من أوائل النكت التى سمعتها وأنا طفل صغير كانت: quot;فى أثناء أحد المعارك شوهد شخص يهتف بأعلى صوته محرضا الجنود على القتال ويقول: موتوا فى سبيل الله ... موتوا فى سبيل الوطن، فإقترب منه أحد الجنود وسأله: أنا مش شايفك بتحارب، إنت بتشتغل إيه؟ فأجابه أنا بأشتغل حانوتى!!quot;
فأنا فى تقديرى أن معظم الأنشطة الإنسانية الكبرى مثل الحروب والثورات وحتى الكوارث الطبيعية وعلى الرغم من فداحة الخسائر، إلا أنه يكون هناك دائما مستفيدون وأذكر أنه فى أعقاب كارثة quot;إعصار كاتريناquot; والذى ضرب سواحل مدينة نيو أورليانز بأمريكا، حدث هجوم من المقاولين على نيو أورليانزللإستفادة من عقود إعادة البناء، وفى الحروب دائما يظهر دائما ما يطلق عليهم quot;أغنياء الحربquot;، وكان أقربها حرب العراق فقد ظهر العديد من أغنياء الحرب على الجانب الأمريكى والجانب العراقى.
وفى نهاية كل سنة مالية تقوم الشركات بعمل ما يسمى بحساب الأرباح والخسائر، فتعالوا نبحث عن الخاسرون والرابحون من ثورة مصر 25 يناير، والتي مازالت مستمرة حتى اليوم، ولم تشهد مصر أى إستقرار منذ بدأت تلك الثورة، فلنرى من:

الخاسرون:
أولا: بالطبع أول الخاسرون هم الشهداء وأهاليهم سواء من أبناء الشعب أو من رجال الشرطة الذين كانوا يدافعون عن أقسام الشرطة أو يدافعون عن أنفسهم، وأستثنى من هؤلاء المجرمين الذين قتلوا أثناء محاولتهم إقتحام أقسام الشرطة والسجون (وللأسف بعض الثوار يعتبرونهم من ضمن الشهداء). وبالطبع الشهداء الحقيقيون: الله أعلم بهم وسوف يبعثهم فى جناته خالدين فيها.
ثانيا: قطاع السياحة: وهذا القطاع يعمل به ما لايقل عن خمسة ملايين مواطن مصرى، من موظفى شركات السياحة والفنادق والمناطق الأثرية وموظفى المطاعم وسائقى التاكسى ... إلخ، وهؤلاء فى تقديرى هم أكثر من خسر من الثورة، والله وحده يعلم ما الذى سيحدث لهذا القطاع ولهؤلاء الناس فى ظل الحكم الدينى الجديد.
ثالثا: حسنى مبارك وعائلته وأعمدة نظامه، هؤلاء معظمهم فى السجن أو يحاكم أو ينتظر المحاكمة.
رابعا: الثوار الذين قاموا بالثورة، هم من أوائل الخاسرين لأنهم قاموا بالثورة ولم يعرفوا كيف ينظمون أنفسهم تحت قيادة موحدة، لذا فاز بالثورة الأكثر تنظيما والأكثر عقلا، ومهلعش هاردلك، المرة الجاية.
خامسا: الليبرالية المصرية بشكل عام، أثبتت تلك الثورة أن الليبرالية المصرية لا وجود لها بشكل حقيقى ومعظم مدعى الليبرالية يتكلمون فقط ولا يؤمنون بما يقولونه فى معظم الأحيان، وقد أثبتوا أنهم أبعد ما يكون عن الشارع المصرى، وقد إختزلوا مصر فى ميدان التحرير، وبينى وبينكم اريح كثيرا، فميدان التحرير يقع فى قلب القاهرة وقريب من كل شئ وقريب من دور السينما والمطاعم والمحلات، فيكفى التواجد هناك، أما لكى يذهب الليبرالى من دول إلى سوهاج وقنا والبحر الأحمر وكفر الشيخ ودمنهور، ده وجع قلب ع الفاضى، لذلك فقد قال الشعب كلمته ولم ينل الليبراليون أكثر من أصوات ميدان التحرير!!
سادسا: الشرطة المصرية، قد خسرت هيبتها ودفع رجال شرطة العهد الحالى ثمن كل جرائم جهاز الشرطة المصرى على مدى ما يقارب قرنا من الزمان، فمعلهش برضه كنتم إفتريتم لحفظ نظام الحكم أكثر من حفظ أمن البلد.
سابعا: الأمن، قد خسر المصريون فى العام الماضى الإحساس بالأمان، الذى كان يفاخر به الرئيس السادات بأن مصر هى بلد الأمن والأمان، وإتضح أن مصر كانت بلد الأمن والأمان ليس لطيبة شعبها فقط ولكن لقوة شرطتها وأحيانا إفتراء الشرطة وخاصة على المجرمين، وعودة الأمن لمصر لن يكون أمرا سهلا وخاصة بعد كسر شوكة رجال الشرطة.
ثامنا: قد خسر الإقتصاد المصرى أكثر من ثلثى إحتياطيه النقدى حتى الآن، وإذا إستمر الحال على هذا المنوال، فمن المتوقع أن ينفذ الإحتياطى المصرى فى شهر مارس القادم. ومصر تحتاج إلى معجزة حقيقية لوقف هذا النزيف.
تاسعا: المسيحيون المصريون، بعد أن شاركوا فى الثورة وقدموا الشهداء ورفع الصليب إلى جانب الهلال وإقيمت القداسات فى ميدان التحرير وظن العالم أن مصر قد نزعت عنها الطائفية، وأن الطائفية كانت جزءا من الأنظمة القمعية، فإن المسيحيين يشعرون الآن بقلق شديد بعد إكتساح الإسلاميون للإنتخابات، ولو شاءوا لإكتسحوا إنتخابات الرئاسة القادمة أيضا. وما أزعج المسيحيون ليس فقط الإكتساح الإسلامى للبرلمان ولكن تصريحات بعض الإسلاميين، مثل: quot;مصر بلد إسلامية، وإللى مش عاجبه يسيب البلدquot;.
عاشرا: أصحاب المصانع والعمال الذين أغلقت مصانعهم: لا بد أن هؤلاء لا يرحبون بالثورة أيضا التى قطعت عيشهم وخربت مصانعهم وأوقفت حالهم.
حادى عشر: هيبة النظام العام، تعم مصر حالة من الفوضى الغير خلاقة أبدا، ولكن فوضى مدمرة، إبتداء من فوضى المرور ونهاية بقطع الطرق والسكك الحديدية ومرورا بالإضرابات والمطالب الفئوية الساذجة والتى تطالب بمضاعفة الأجور والعمل متوقف والبلد على حافة الإفلاس!! وبسهولة شديدة من الممكن أن يتجمع خمسون عاملا فى شركة ويحبسون مدير شركتهم أو يأخذونه رهينة حتى يتم فصله وتعيين مديرا آخر على مزاجهم، وطظ فى العمل وطظ فى الشركة، ويكفى أن يرفعوا له لا فتة تقول :quot;أرحلquot;!!

الرابحون:
أولا: السلفيون هم أكثر الرابحون، فقد خرجوا فجأة من السجون ومن كهوف بورا بورا بأفغانستان لكي يحتلوا ربع مقاعد مجلس الشعب، وربما يكون رئيس مصر القادم منهم، وذلك فى مفاجأة أذهلت الجميع بما فيهم السلفيين أنفسهم.
ثانيا: الأخوان، حصل الأخوان على ما يستحقونه وعملوا من أجله فى الشارع المصرى منذ 80 عاما، وسواء إتفقت أم إختلفت معهم، فقد كان تواجدهم وسط الشعب وفى كل مكان، وقدرتهم التنظيمية الفائقة وإلتزامهم الشديد بالطاعة العمياء لقيادتهم وتوحدهم أعطاهم قوة هائلة فى الشارع، وبغض النظر عن مصادر تمويلهم، إلا أن حصولهم على التمويل يحسب لهم وليس عليهم مالم يثبت أنه مال حرام!!.
ثالثا: الجيش المصرى، زادت شعبية الجيش المصرى وسط رجل الشارع العادى، ورغم أن هذه الشعبية قد تأثرت بسبب مذبحة أقباط ماسبيرو، وحوادث شارع محمد محمود، إلا أنه بصفة عامة فإن خسائر تلك الثورة بالنسبة لحجمها وبالنسبة لتعداد الشعب المصرى، تكاد لا تذكر بالمقارنة لغيرها من الثورات حولنا وعبر التاريخ. وهتافات quot;يسقط ... يسقط حكم العسكرquot; إنما هى هتافات قلة محدودة وإن كانت عالية الصوت فى أجهزة الإعلام، ولكن العبرة بالأغلبية التى نزلت الإنتخابات فى حماية وتنظيم الجيش المصرى.
رابعا: الباعة المتجولون، كانت هذه الثورة بمثابة ليلة القدر بالنسبة للباعة المتجولين فى كل أنحاء مصر، إبتداء من أصغر قرية مصرية وإنتهاء بشارع سليمان باشا.
خامسا: البلطجية، هؤلاء إكتسحوا الشارع المصرى من اليوم الأول للثورة وحتى اليوم، ومن سقط منهم قتيلا يقوم الآن محامو الحق المدنى بطلب تعويضات له على إعتبار أنه شهيدا، وأتعجب لما لم يشكل البلطجية حزبا سياسيا حتى الآن؟؟.
سادسا: الشعب المصرى قد يكون أهم الرابحين لأنه قد كسر حاجز الخوف من السلطة، ولكن هذه النعمة قد تنقلب نقمة، فهناك فرق كبير بين الخوف من السلطة والنظام وإحترام السلطة والنظام، فالفرق بين الشعوب المتحضرة والمتخلفة يكمن فى إحترام النظام بدون رعب من السلطة.
سابعا: أجهزة الإعلام المختلفة (بإستثناء التليفزيون المصرى الحكومى)، فقد إنتشرت القنوات زى الرز وكذلك الصحف ومواقع الإنترنت وكذلك القنوات الدينية، وأصبح كل ضيف على توك شو خبيرا، وأصبح كل ضيف على قناة دينية شيخا.
ثامنا: حزب الكنبة: هذا الحزب إستمتع بسنة هائلة من الجلوس على الكنبة ومشاهدة التليفزيون، وكانت مشاهدة أجمل كثيرا وأحيانا أشد حزنا من مسلسلات التليفزيون، وأنا أعتقد أنه لو القيامة قامت فلن يتحرك هذا الحزب من على الكنبة، وسوف يشاهد أحداث يوم القيامة على التليفزيون!
تاسعا: مئات آلاف الناس الذين قاموا بالبناء على الأراضى الزراعية والذين قاموا بتعلية عماراتهم بدون تراخيص منتهزين فرصة الفوضى وعدم تواجد الشرطة أو الحكومة، وربنا يستر على تلك المبانى والتى إقيمت بشكل عشوائى وبسرعة رهيبة.

وكل عام وأنتم بخير، وكل ثورة وأنتم طيبون!
[email protected]