العنوان جذاب و لابد أن القارىء يتسائل ما هو الخطر الأكبر على الثورة ؟ , قد يدور بذهن العديد من القارئين أن الخطر الأكبر على الثورة هم فلول الحزب الوطنى أو جهاز مباحث أمن الدولة المنحل او صفوت الشريف على سبيل المثال و لكن ndash; للأسف الشديد ndash; فان استنتاجتكم جميعاً غير صحيحة فاننى أرى أن الخطر الأكبر على الثورة هو الشعب المصرى نفسه.

من المؤكد أن البعض قد انتهت قرائته للمقال عند الجملة السابقة و البعض الاخر قد بدأ بالسخرية من المقال و من الرأى و أن قليلين هم من قرروا أن يكملوا القراءة و لهؤلاء فقط أوجه حديثى , الى الفئة التى تقرأ و تسمع و تحلل قبل اتخاذ قرار قاطع و نهائى بصدد اى موضوع.

ان نتيجة الاستفتاء الذى أجرى فى مصر بالأمس حول التعديلات الدستورية يحمل مؤشراً خطيراً و المؤشر ليس فى ظهور النتيجة بموافقة الأغلبية على التعديلات ndash; فهذا كان متوقعاً الى حد كبير ndash; لأن الأغلبية فى مصر يفضلون الاستقرار على اى شىء اخر حتى لو كان هذا الشىء هو الديموقراطية و الحرية. و لكن النتيجة خرجت كذلك ليس رغبة فى الاستقرار و لكن لأن الموضوع تحول الى معركة دينية بين الحلال و الحرام , قالت الكنيسة و رد المسجد و العكس, منذ يومين قال لى مواطن صعيدى متواضع الحال (لابد أن نثق فى كل ملتحى لأنه يخاف من الله مهما ظهر من تصرفاته !!) و بالأمس قالت لى صديقة مسيحية مقربة (كل من له ذقن طويلة هو شخص سىء !!).

حقيقة لقد صدمتنى تلك الاراء , لقد تحول العرس الديموقراطى الى معركة غير مسلحة بين الاسلام و المسيحية بالنسبة للسواد الأعظم من الشعب فرأى الكثيرون أن المصوتين بلا هم اما مسيحيون او ndash; والعياذ بالله ndash; ليبراليون او ndash; لا سمح الله- ديموقراطيون اما المصوتين بنعم فهم الفائزون بالجنة و الحور العين.

قد لا يصدق البعض و يعتبر كلامى نوعاً من المبالغة و لكننى أقسم أن هذا ما حدث, و الكارثة الكبرى ليست فى النتيجة و لكن فى طريقة التفكير و التى تجعل كل ما فى الحياة اما حلال او حرام حتى التصويت بنعم او لا على التعديلات الدستورية؟

اسمعوا هذة الحكاية: لدى صديق كان يروج للتصويت بلا و اجتمع بالعمال فى شركته الخميس الماضى و أقنعهم برفض التعديلات الدستورية و اليوم فوجىء أن كل العمال ndash; بلا استثناء ndash; قد صوتوا بنعم و عندما سألهم عن السبب قالوا له (ان كلامك مقنع و لكن هناك كلام أكثر اقناعاً و هو كلام الله عز و جل).
هل نعى مدى خطورة هذا الكلام و خصوصاً أن انتخابات مجلس الشعب ستجرى فى غضون شهور و هو ليس اى مجلس شعب بل هو المجلس الذى سيقوم بوضع الدستور الدائم للبلاد؟

هل نعى أن بهذة الطريقة فى التفكير سيصل الى الحكم فقط من يرتدى قناع الدين و يقول قال الله و قال الرسول , وسيغض الناس البصر عن برامج التعليم و الصحة و الاسكان فالمهم الان هو دخول الجنة و ليس اى شىء اخر.
ان هذا الكلام يذكرنى بالمصريين ما قبل الثورة عندما كانوا يرجعون كل شىء الى القضاء و القدر , فمبارك قدر لابد منه و بدلاً من محاولة الاعتراض عليه عليك أن تبحث فى ذاتك عن الخطأ الذى اقترفته ليعاقبك الله بالحاكم الظالم.

أنا ارى انه لابد و أن نترك المواقع الالكترونية و الندوات الثقافية- والتى أسفرت عن حوار مجتمعى هائل و لكن لفئة محدودة جداً من المجتمع- و ننزل الى الشارع بل و نسافر الى القرى و النجوع و نتعامل مع المواطنين هناك لنرى كيف يفكرون بدلاً من التهليل و التصفيق للديموقراطية الجليلة و صفوف الاستفتاء الطويلة و الحديث عن أن الاولوية للمشاركة بغض النظر عن النتيجة , بالطبع الأولوية للمشاركة و لكن ليس بهذة الطريقة و الا فلن نفيق من هذا الكابوس الا على كابوس اسمه مجلس الشعب و مجلس الشورى و الكابوس الأكبر انه كلا المجلسين سيكون منتخباً و شرعياً مائة بالمائة.
أرجوكم افيقوا الان.