صباح الثلاثاء 11 سبتمبر عام 2011 كنت فى زيارة لموقع إنشاء مشروع ستاد البيسبول فى مدينة سانفورد الأمريكية حيث كنت أعمل مديرا للمشروع، وجاءنى رئيس السباكين (بوب) فى حوالى الساعة التاسعة والنصف وقال لى: ألم تعرف ماحدث فى نيويورك؟ فأجبت بالنفى، فقال: لقد إصطدمت طائرتان بأبراج المركز العالمى للتجارة. وإنقبض قلبى بشدة وخمنت أنها عملية إرهابية، لأن إصطدام طائرة واحدة قد يعنى أنها حادثة ولكن إصطدام طائرتين فى وقت واحد شئ لا يطمئن، وإنطلقت بسيارتى إلى مكتب الشركة الرئيسي والذى لا يبعد كثيرا عن موقع المشروع، ووجدت أن محطات الراديو كلها بما فيها محطة الموسيقى الكلاسيك التى أستمع إليها قد قطعت أرسالها العادى وتحولت إلى محطة أخبار، وعرفت أن هناك طائرة ثالثة إصطدمت بمبنى البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) بالقرب من واشنطن العاصمة ورابعة سقطت فى ولاية بنسلفانيا، وأصبت بحزن وخوف شديدين، حزن على الضحايا الأبرياء وخوف على أن يكون من فعل هذا من المسلمين، وماذا سوف يحدث لنا نحن المهاجرين والعرب؟ هل يطردوا أولادنا وبناتنا من مدارسهم؟ هل سنفقد وظائفنا؟ هل سيطردونا من بلادهم؟ ووصلت إلى المكتب ووجدت أن معظم الموظفين والمهندسين قد تركوا مكاتبهم وإزدحموا فى غرفة الإجتماعات الرئيسية بالشركة يشاهدون الوصف الحى للحدث على شاشة التليفزيون، ودخلت غرفة الإجتماعات معهم وشاهدت أحوال ومشاهد الذعر والهلع فى نيويورك، ولم ينتبه لوجودى فى الغرفة سوى زميلة مقربة إلى والتى قالت بدون أن تنظر إلى حيث كانت كل حواسها مركزة على شاشة التليفزيون، (هاى سامي)!
وخرجت من الغرفة وأنا أدعو من أعماق قلبى ألا يكون المجرمون من المسلمبن أو العرب.
وذهبت إلى المنزل مبكرا فى هذا اليوم لأطمئن على زوجتى وبناتى، وفى المساء جلسنا أمام التليفزيون وشاهدنا منظر البرجين وهما يسقطان، وبكت الأسرة جميعا، وقالت لى إبنتى الصغيرة (وكان عمرها فى هذا الوقت تسع سنوات): همه ليه بيعملوا فينا كده؟؟ why they are doing this to us? What did we do to them?
ولم أستطع أن أجاوبها سوى بقولى :لأنهم مجرمون؟
وفى مساء نفس اليوم إتصلت بنا جارتنا الأمريكية (كيم) تطمئن علينا وعلى البنات، ونصحت (كيم) زوجتى بألا يذهب البنات إلى المدرسة فى اليوم التالى حرصا على سلامتهم من أى إعتداء سواء باللفظ أو الفعل. وقلت لزوجتى أنا أرفض هذا، يجب أن تذهب البنتين إلى المدرسة وأنا واثق أنه لن يحدث لهما أى شئ، وأننى لا أقبل أن أعيش مواطن من الدرجة الثانية فى أمريكا، ولا أقبل أن أعاقب على جريمة لم أرتكبها. وبالفعل ذهبت البنتين إلى المدرسة فى اليوم التالى ولم يحدث لهما أى شئ. وقلت لزوجتى لو أن ما حدث حدث فى بلاد أخرى لأحرقت بيوتنا ، والحق أشهد أننى لم أجد أى فرق فى المعاملة سواء فى الشركة أو خارج الشركة بل على العكس تمت ترقيتى فى الشركة مع إعطائي أسهم ملكية بالشركة، وبعدها بسنوات بسيطة تم إنتخاب إبنتى المصرية المسلمة السمراء رئيسة المدرسة الثانوية (مثل رئيس إتحاد الطلبة)، والحقيقة أن الشعب الأمريكى قد أثبت تحضرا منقطع النظير فى أعقاب جريمة 11 سبتمبر فى معاملته للعرب والمسلمين، وأى حوادث حدث للعرب أو المسلمين إنما حدثت من جانب بعض المهوسيين المتعصبين ولكنها لا تمثل التيار العام للأمريكان.
...
وبدأت تضح الحقائق واحدة تلو الأخرى، إتضح أن قائد المجموعة الإرهابية محمد عطا مصرى ينتمى إلى تنظيم القاعدة، وكل مجرمى المجموعة من تنظيم القاعدة وأغلبهم من السعودية وتلقوا التدريب على الطيران فى أمريكا، ثم رأيت فيديو لأسامة بن لادن يعترف بل ويفخر بالجريمة وكان يذكر المجرمين quot;الشهداءquot; فردا فردا حيث يعرف كل فرد ويعرف عائلته وقبيلته، وقال أن نتائج العملية الإجرامية قد فاقت توقعاتهم بكثير ولمن يتوقعوا أن يسقط البرجين من الصدمة حسب الحسابات الهندسية (بإعتبار أن أسامة بن لادن تخرج فى كلية الهندسة).
وبالرغم من هذا الإعتراف الذى رآه العالم أجمع فإن %80 من العرب والمسلمين مازالوا يعتقدون أن جريمة 11 سبتمبر هى من تنفيذ الموساد الإسرائيلى بمساعدة المخابرات الأمريكية، على أساس أنه ليس للعرب تلك المقدرة التخطيطية والتنفيذية الفائقة، ولكنى أطمئنهم ، عندما يتعلق الأمر بالتدمير و القتل والإرهاب، فلدينا تلك المقدرة التى تصل لحد الإعجاز!!
والحقيقة أننى بعد جريمة 11 سبتمبر أصبت بإكتئاب شديد، وقررت مقاطعة كل نشرات الأخبار التليفزيونية (بعد أن كنت مدمنا على مشاهدة قناة ال سي إن إن) ولم يخرجنى من هذا الإكتئاب سوى الكتابة، وقررت أن أصدر إكتئابى وكآبتى للقراء!! وبدأت فى نشر أول مقال لى فى الذكرى الأولى لجريمة 11 سبتمبر فى جريدة نيويروك تايمز (فى موقعها الإلكترونى) وكان المقال بعنوان (نحن نعتذر) وفيه إعتذرت للأمريكان بصفة عامة ولضحايا الجريمة بصفة خاصة عن أن بعضا من أولادنا (عديمي التربية) قد قاموا بتلك الجريمة!! وأن أنظمة الحكم لدينا قد سمحت بتصدير الإرهاب إلى الخارج بعد أن أتقنوا صنعه فى الداخل!
...
واليوم بعد عشر سنوات على تلك الجريمة، ماذا تعلم العالم عن العرب والمسلمين:
أولا: خسرنا سحر وغموض الشرق بعد أن رأى العالم غسيلنا الوسخ، وأكتشف العالم أن لا يوجد هناك سحر الشرق ولا نيلة!!
ثانيا: أصبحنا نعامل فى كل مطارات العالم معاملة مهينة (لا أريد أن أقول معاملة الكلاب، لأن فى هذا إهانة للكلاب)، وأصبحوا يفتشون ليس فقط حقائبنا، بل أصبحوا يفتشون أحذيتنا ومسحوق أسناننا، وحديثا أصبحوا يفتشون مؤخراتنا!!
ثالثا: عرف العالم أننا لا نترفع عن إقتراف أى جريمة كانت، ولديك تشكيلة مخيفة تصلح لأفلام الرعب، سيارات متفجرة تلاقى، حمار متفجر إنتحارى تلاقى، شاب يفجر نفسه فى مسجد أثناء صلاة الجمعة تلاقى، أرهابى يرش مية نار على وجه فتاه لكى لا تذهب إلى المدرسة تلاقى، فتاة تدعى أنها حامل حتى لا يتم تفتيشها ثم يكتشفون أنها حامل فى متفجرات تي إن تي، وإلخ قصص الرعب والتى أصبحت من تكرارها لا تؤثر فينا البتة، وأصبحت جلودنا أسمك من جلد الفيل بل وتبلد الإحساس لدينا من كثر حوادث الإرهاب داخل بلادنا الإسلامية.
رابعا: يهتم العالم الآن أكثر من أى وقت مضى بإبتكار الطاقة البديلة حتى يتخلص من إحتياجه للبترول العربى والإسلامى، وبعد كده بالجزمة القديمة!!
خامسا: إعتقد العالم الغربى أن مشكلة العرب هى مشكلة حكام، وأن العرب إن تخلصوا من حكامهم وجربوا طعم الحرية يمكن يبقوا بنى آدميين، ولكنهم ذهلوا عندما رأوا أن الديموقراطية والحرية فى العراق وفلسطين قد جاءت بالتطرف والإرهاب، وحوادث القتل والإرهاب فى العراق أصبحت زى سلامو عليكو، وحماس فى غزة إستلمت السلطة وفين يوجعك بعد كده، طردت فتح ورجالها من غزة وبدأت إمارة إسلامية فى غزة ولن ترى غزة أى إنتخابات أخرى، لأن الإنتخابات هى رجس من عمل الشيطان بإجماع الفقهاء!!
سادسا: زادت الطوابير العربية أمام السفارات الأجنبية، وأصبحنا نبارك ونحتفل بكل من يأخذ تأشيرة أجنبية!! وزادت المراكب التى تغرق على شواطئ جنوب إيطاليا، ولولا البترول كانوا قالوها لنا صراحة: quot;مش عاوزين نشوف خلقتكم يا أولاد ال ....quot;
سابعا: عرف العالم أن إدعاء غالبية المسلمين والعرب أنهم ضد الإرهاب هو إدعاء أجوف بدليل أنه لم تقم مظاهرة واحدة من جانب المسلمين مناهضة للإرهاب، وأعتقد أن أهالى غزة الذين وزعوا الشربات والحلوى فى الشارع إبتهاجا بجريمة 11 سبتمبر هم أكثرنا صدقا مع النفس!
ثامنا: عرف العالم حقيقتنا، وعرف أننا لا نصدر سوى البترول والإرهاب.
ومازال العالم يتعرف علينا، وللأسف صورتنا ما زالت سيئة للغاية، ولن تتحسن تلك الصورة إلا إذا إستطعنا تصدير أى شئ آخر للعالم غير البترول والإرهاب، أن شا الله حتى بسكليتة!
وتعيشوا وتفتكروا...
[email protected]