تتردد في الأوساط الصحفية والشعبية أحاديث عن بزوغ يوم غضب عراقي في ال 25 من فبراير للتظاهر في جميع أنحاء العراق إحتجاجا ً على سوء الخدمات والفساد الذي ينخر في مؤسسات الدولة بجميع مفاصلها، إبتداء ً من رجال الطبقة السياسية إلى أبسط موظف في دائرة حكومية. لقد دعى لهذه المظاهرات ناشطون في المجتمع المدني وبعض المواقع الالكترونية في الانترنت وبعض الصحف ومواقع لمدوننين حيث استحدثت صفحة خاصة على الفيسبوك أسمها يوم الغضب العراقي من أجل تبادل الأخبار والمستجدات. لابد من القول بأن العراق وضعه يختلف كثيرا ً عن باقي الدول العربية التي تجتاحها المظاهرات المطالبة بالحرية والعدالة الاجتماعية والإصلاحات السياسية، فالعراق كبلد هو مازال تحت الإحتلال ونظامه السياسي يحبوا ببطئ شديد نحو الديمقراطية في الممارسة، وفيه قدر كبير من حرية الصحافة و الحريات المدنية. إذن، لماذا الدعوة ليوم غضب عراقي؟ وهل ممكن؟

في البدأ لابد أن نذكر أن العراقيين كانوا تحت حكم أعتى نظام دكتاتوري في المنطقة، والذي أرهق وهشم الطبقة الوسطى في العراق وإبتلع جميع مؤسسات الدولة ليتحول العراق إلى حزب واحد، في نظام شمولي، ومن ثم إلى رجل واحد فإنهار بإنهياره. ولما جاء الإحتلال قضى على مابقى من تلك المؤسسات ليجد العراق نفسه في بدايات القرن الماضي حيث تأسست الدولة العراقية الحديثة. ولما جاء السياسييون الحاليون، الآتين مع الاحتلال أو بدونه، لم يعرف العراقيون الكثير منهم ولم تكن لهم قواعد شعبية في الشارع العراقي بعد أن صفى النظام السابق كل أنواع المعارضة السياسية بين قتل وتشريد. من هنا إختلطت فوضى تأسيس الدولة الجديدة مع من يريد أن يحكم العراق ومن يريد أن يستفيد من خيراته. فدخل العراق في دوامة التمايز الطائفي والإثني والمناطقي وذلك لضمان حقوق الأقليات والمجموعات التي أبعدت عن الممارسة السياسية وذلك عن طريق التمثيل السياسي. فكان المشروع السياسي الطائفي والقومي هو الحاضر في غياب المشروع الوطني والذي أمتطاه من ليست له قاعدة شعبية على الأرض، حيث وصل إلى سدة الحكم في أرقى المناصب من ليست له كفائة ولاشهادة ومن هو إنتهازي ومن هو فاسد.

لقد إنعكست هذه النتيجة على الأوضاع المعيشية في كل جوانب الحياة في العراق. وخلال ثمان سنوات بعد سقوط النظام السابق لم يشعر العراقيون أن الحال تغير كثيرا ً. فلم تجلب الحرية والديمقراطية الأمان والماء الصافي ومجاري تصريف المياه، ولم توفر فرص عمل لطبقة الشباب التي تجاوزت الستين بالمئة. وقد لعب الإرهاب دورا ً سلبيا ً بإمتياز لتأخير نشوء مؤسسات قائمة بشكل صحيح. وبغياب المشروع السياسي الواضح، وحضور المصلحة الحزبية كبديل للمصلحة الوطنية، وعدم الشعور بالمسؤولية، أصبح الأداء السياسي وبجميع المستويات أداء ً مشلولا ً وسيئا ً لدرجة أن لايوجد ترابط في عمل مؤسسات الدولة فهي كالجسد المقطع الأوصال، فكل عضو يؤدي وظيفة تضر بالعضو الآخر، وأنهكها أيضا ً النظام البيروقراطي الموروث من العهد السابق. فأصبح الفساد والرشاوى ورواتب المسؤولين من السياسيين وأولهم البرلمانيون عبء يثقل كاهل الدولة إضافة إلى ترسيخ مبدأ التمايز الطبقي حيث نشأت طبقة غنية تعتاش على الرواتب العالية للسياسيين مقابل فقر مدقع يتمتع به أكثر من 25 بالمئة من الشعب العراقي يعيش تحت خط الفقر.

لقد كان سقوط النظام العراقي السابق، كباقي التحولات التاريخية، فرصة لإعادة تقسيم الثروة الهائلة من النفط بطريقة تخدم القلة القليلة من الطبقة السياسية والأحزاب وبعض الجهات المتنفذة من خلال الرواتب العالية والصفقات المشبوه التي تستفيد منها مجموعة محددة فقط. ويرى المراقب ذلك واضحا ً من خلال تمتع القليلين ببيوت كبيرة وواساعة وسيارات فارهة تجوب الشوارع في بغداد والمحافظات وقدرة شرائية هائلة لقلة قليلة تستفيد من النفوذ السياسي الكبير الذي تتمتع به. وفي المقابل توجد الطبقة الأكبر وهي تعيش يومها بالهرولة وراء الماء والكهرباء وتوفير النفط والغاز وتسليك المجاري.

لقد أصيب الشعب العراقي بنكسة كبيرة جراء التقاتل الطائفي والذي غذته الأحزاب والمجموعات المتشددة والذي كاد أن يودي بالعراق إلى حرب أهلية لا تعرف عواقبها. إن هذه النكسة أضرت بتماسك المجتمع العراقي لحد كبير بتغليب الهوية الطائفية والقومية والجهوية على حساب الهوية الوطنية. لكن مايجمع العراقيين كان أكثر وأكبر، فأولها وليس آخرها سوء الخدمات في كل انحاء العراق والغضب على الأداء السياسي جراء الفساد الذي ينخر كل مؤسسات الدولة مع غياب الجهد الواضح في معالجة تلك المشاكل. فهل من حق العراقيين أن ينتفضوا على واقعهم المرير؟

بالتأكيد نعم، فلابد من يوم غضب عراقي ترتفع به شعارات إنسانية تطالب بحق الإنسان بالعيش عيشة كريمة. فالعراقيون لايرفعون شعار الديمقراطية والحرية والمشاركة السياسية، بل يريدون محاربة الفساد وتوفير الخدمات والعدالة الاجتماعية. فتلك مطالب ذات أبعاد إنسانية يجتمع عليها السني والشيعي، الكردي والعربي والتركماني. إن يوم الغضب العراقي سيكون نقطة بداية لسرد حكاية جديدة تلتقي بها مشاعر العراقيين بكل طوائفهم وقومياتهم لتكون حجر أساس لترسيخ الشعور الوطني. فالهوية الوطنية حسب علماء الاجتماع هي الشعور المشترك والتجربة المشتركة والهموم المشتركة التي تجتمع عليها مجموعة من الناس وهذا مايميز من سوء الخدمات وهذا ماسوف يميزهم في يوم الغضب. هل سيكون هناك يوم غضب عراقي؟ أعتقد أنه بدأ منذ الآن مع مظاهرات السليمانية والكوت وفي بغداد في يوم الحب.

http://www.elaphblog.com/imadrasan