مازالت أغلب المؤشرات تدل على أن السيد رجب طيب اردوغان، رئيس الوزراء الترکي، يتمتع بتعاطف ملفت للنظر من جانب الشارع العربي، في الوقت الذي مافتأ عدد کبير من الکتاب و المثقفين العرب، ينظرون الى النموذج الاسلامي الترکي(المتمثل بحزب العدالة و التنمية)، على انه القدوة المثلى للتيار الاسلامي العربي و يتحسرون على عدم وجود وعي فکري سياسي يماثل ذلك الوعي الذي تفتق عن التيار الاسلامي الترکي الاصلاحي المعتدل، متناسين ثمة حقيقة مهمة جدا وهي ان الواقع الترکي بمختلف جوانبه و بواقعيه الذاتي و الموضوعي، يختلف إختلافا کبيرا مع الواقع العربي.

زعيم حزب العدالة و التنمية الذي يطل اليوم کضيف کبير على أهم بلدان الربيع العربي، يسعى و بکل مالديه من إمکانيات و براعة سياسية للظهور بدثار نصير الحرية و حامل لواء الديمقراطية، بل وانه حتى لم ينس أن يطرح مفاهيم و طروحات فکرية لکي يلفت و يشد المزيد من الانظار إليه، فهو يتحدث عن أنه ليس هنالك من تعارض بين الديمقراطية و الاسلام مثلا، بل وانه يسدي النصح و الارشادات(الديمقراطية و التحررية و الانسانية)، للنظام السوري بشکل خاص و مباشر و لأنظمة عربية أخرى بشکل عام و غير مباشر، من ضرورة إيلاء الاهتمام بحرية الشعوب و عدم هضم او تجاهل حقوقها، والکل بما فيه الغرب الليبرالي يصفقون للسيد رجب طيب أردوغان و يعتبرونه سبارتاکوس العصر الحديث.

رئيس الحکومة الترکية الذي يتميز هو و حزبه بطابع خاص و فريد جدا يمکنه الجمع بين النقائض، في الوقت الذي يحمل فيه أغصان الزيتون للبلدان العربية التي يزورها و يحرص أشد الحرص على إستتباب السلم و الاستقرار فيها، هو نفسه و بحد ذاته الذي يعد العدة لهجوم بري على اقليم کوردستان العراق، و يصدر الاوامر لطائراته الحربية بقصف المناطق الآهلة بالسکان زعما أن الثوار الکورد ينطلقون من هناك، و يبدو أن منطقة قنديل قد إتسعت في ذهن و فکر السيد اردوغان لتشمل کل التراب الکوردي، ويرفض زعيم حزب العدالة و التنمية الذي يطمح أن يصبح عراب الربيع العربي، يرفض بشدة الاقرار بالحقوق المشروعة للشعب الکوردي، في الوقت الذي يطير فيه الى مصر و ليبيا و تونس ليتحدث هناك عن حقوق الشعوب و قضية حرياتها، وهو غريب جدا في تصرفه هذا، إذ في الوقت الذي يحمل في يديه غصن الزيتون للبلدان العربية التي زارها، فإنه يرمي الصواريخ و القنابل على رؤوس الشعب الکوردي، تماما مثلما يسمح بناء قواعد للصواريخ الامريکية على أراضيه و في الوقت نفسه يتحالف مع أعتى نظام دکتاتوري في المنطقة(أي النظام الايراني)، من أجل ضرب القوى التحررية للشعب الکوردي و الالتفاف على حقوقه و حريته، مثلما يتحالف و يتعاون مع الغرب(خطوة خطوة)، من أجل تنفيذ السيناريوهات المختلفة و لاسيما المتعلقة منها بليبيا، فهل هناك من يصل الى مستوى السيد أردوغان في ممارسته لسياسة الکيل بمکيالين؟!