سبحان مغير الأحوال..
كان عبود الزمر بالأمس القريب سجيناً، واليوم تحول إلي ضيف تتنافس وسائل الإعلام للقاءه كسبق صحفي يزيد من التفاف المشاهدين حول برامجها ويرفع من معدلات بيعها..
منذ ان خرج الضابط السابق بالقوات المسلحة المصرية والشيخ حالياً ndash; كما يُحب ان يُكني - من السجن في أوائل شهر مارس الحالي وهو في حالة تواصل علي إمتداد الساعة مع الجماهير المصرية.. تواصل يمنح الفرصة لمن لم يسمعه علي هذه الشاشة أن يترقب ظهوره علي غيرها بعد فترة قليلة..
الرجل لم يَسع إليهم، هو الذين سعوا لاهثين إليه..
كلهم سجل اللقاء معه ndash; المرئي و المقروء و المسموع - بمنزلة بسبب ضيق الوقت ولأنه لا يريد ان يميز إحداي السوائل علي الاخري.. يفضل التعامل معها علي قدم المساواة.. ويبقي له في نهاية المطاف الحق في ان يرتبها وفق اجندته الخاصة..
خرج الشيخ من سجنه وهو في كامل قدراته الدعوية للترويج من اللحظة الأولي لفكر الجماعة الجهادية الإسلامية التى ينتمي إليها.. من تابعه واستمع إليه او قرأ عنه سيلاحظ بيسر أنه لم يتغير ولم تؤثر فيه سنوات السجن الثلاثين..
من ناحيتي، اختلف لأسباب موضوعية مع البعض من الكتاب والمفكرين الذين يرون ان من شارك في تخطيط وتنفيذ عملية الاغتيال التى راح ضحيتها الرئيس السادات، لا يحق له ان يطل عبر وسائل الاعلام علي ابناء الوطن الذين إغتيل رئيسهم بهذه الكيفية..
أقول ذلك بعد متابعة متأنية لغالبية حوارته التى بثتها بعض الفضائيات العربية ونشرتها عدد من الصحف.. بالاضافة إلي المؤتمر الصحفي الذي عقده لعشرات من أبناء قريته ونقله لبقيتهم عبر شاشة عملاقة ثبتها خارج منزل الأسرة بعد أن اكتظت بهم طرقتها..
أول هذه الأسباب.. أنه كشف بالصوت والصورة وأيضا عن طريق لغة الجسم عن فكر جماعته الداعي إلي تفتيت الوطن والمواطنة في مصر عبر التمسك بالتفرقة بين المصري المسلم والمصري المسيحي حيث يُروج علناً لإعادة فرض الجزية علي غير المسلمين باعتبارها معادل للزكاة التى يدفعها هؤلاء !! ولا تدري الغالبية العظمي من المسلمين علي اي أساس شرع الشيخ لهذه الفتوي التى توقف العمل بها منذ مئات السنين؟؟..
وإذا كانت مصارف الزكاة معروفة، فما هي مصارف الجزية التى بين يدي الحاكم المسلم خاصة وان المسيحي المصري مكلف بسداد العشور !! فهل سيُجبر علي سداد النصابين؟؟ أم سيُسقط عنه دفع الجزية سداد نصيبه من العشور؟؟..
عبود الزمر يصنف ابناء الامة الواحدة بغير مراعاة للتاريخ ولا للجغرافيا ولا للحوادث العظام التى جمعت بينهم وصهرتهم في بوتقة الوطن الواحدة.. وينفي بصريح العبارة كل واقع عظيم سطرته وقائع لا خلاف عليها أعادت القوة إلي لُحمة هذا الشعب مثل ثورة مارس 19 وثورة يولية 52 وحرب اكتوبر 73 وثورة 25 يناير..
قاعدة عبود الزمر الدعوية التى ترفض هذه الحقائق، دفعته بلا تفكير إلي التجني علي مسيحي مصر انهم حاربوا عام 73 جنباً إلي جانب اخوانهم المسلمين لأنهم مختلفون مع اليهود في العقيدة، وإدعي ظلماً الكشف عن ما الله وحده مطلع عليه عندما قال أنه إذا تواجهت قوات الجيش المصري مع قوات صليبية - علي حد قوله - فسينحازوا إليهم وفق متطلبات العقيدة المسيحية المشتركة بينهما !!..
أبان الشيخ انه يُحرم منح المرأة حق التصويت أو الترشح لأي منصب من المناصب !! بإعتبارها لا تصلح إلا للأنجاب والبقاء وراء الأبواب المغلقة !! من منطلق أن quot; كينونتها quot; عورة ولا يَصح أن تخرج من بيت أبيها إلا إلي بيت زوجها ومنه إلي القبر..
وثانيها.. أنه ينوي قطع يد السارق دون أن يحدد لنا مواصفات هذا السارق.. لذلك ليس من المستبعد أن يطول سيفه من لا يَجد قوت يومه وأن يبتعد نصله عن سارقي الأموال.. وربما تتوالي الأيدي المُقطعة قبل أن يوفر الشيخ الاحتياجات الأساسية التى تجبر المواطن علي أن يكف يده عن الحرام..
ونسأله.. هل الوقت مناسب لتطبيق هذا الحد، وبين شرائح المجتمع من الملايين ممن يعيشون دون حد الكفاف بكثير؟؟..
وثالثها.. أن كافة الأمور عنده يجب أن تخضع لفتوي العلماء، طالما لم تتواجد في المجتمع المؤسسات الإسلامية التي يثق فيها الشيخ.. ويصر علي اتباع هذه القاعدة عندما يقع خلاف مع الحاكم وتُسد طرق اصلاحه كما يراها ويقرها الثقاة من العلماء.. ويقول ان عليه هو ومن يسيرون علي نهجه ndash; في هذه الحالة - ان يستفتوا العلماء وأن ينفذوزا ما يُفتون به كما حدث بالضبط عندما خالفوا مسيرة السادات السياسية فأهدر العلماء دمه..
الجدير بالإشارة هنا أن الشيخ كلما سأله محاوره عن موقفه من الآخر عندما يختلف معه، هل يرضي بأن يستشير ndash; هذا الآخر - العلماء الذين يراهم ثقاة؟؟ وهل يرضي ndash; الشيخ والسجين السابق - بما يصدرونه من فتاوي في شأنه؟؟.. عمد إلي التسويف واللف والدوران متعمداً أن لا يعطي إجابة شافية..
وهل كان واحد من المشاهدين أو القراء يتوقع منه أن يُعلن علي الملأ موافقته علي أن يغتاله الآخر إذا اختلف معه في الرأي؟؟..
لم نكن نتوقع منه ذلك لسبب بسيط أنه لم يعترف بخطأه منذ شارك في جريمة إغتيال الرئيس السادات إلا مؤخراً وبحجة أن هذه العملية هي التى مهدت الطريق لكي يتولي النائب حسني مبارك الحكم وما ترتب علي ذلك من تجاوزات، لذا وَجب عليه ndash; كما جاء علي لسانه ndash; الإعتذار quot; للشعب المصري عما سببه مقتل السادات من مظالم لمدة ثلاثين عاما quot;..
آلمني أن يسرد الشيخ عبود الزمر لأهل قريته أنه كان يُخطط لقيام ثورة في مصر عام 86 من داخل سجنه، لأن أحداً لم يسمع به من قبل !! وآلمني كثيراً أن يؤكد تواجد غالبية من كوادر التيار الإسلامي بين الشباب الذي اشعل ثورة 25 يناير، لأن قادة تحالف شباب الثورة نفوا هذه الفرية علنا بكل اللغات !!..
علي الجانب الآخر، أقول.. لم أحزن كغيري بسبب الظهور المتتابع للسجين السابق علي شاشات التلفزيون.. ولا بسبب أحاديثه شبه اليومية التى تسابقت الصحف علي الحصول عليها.. لأن ما جاء علي لسانه في كل منها يحمل رسالة لا بد أن الغالبية العظمي من المواطنين المصريين استوعبوها وفهموا مدلولها في ضوء الوسطية التى يتخذونها منهجاً منذ عرفوا التوحيد العقلاني ومن بعده التوحيد الرباني..
لم أحزن لأن هذا الفهم يعني علي مستوى الانسان البسيط، الذي لا يهتم كثيراً بالتنظير ولا بالقعير ولا تشده مدارس الفلسفة علي تنوعها، الحقائق التالية..
1 ndash; أن محدثه عبود الزمر لا يؤمن بالديموقراطية منهجاً وأسلوباً، وهو إن إقتنع بجدوي الشوري فمن باب سد الذرائع وليس من منطلق الحاجة لتنظيم شئون الأمة لكل من يعيش داخل إطارها وفوق أرضها..
2 ndash; أنه يؤسس لإقامة دولة دينية قوامها النص غير القابل للتأويل، ومن ثم يَفرض علي من يخالفه الرأي من المسلمين إما أن يرحل عنها أو يرضي بالخضوع لأحكامه واستنباطاته أي كانت واقعيتها أو تطرفها.. وعلي غيرهم quot; من أهل الذمة quot; أن يرضوا بوضعية الدرجة الثانية من المواطنة أو الهجرة من وطن أجداهم إلي غير رجعة..
3 ndash; أن المرأة المسلمة ستعود وفق لوائح هذه الدولة الداخلية إلي عصر الحريم.. تُمتع رجلها وتُنجب له الذرية وتَرعي شئونه وتبقي داخل خدرها لا تبرحه إلا بأذن من ولي الامر..
4 ndash; أن العلماء الثقاة هم quot; فقط quot; مصدر الفتوي الصالحة لتسيير أمور الامة.. يُرجع إليهم في كل شئ مرتبط بنواحي الحياة، ولهم أن يستعينوا إن أرادوا بالمتخصصين من أولي العلم.. لكن الأمر لهم في نهاية المطاف دون تدخل من أي طرف..
5 ndash; أن المرجعية الأولية في كل ما يتعلق بالمُستجد من الأمور الحياتية إلي تجارب السلف الصالح، وإن لم يرد فيها رأي فعلي الائمة أن يجتهدوا..
هذا الانسان البسيط يهمه كثيراً أن يعرف ان السجين السباق عبود الزمر تخرج من الكلية الحربية ضمن الدفعة التى كان من بينها الفريق سامي عنان رئيس الأركان عضو المجلس الأعلي للقوات المسلحة ( شارك في حرب عام 73 ndash; قائد كتيبة الصواريخ حتى عام 81 ndash; قائد قوات الدفاع الجوي حتى عام 2005 )..
أما أنا فيعنيني أن أسأله رأيه فيما قدمه كل منهما لوطننا مصر؟؟..
bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]
التعليقات