أشغلنا القوميون والناصريون والبعثيون بشقيهم العراقي والسوري، ومن بعدهم الإسلامويون، بمناصرة القضية الفلسطينية. قتلوا شعوبهم، سحقوهم، سجنوا شبابهم، أذاقوهم كل أنواع الذل والمهانة، باسم نصرة القضية الفلسطينية، والممانعة، والصمود والتصدي. وعندما ثارت الشعوب، وقف القوميون وحزب الله والإيرانيون من ثورة الشعب السوري موقفاً يندى له الجبين. لقد كشف حسن نصر الله أنه ومعه حزبه حزب المقاومة كما يدعي ليس إلا فصيلاً صغيراً يُنفذ سياسة ملالي إيران، ويمرر أجندتهم السياسية إلى الداخل العربي؛ وكنت أقول وأكرر وما أزال : ما علاقة الإيرانيين بمشروع التحرر العربي؟ .. ولو كنت سورياً أتجرع الذل والقمع والهوان والفقر من هذا النظام السوري الفاشي لقلت : فلتذهب القضية الفلسطينية، ومعها الممانعة، والمقاومة إلى الجحيم، وأتنفس حريتي. غبي ومغفل وأحمق من يقبل أن يدفع حريته ثمناً لكي (يقاوم) الآخرون؛ ثم هل من يقبل بخراب بيته، قادرٌ على أن يُعمر بيت غيره ؟ .. فبيتي لا بيت الجيران هو الأهم.
أضحكني أحد اليساريين العراقيين، من الديناصورات القومية، شكلاً ومحتوى، عندما قال في إحدى القنوات الفضائية : لا أحد ينكر الموقف المشرف لحافظ الأسد وبشار في مناصرته للقضية الفلسطينية، ودعمه للمقاومة في لبنان، و وقفه في وجه المشروع الأمريكي في (الوطن) العربي، وكأن مواقفهم المفبركة والمزعومة تلك تمنحهم الحق المطلق لأن يبيدوا شعوبهم ويسرقوها، وينكلوا بأطفالهم، ويُذيقوا شعوبهم الأمرين.

ثم ماذا جنت القضية الفلسطينية من أنظمة القوميين العرب إلا الخراب؟
عبدالناصر سَكرَ ضباطه حتى الثمالة في ليلة حمراء عندما تحركت جيوش إسرائيل عام 1967لتجتاج سيناء دونما مقاومة تذكر، لتقف على الضفة الشرقية للقناة. وكان بإمكان الإسرائيليين - بالمناسبة - أن يستمروا حتى آخر شبر في الأراضي المصرية لولا حساباتهم السياسية.
الجولان باعها العسكريون السوريون لكي يسمح الإسرائيليون ومن وراءهم الأمريكيون وكذلك السوفييت آنذاك ليثب حافظ الأسد إلى قمة الحكم في سوريا في ليلة كالحة السواد، ويورث الحكم من بعده لأبنائه، وربما لأحفاده أيضاً؛ وبقي الجيش العربي السوري حارساً يحرس الجولان من كل من تسول له نفسه التسلل إلى ليقاوم إسرائيل. فالقضية التي يدعي القوميون العرب أنهم يُدافعون عنها باعوها ثمناً لبقائهم في سدة الحكم. كانت (مناصرة) القضية حجة من لا حجة له، وأفضل السبل في نهب الشعوب، وتكميم الأفواه، وتنمية السجون والمعتقلات لا تنمية الأوطان.
تخطى وريث عبدالناصر معمر القذافي كل حدود العقل والمنطق والسياسة والكياسة والرصانة، وسامَ الليبيين صنوف العذاب والتنكيل؛ قتل شبابهم، ونهب ثرواتهم وبددها في مشاريع مضحكة، واستحيا نساءهم، وسجن شيبهم وشبابهم، بل حتى أطفالهم لم يسلموا من سجون وريث عبدالناصر؛ وعندما ثاروا عليه يطالبون بالعدل والأنصاف والحرية والديمقراطية والتنمية، لم يناصرهم ويقف معهم ويحميهم من دبابات العقيد وصورايخه وقذائفه ومرتزقته إلا الغرب، ومعهم بعض الخليجيين العرب، الذين هم في أعراف عرب الشمال (القوميين) امتدادٌ للغرب الإمبريالي، أو ndash; كما يسمونهم عرب الشمال ndash; منفذو أجندة الغرب، ورمح التآمر معه. أين القوميون عن نصرة إخوانهم الليبيون؟ .. كانوا ربما مشغولين عنهم بنصرة (دولة) المقاومة والممانعة سوريا، من مؤامرة الغرب الاستعماري، أو بلغة الإسلامويين الصليبي، وإفشال أجندته! .. ولو كنت ليبياً وطنياً لاعتبرت بعد مواقف هؤلاء العرب القوميين المخزية من القضية الليبية أن كل من يناصر القومية العربية من الليبيين خائناً لوطنه، وانصرفت أجذر علاقاتي وأقوي وشائج مصالحي إلى من وقف معي في محنتي لا من خذلني.
لقد كشف الربيع العربي تفاهة وسخف وتخلف وانحطاط وقذارة المؤدلجين العرب بجميع أطيافهم، وثبت الآن أن نصرة القضية الفلسطينية في قاموس العروبيين ومعهم الإسلامويين أيضاً، كانت فعلاً كما كان قميص عثمان وأصابع نائلة عندما أراد معاوية أن يقفز إلى السلطة لا أكثر.