبر التاريخ.. الشاب عادي وتقليدي طيب وسليم النية، لا ينتمي إلى أي فصيل من فصائل ما يسمى مقاومة.. لكنه كان مُصِرَّاً عبر المناقشات الممتدة معي، على أن يقنعني أن المقاومة المسلحة هي الخيار الوحيد، وبأن المفروض أن يتفرغ الشعب الفلسطيني للقتال، وأن تقوم شعوب أخرى بتحمل تبعات قتاله، وبتوفير مقومات الحياة له، وإعادة بناء ما يهدمه العدو فوق رأسه، بموجب شعار quot;يد تبني ويد تحمل السلاحquot;.. كانت المناقشات تمتد أحيانا حتى أختنق من الضجر، خاصة حين أجدني مضطراً لتكرار ما سبق لي قوله، رداً على تكرار الشاب لنفس الحجج والمقولات، التي لم يجد مثله غيرها بالساحة العامرة بالصراخ والشعارات.. ورغم محاولاتي جذب انتباهه إلى عالم الواقع والضرورات الحياتية لرجال ونساء وشباب وأطفال، وليس لمجرد عصابة من الانتحاريين الذين نذروا أنفسهم لقضية ما، وقرروا التضحية بأنفسهم في سبيلها، إلا أنني أيضاً كنت متفهماً لهيامه وإصراره على البقاء محلقاً في دنيا البطولة والشعارات الحماسية، فلقد عشنا جميعاً سنوات الحماس والشعارات تلك، وكنا ننظر لمن يحاول أن يشدنا لأرض الواقع، نظرات أقل ما يقال عنها أنها نظرات إشفاق على استسلامه وهوانه!!
كان الشاب يغيب أحياناً عن مطارداته النقاشية لي لشهور طويلة، لأجده ثانية يعاود الكرَّة مرة ومرات، وكنت أحيانا أُشخِّص ذلك بأن ما يقرأه لي يسبب له اهتزازاً أو شروخاً فيما أفهموه أنها ثوابت مقدسة، فيحاول بالمناقشات معي ترميم هذه الشروخ، سواء بالعثور على نقط ضعف فيما أقض مضجعه من تحليلات، أو على الأقل بإسكات صوت ضميره، بإعادة ترديده لتلك الحجج والمقولات، التي تملأ السماوات العربية، وكأن الإصرار على ترديد تلك الحجج، يؤكد ويرسخ مصداقيتها!!
كان صديقي الشاب قد غاب عني ربما لستة شهور، حين فاجأني أخيراً بنافذة الشات، وما أن قلت له: نهارك سعيد، حتى خلت كأنني قد دفعت جداراً آيلاً للسقوط، وهو يجاوبني متسائلاً من أين تأتي لمثله السعادة.. بعدها لم ينتظر مني أن أستدرجه ليفصح لي عن شجونه، فالأغلب أنه جاء إلي خصيصاً ليبوح، وأنا فيما يلي سوف أذكر كلماته بنصها كما وعدته، وبعد أن أكدت له أنني لن أشير إلى اسمه أو شخصيته.. ربما كان بالفعل كالغريق الذي يتشبث بملابس من لا يستطيع إنقاذه، فأقصى ما أملكه أن أطلع العالم على ما يعانيه شاب ضمن مليون ونصف فلسطيني سجين حماس في غزة، عرضت عليه عنوان المقال الذي سوف أكتبه، فأبدى حماساً شديداً، فلقد كان الأمل في عيون هذا الشاب الغزاوي يستحيل إلى يأس أسود، لذا نستطيع أن نقول بالفعل أن هناك من يحاول أن يطفئ الشمس، وأن يحيل حياة الفلسطينيين إلى ظلام دامس.
هذه كلمات صديقي الشاب بنصها، وكل ما تدخلت فيه هو جمعي لجمل الشات المتقطعة، ووضع فواصل أو نقط بينها، قال:
أشد ما يحزنني هو السقوط الأخلاقي للمقاومين.. حماس. اتضح لي أنهم مجموعة من المارقين أصحاب المناصب والكراسي، وللأسف مارسوا الخداع والدجل.. أصبحت حماس اليوم مشروعها في قطاع غزة، إما المال أو تجارة الاراضي، التي ارتفعت أسعارها فى غزة بشكل لا يصدقه عاقل.
هنية بيشتري قطعة أرض فى منطقة الرمال بـ 4 مليون دولار، وهو من السماسرة المعروفين على مستوى رفح، إضافة لقيادات القسام الذين اشتروا البيوت، وركبوا السيارات الجيب على أحدث موديل، من تجارة الأنفاق، ومن الفلوس المهربة من غسيل الأموال وتجارة الترمال (فهمت منه أنها حبوب مخدرة) والحشيش.
وبدنا نعيش على الخبز والدقة و الزعتر؟؟؟ (علامات الاستفهام من عند الشاب)
ابن وزير الشئون الاجتماعية quot;أحمد الكردquot; انمسك بصفقة حشيش مهرب من الأنفاق قبل العيد بأيام.
وقيادات القسام بتحارب السلفيين.. اليوم في منطقتنا ثم إغلاق مسجد تابع للسلفيين، ومنع المصلين من الصلاة في المسجد بقرار من الأمن الداخلي.. الأمن الداخلى وما أدراك الأمن الداخلي.. من تجارة الترمال والحشيش إلى تجارة الأراضي والسلاح.
وايش أقولك:
للأسف الشعب انخدع فيهم.. اليوم اسأل المواطن الغزي شو شعورك تجاه حماس، راح يقولك الله ينتقم منهم.. دمرونا حبة دشر.
وها الأمن الداخلي في الحارة عنا أخد ابن عمي وأنا قاعد معاه، هي الحجة بقول مكسرينو، الحجة ليش بتعترض على غلق المسجد، والله على ما أقوال شهيد.
وتجارة الأنفاق للمسؤلين في حماس.
الشباب عمرهم 17 وأقل بياخدوهم للعمل فى الأنفاق.. نص إيرادات الأنفاق بتاخدهم الحكومة، واشترطت بلدية رفح، ومسؤولها قيادي حمساوي، على كل صاحب نفق دفع مبلغ 3000 دولار للبلدية، مع اشتراط إدخال طن أسمنت شهرياً لصالح البلدية.
والله يا دكتور (هذا اللقب على مسئولية الشاب وحده) ما عرفنا الترمال غير لما إجت حماس في الحكومة، ولما بينمسك مع الواحد شريط ترمال بيتحبس 3 شهور، واللى بيتاجر فيها بيدفع للحكومة وبيطلع.
للأسف حماس وصلتنا إلى مرحلة أنو الناس بتقول حكم اليهود أرحم منهم.
إن وظيفة الأمن الداخلى مش الجواسيس أو العملاء لا.. وظيفته إما السلفيين أو فتح، شغالين عليهم.
الفلوس إللي بتدخل عن طريق الوفود والقوافل مش عرفين وين بتروح.. السيارات إللي بتيجي مع القوافل بتنباع في السوق السودا، لصالح قيادات وطنية حمساوية.. بالإضافة الى الزواج مرة أو مرتين، من نسوان الشهداء، البنات الصغيرين لا يتجاوز أعمارهن 20 سنة بعد استشهاد رجالهن.
الوطن ضاع.
غزة ضاعت.
حماس حبستنا ومش سائلة، بتطلع وقت ما بدها عن طريق المعبر فقط للقيادات، والشعب محاصر.
أنت يا دكتور لو مش مصدقني اسأل أهل غزة، وسيبك من الدجالين إللي بيطلعوا يطبلوا ويزمروا لمصالحهم.
في شاب سلفي اليوم كانت صبحيته، والله العظيم جابوله تبليغ أنو يروح يقبل في الأمن الداخلي.. شوف المهزلة يا دكتور: حماس تعلن عن وظيفة فى وزارة الداخلية، والشباب إللي أعمارهم أقل من 18 سنة، راحوا يسجلوا، تفاجأوا أنو لازم كل واحد يجيب شهادة حسن سير وسلوك من الداخلية بمبلغ 35 شيكل (10 دولار).. 12 ألف مشترك سجلوا للدورة، احسب كام راح يكسبوا.. بالإضافة إلى 50 شيكل كومسيون طبي، زائد مصارف مواصلات، والمقبولين للدورة فقط 400 عنصر.. والأسماء جاهزة قبل الإعلان عن الدورة من أمير المنطقة أو مسئول الدعوة.. بدك تتوظف لازم تروح على مسئول الدعوة في المنطقة، وهو يزكيك في الحركة مع شوية نفاق.. بيشتغلوا على حاجة الناس.
بالإضافة إلى مشكلة انقطاع الكهرباء في اليوم 12 ساعة، إما على فترات أو متصلة، والقيادات عندهم مواتير مولدات كهرباء ومش سائلين.
هدا بس إللي الناس شيفاه، فا بالك فى المخفي.. شو الحل ؟؟؟؟؟
وهي في حاجة اسمها مقاومة، وهما كل يوم بيروحوا يحرسوا المستوطنات و بيمنعوا إطلاق الصواريخ
وبيطلعوا يقولولك انتصرت غزة.. شو معيار الانتصار؟
1500 شهيد.. 5700 جريح مع معاق.. مئات المصانع أغلقت و دمرت.. شباب ضاعت آمالهم و زهرة شبابهم في نزوة مراهق.. احكيلى يا دكتور شو معيار الانتصار ؟؟؟؟؟
الهروب في الأنفاق وترك الناس تموت؟
أنا مش عارف احكي.
قلت له: مش عارف أقولك إيه.. مأساة!!
قال: قللي تصبح على وطن.
قلت: تصبح على خير وسلام ومحبة.
قال: تصبح على أمل.
هل بالفعل هناك لشعوبنا من أمل؟
أرجو أن أجد من يجاوبني، لأخبر بذلك صديقي الشاب الغزاوي.
مصر- الإسكندرية
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات