من أراد أن يتعرف على عناصر ومقومات حضارة وتقدم أمة ما، فلينظر الى نظمها القانونية والإدارية التى تحكم وتنظم إدارة شئونها العامة، فتلك النظم هى عوامل ومرآة تقدمها او تخلفها، لما لها من تأثير عظيم ومباشر على كيفية أداء وسلوك الحكومة والجهاز الإدارى التابع لها فى ممارسة وإدارة الشئون العامة، لإحداث بيئة عامة مواتية للتنمية الشاملة والمستدامة فى كافة المجالات التنموية، وبهدف اشباع الحاجات المختلفة للمواطنين فى المجتمع من السلع والخدمات وتوفير الرفاهية لجميع أفراد الشعب وبما يحقق رضاءهم عن مستوى السلع والخدمات المقدمة وعن أداء السلطة التنفيذية والجهاز الإدارى التابع لها.

وفى المجتمعات الحرة الديموقراطية، والتى بلغ فيها المواطنون عصر الرشد وأيقن جميع الأطراف أن الحكومة ليست أكثر من وكيل عن شعبها فى إدارة شئونه العامة، وبالتالى أصبح من حق المواطنين، ليس فقط أختيار حكامهم، او من يمثلهم، وانما أيضاً الحق فى توجيهم ومشاركتهم صناعة القرارات ومحاسبتهم، وهو ما يقتضى حتماً وضع الحكومة والجهاز الإدارى التابع لها، تحت ضوء الشمس للفحص والتدقيق العام فى مجتمع ينبغى أن يكون مفتوحاً فى علاقة الحكومة بالمواطنين.

وفى مجتمع مفتوح حقاً سوف نجد أن القاعدة الطبيعية هى أن الحكومة لا تسير أمور الناس خلف ابواب مغلقة، فالإجراءات التشريعية والقضائية والتنفيذية والإدارية، يجب أن تكون مفتوحة للجمهور أثناء إعدادها وصناعتها واتخاذها وتنفيذها، وذلك كاجراء عادى وروتينى. فإذا كان الظلام هو بيئة الأعمال التى تتسم بالسرية حيث لا يستطيع المرء أن يتبين حقيقة الأشياء، فإن النور هو بيئة الأعمال التى تتسم بالشفافية حيث يستطيع الانسان أن يتبين الحقيقة كاملة.

وفى البلاد الحرة المتقدمة فإن مبدأ الشفافية والمشاركة فى إدارة الشئون العامة أضحى من المبادئ الاساسية التى تقوم عليها كافة أنظمة هذه الدول، وأصبحت السرية مجرد أستثناءٍ محدودٍ ومحصورٍ وموقوتٍ وقابلٍ للجدل والانتقاص يوماً بعد يوم لصالح الشفافية كمبدأ عام، ذلك المبدأ الذى يجب أن يحكم ويسود كافة انشطة ووظائف وأعمال الحكومة وجهازها الإدارى، وباعتبار أن الشفافية أحد الشروط والمقومات الأساسية للتنمية الشاملة والمستدامة فى كافة المجالات التنموية، وبمعنى آخر فهى أحد أهم الشروط للحكم الجيد، وباعتبار أن المجتمع غير المطلع جيداً لا يمكن أعتباره مجتمعاً حراً.

[email protected]