من المسلم به ان وسائل الاعلام بمختلف اشكالها تساهم في صناعة الرأي العام وتكوينه وبالذات في الانظمة ذات الطبيعة الشمولية، حيث يتكثف الاعلام الموجه من خلال وسائل اعلامية مركزية مؤدلجة في الغالب على مخاطبة الجمهور سواء في الصحف او المجلات أم في الاذاعة والتلفزيون، ومن جهة اخرى تعمل هذه الوسائل بتعدديتها على توعية وتوجيه الرأي العام في الدول ذات الانظمة الديمقراطية من خلال وجود الرأي والرأي الاخر.
الا انه في مجتمعاتنا بشكل عام في منطقة الشرق الاوسط تعاني هذه المجتمعات ومكوناتها من تأثيرات اجهزة الاعلام الاحادية التوجه او المحافظة على برمجة الرأي العام وصناعة الافكار ووجهات النظر والمزاج العام للاهالي، وقد نجحت كثير من تلك الوسائل الاعلامية وبالذات الحكومية وهي الاغلبية، في تغييب او تشويه الحقائق ومسخها، لصالح النظام السياسي والاجتماعي السائد، بل والى اشاعة الكراهية والحقد وتهميش الاخرين سواء في المكونات العرقية او الدينية او المعارضة السياسية والمتهمين دوما بالخيانة العظمى والعمالة والكفر، مما يؤدي دوما الى فقدان الامن الاجتماعي والثقة بين مكونات الشعب.
لقد شهدنا جميعا منذ تأسيس دولتنا في مطلع القرن الماضي الاساليب التي استخدمت لتشويه حركة التحرر الكردية ونضال القوى الديمقراطية طيلة ما يقرب من ثمانين عاما، حتى غدت كلمات ومسميات مثل العصاة والمتمردين تعوض عن اسم الكرد، وصفة الملحدين على الديمقراطيين والتقدميين من قوى اليسار والشيوعيين عموما، والشعوبية عن الشيعة وقواها السياسية، وقد استخدمت هذه المسميات في معظم الصحافة العراقية والعربية على حد سواء، فقد دأبت كثير من الصحف والمجلات العربية على التعاطي السلبي مع القضية الكردية عموما واقليم كردستان بشكل خاص، وجولة سريعة على مكتبات المجلات والصحف العربية في شوارع بيروت او القاهرة او عمان ودمشق او الرباط وتونس والخرطوم منذ اكثر من اربعين عاما وحتى يومنا هذا يؤكد ما نذهب اليه من انعكاس لتلك الثقافة الاحادية في الصحافة والاعلام.
لقد استخدم اسم كردستان رسميا من قبل الدولة العراقية ليعبرعن منطقة في شمالي العراق تتمتع بالحكم الذاتي وتؤشر وطنا للاكراد، ومن ثم اقليما فيدراليا حسب ما جاء في الدستور العراقي الدائم عام 2005م، الا ان وسائل الاعلام العربية وخاصة في كثير من الصحف والمجلات التي يظهر فيها جليا ما تركته وسائل الاعلام للنظام السابق وما تفعله منظومة الاقصاء لدى الاعلام العربي على ذاكرة وذهن المواطن العادي الذي لا يعرف اكثر من حدود ما يتلقاه من وسائل اعلام دولته التي تصنف ضمن منظومة الدول ذات الاتجاه الاحادي والشمولي، ما يزال لا يعرف غير شمال العراق وعصابات البيشمه ركه والخونة الاكراد الذين تسببوا في احتلال العراق، واخيرا الصفويون التي تطلق على الاحزاب الشيعية عموما!؟
وغير ذلك مما ذهبت اليه تلك الصحف والمجلات في تعاطيها مع مواضيع كثيرة تخص العراق والاقليم، تارة في الاساءة والتشهير وتشويه الحقائق عن سيطرات التفتيش في مداخل محافظات الاقليم التي تقوم بواجبها لحفظ ما يميز هذه المنطقة عن بقية اجزاء البلاد في أمنها وسلامها واداء مؤسساتها النقية غير المخترقة، وتارة اخرى تلك الحملات المشبوهة والادعاءات الكاذبة عن تواجد الاسرائيليين وتقييد حرية الصحفيين وغير ذلك من عمليات التشويه والتشكيك والتأثير السلبي والاسود على الرأي العام العربي.
وامام هذا الطوفان الاسود من الاعلام السيئ والموجه ضد البلاد عموما والاقليم خاصة لايمتلك الاقليم اكثر من صحيفة واحدة تنطق بالعربية في بغداد ومجلة اسبوعية تصدر بالعربية في العاصمة اربيل، وهما ايضا وبرغم مجهودات العاملين فيهما الا انهما لايتجاوزان المحلية في انشارهما وادائهما، ولعل مبيعات كل واحدة منهما تؤشر تماما مساحة الانتشار وقوة التأثير!؟
اننا احوج ما نكون الى مؤسسة صحفية كبيرة خصوصا وان الاقليم يعج بالصحفيين والكتاب الذين يستخدمون العربية في كتاباتهم اضافة الى العشرات من الكتاب والصحفيين العرب والعراقيين الاحرار، مؤسسة تنطلق من احدى العواصم العربية او الاوربية وترتقي الى الاحدث في مجالات الصحافة المعاصرة، ولنا في تجارب الشرق الاوسط والحياة والزمان والعديد من الاسبوعيات اللبنانية التي كانت وما تزال تصدر من لندن او باريس نماذج تستحق الدراسة والاعتماد.
التعليقات