أما كتاب البلاد العربية الأخرى في اسرائيل فالقليل منهم من كتب باللغة العربية، واغلبهم من مصر، ومن روائع الذكريات عن يهود مصر باللغة العربية هي ذكريات موريس شماس (أبو فريد) (القاهرة، حارة اليهود، 1930)، الإذاعي الفنان الذي دون اعترافاته في كتابه المؤثر quot;دكريات الضباب- عزة، حفيدة نفرتيتي، من القاهرة الى القدس الى نهاريا!quot;، وكان قد نشر قبل ذكرياته هذه مجموعة قصصية واقعية حول حارة اليهود في القاهرة بعنوان quot;الشيخ شبتاي وقصص آخرىquot;. أما الصحفي والديبلوماسي الفقيد فكتور نحمياس (1933-2004) فقد عبر عن احتجاجه على معاملة السلطات المصرية لليهود بعد حرب عام 1948 وحرب 1956 وحرب 1967 التي عانى منها يهود البلاد العربية عامة. وفي ذكرياته quot;الرجل الذي ولد مرتين، قصة يهودي مصري هاجر الى إسرائيلquot; (2004)، يروي لنا هذا الصحفي والديلوماسي المتمرس بصورة صريحة عن قسوة معاملة الحكومات المصرية ليهود مصر المسالمين، وفيه يتهم الحكومة المصرية بخيانة يهودها المخلصين وطردهم طمعا في ممتلكاتهم وانتقاما من دولة إسرائيل.
أما الشاعرة والأديبة والباحثة والمترجمة، البروفيسور عادة أهروني (القاهرة 1933) المهتمة بتاريخ يهود مصر، فقد كانت في صباها عضوا في حركة الشبيبة الصهيونية المصرية، وألفت عدة كتب تصف فيها حنينها الى مسقط راسها مصر والأيام الجميلة التي قضتها مع عائلتها واصدقائها المصريين الأوفياء. ويبدو موقفها المشرف نحو مسقط رأسها ونقاء قلبها من غريزة الانتقام، في روايتها لحادثة طرد السلطات المصرية لوالدها (1949) الذي كان يحمل الجنسية الفرنسية الى فرنسا، وذلك في اعقاب القوانين المجحفة بحقوق اليهود التي سنتها مصر في حرب 1948، وعندما وصل الى فرنسا، علم أن جميع مدخرات العائلة التي أودعها في بنك سويسري في القاهرة قد صادرتها السلطات المصرية، فأصيب بسكتة قلبية أودت بحياته، ولم يبق لديها خيار سوى الهجرة الى إسرائيل، ومع ذلك فلم تحمل لمصر وللعرب ضغينة وتصميم على الانتقام. ومما يدل على حبها لمسقط رأسها قولها إنها التحقت قي عام 1950 مع زوجها بكيبوتس quot;عين شيمرquot; اليساري، وقد قامت إدارة الكيبوتس بطردها وزوجها مع 20 عضوا آخر من يهود مصر لاصرارهم على إقامة علاقات ودية مع المواطنين العرب بدعوى أن الامر قد يؤدي الى تحريض يتعارض مع موقف الادارة، على حدّ قولها. ثم أسست عام 1999 جمعية السلام بين العرب الفلسطينيين ويهود البلاد العربية، لأنها ترى أن كلا الطرفين قاسا بما فيه الكفاية وكانا ضحية هذا الصراع الطويل الدامي، ولذلك فمن الاولى أن يقوم يهود البلاد العربية والفلسطينيون بالتفاهم وعقد صلحة بين الطرفين. وتدعم مؤسسة الصداقة الاسرائيلية المصرية برآسة السيدة ليفانا زمير (القاهرة 1938) هذه الاهداف، ونحن نأمل أن تعود مؤسسة الصداقة هذه إلى نشاطها الثقافي والأدبي بعد ثورة الشباب المصري الأخيرة.
ومما يجدر الإشارة اليه في هذا المضمار أن تصرف د. عادة أهروني النبيل في رفضها الانتقام لموت والدها، يشبه تصرف والدي الصحفي الاميريكي المرحوم دانيال بيرل (والدته روت من مواليد بغداد، ووالده يهودا بيرل من مواليد أوروبا)، من عدم المطالبة بالانتقام لإعدام الطالبان في الباكستان لابنيهما الصحفي، المرحوم دانيال بيرل، مراسل صحيقة quot;وول ستريت جورنالquot; النيويوركية، بوحشية بالغة وقطع رأسه ظلما وعدوانا لاعترافه الصريح وبكبرياء شامخة وإصرار أبيّ بقوله: quot;أنا يهودي وأمي يهودية ووالدي يهودي!quot; بالرغم من علمه بمصيره الفظيع نيتهم الغادرة، فما أن أتم رده الصريح حتى أطار جلاده الأثيم رأسه بضربة سيف وحشية ظالمة. ترى هل كانوا سيرحمون زهرة شبابه اليانعة لو قال لهم: quot;أمي عراقية بغدادية عربية، غنت لي اغاني المهد العراقية بلغتها العربية!quot; هل كانوا سيطلقون سراحه في ساعة ظن فيها المجرمون انهم يخدمون الدين الاسلامي والامة الاسلامية بتقديمه قربانا بشريا على مذبح الحقد والكراهية والانتقام وبهتافهم quot;الله أكبرquot;، بحقد ووحشية منافية لكل الأعراف والأديان والتقاليد؟ نعم لم يطالب والداه الحكومة الأمريكية بالانتقام، بل أعلنا الصفح عن قاتلي ابنهما الوحيد، لتمسكهما بالعقيدة اليهودية، بأن quot;على الانسان أن يساهم في اصلاح هذا العالم وأن يكون قدوة للآخرينquot;، وجعلا ذكرى يوم مصرعه احتفلا موسيقيا عالميا لجمع التبرعات لنشر فكرة الاخاء والسلام بين الاديان والشعوب. إن مثل هذا التصرف النبيل لهو فوق طاقة البشر ووفاء سموألي آخر، من والده اليهودي وأمه العراقية اليهودية.
والى جانب الكتب التاريخية والذكريات والقصص عن مآسي التهجير، نشر يهود البلاد العربية عدة مجلات يدافعون فيها عن عاداتهم وتقاليدهم الشرقية والعربية وماضيهم المشرف، ومن أوائل هذه المجلات هي المجلة التي اسسها الشاعر المغربي إيرز بيطون، من مواليد أوران في الجزائر (1942) لوالدين مغربيين، وهو يعيش مأساة فقدان بصره في سن 11 الغض من عمره المديد جراء انفجار بعبوة ناسفة عثر عليها في أحد الحقول، ففقد بصره وقطعت كف يده اليسرى، ومع ذلك فقد واصل دراسته الجامعية ونال درجة الماجستير في علم النفس. وهو من دعاة وحدة حضارة البحر الأبيض المتوسط أسوة بالمفكر المصري البصير د. طه حسين، وانشأ مجلته الادبية الثقافية الاجتماعية تحت عنوان quot;أبريونquot; (هودج) (1986) ليؤكد انتماءه الى الحضارة العربية وحضارة البحر الابيض المتوسط، وقد نشر الدواوين العديدة التي تفوح منها روحية ورائحة الشرق العطرة، منها quot;صلاة مغربيةquot;، وquot;كتاب النعناعquot; وغيرهما من الدواوين التي تؤكد تعلقه بالمغرب العربي وعاداته وتقاليدة وثقافته ومجتمعه وموسيقاه.
وفي عام 1996 أسس بعض المثقفين من أبناء الطوائف اليهودية من البلاد العربية مجلة بعنوان quot;القوس الديموقراطي الشرقيquot; (هقيشت هديموقراطيت همزرحيت) (تأسست عام 1996) ومن ابرز محرريها الأديب والشاعر والباحث الدكتور سامي شطريت المغربي الاصل (الرشدية، 1960) والبروفيسور يهودا شنهاب (شهرباني) من مواليد بئر السبع لوالده العراقي الشهرباني الأصل، وغيرهما من كبار المثقفين الشرقيين، وهدفها الجسر بين الفوارق الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الإسرائيلي. غير أن ميولها اليسارية لم تلق اقبالا واسعا لدى جمهور اليهود الشرقيين المحافظين. وأخيرا صدرت عام 2000 مجلة عبرية أدبية ثقافية فنية يحررها ابناء يهود البلاد العربية أيضا تحت عنوان quot;الاتجاه شرقاquot; (هكوون مزراح)، ورئيس تحريرها اسحق جورمزانو جورن، الأديب والروائي المسرحي والسينمائي المصري الأصل من مواليد الاسكندرية (1941)، وهي مجلة تعالج قضايا الثقافة الشرقية والكتاب الشرقيين في اسرائيل، للتعريف بالشرق والحضارة الشرقية. ومن اطرف اعدادها العدد 16 الخاص بتعريف الشباب الشرقي في المجتمع الاسرئيلي الذي يطلق على الشاب الشرقي العنيف الصاخب المشاكس كلمة quot;عَرْسquot; (القواد باللغة الفصحى)، بينما يطلق اسم quot;فريحةquot; على الفتاة الشرقية المتبرجة التي تخضب شعرها وترتدي quot;المينيquot; القصير الزاهي الألوان المقمّط وتهش للعراك وتعلك العلكة في كلامها المليء بالكلمات البذيئة النابية. واسحق جورن هو زوج الممثلة العراقية الاصل شوشا جورن، المتخصصة بادوار النساء اليهوديات العراقيات وتصرفاتهن وعاداتهن ولهجتهن العراقية التي تلقى نجاحا كبيرا واقبالا من الجمهور الشرقي الاسرائيلي على خشبة المسارح وعلى شاشة التلفزيون.
وقد غقدت في السنوات الأخيرة عدة ندوات وجمعيات مطالبة بتبني مبادرة السلام العربية التي اطلقها الملك عبد الله بن عبد العزيز (2002) للسلام في الشرق الأوسط بين اسرائيل والفلسطينيين. ومن المبادرين الى قيام quot;لجنة مبادرة السلام العربيةquot;، الناشط اليساري نفتالي راز ومؤازرة البروفيسور آلاي ألون من جامعة تل-أبيب وعدد كبير من رجال السياسة والعسكريين المتقاعدين وأغلبهم منن الاشكناز. ويدعو زعماؤها اليوم إلى تشكيل حزب اشتراكي ديموقراطي جديد هدفه إحلال السلام بين اسرائيل والدول العربية. أما من جانب اليهود الشرقيين فقد برز الناشط الإجتماعي إيلي أبيدار (الاسكندرية 1964)، الذي طرد من مصر مع والديه الى إسرائيل بعد حرب الأيام الستة (1967). فبعد دراسته الجامعية التحق بالسلك الدبلوماسي وعين مستشارا سياسيا لأريئيل شارون ورئيسا للممثلية الإسرائيلية في قطر سابقا، قام بتأسيس منتدى quot;نحو شرق أوسط حكيمquot; (2008)، انضم اليها كبار الأساتذة الجامعيين من مهاجري البلاد العربية وأبنائهم، منهم الصحفية ليندا عبد العزيز ndash; منوحين. ومن أهداف هذا المنتدى تقديم التوصيات للسلطات بانتهاج سياسة واقعية حكيمة لانهاء الصراع العربي الاسرائيلي.
وهكذا نرى أن المثقفين اليهود من البلاد العربية ساهموا ويساهمون منذ قيام الدولة في انشاء علاقات صداقة وتفاهم مع اخوانهم العرب في جميع البلدان العربية وعقد معاهدات سلام مع جميع الدول العربية والإسلامية وتطبيع العلاقات مع شعوب الشرق الأوسط، فهم يتعاطفون مع الفلسطينين ويطالبون بأن تعترف إسرائيل وباقي الدولة بمأساة يهود البلاد الإسلامية كلاجئين عانوا من هذا الصراع بما لا يقل عن معاناة الفلسطينيين انفسهم في الخيام والضيم اللاحق بهم بسبب نظرة الآخر اليهم، وانهم ينتظرون منذ عقود بفارغ الصبر انهاء هذه الدوامة الخطرة من مفاوضات فاشلة تعقبها حروب دامية بدلا من التوصل الى سلام دائم وشامل، ويرون في خطاب الرئيس الأمريكي أوباما خير طريق نحو مثل هذا السلام المنشود.
يتبع
التعليقات