للمرة الخامسة على التوالى خلال أربع أشهر وبناء على دعوة من الأخوان يزور مسئولون أمريكيون مقر الأخوان بحى الروضة بالقاهرة، ففى الشهر الماضى زارهم السناتور جون كيرى رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ الأمريكى ومرشح الحزب الديموقراطى للرئاسة أمام جورج بوش الإبن عام 2004، وبالأمس زار ويليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكى مقر الأخوان بالقاهرة والذى أصبح قبلة مثل مقر الأمام الخمينى فى قم يلجأ إليها كل محتاج طلبا وأملا.
وقد صرح جون كيرى عقب إجتماعه بزعماء الإخوان أن فوز الأخوان فى الإنتخابات لم يكن مفاجأة بالنسبة له، وهذا حقيقى فالأمر لم يكن مفاجأة بالنسبة إلى أى أحد فى ظل المراهقة السياسية لكل الإتجاهات المدنية الأخرى وإفتقادها للقيادة والعمل الجماعى والحنكة السياسية وإرتباطهم بأفكار الستينيات وبالفكر الناصرى والإشتراكى الذى تخلى عنه مخترعوه ولفظوه.
المهم فى الموضوع هو أن الغرب وأمريكا بالذات لا تمانع فى صعود الإسلاميين للحكم فى مصر وغيرها من بلاد ما أطلقوه عليه (الربيع العربى) والذى تحول إلى خريف وشتاء إيرانى طالبانى، فأمريكا تحديدا لايهمها من منطقة الشرق الأوسط سوى ثلاثة أشياء لضمان مصالحها:
أولا: ضمان أمن وسلامة إسرائيل وإلتزام مصر بإتفاقية السلام مع إسرائيل، وفى هذا أنا أؤيد تماما إستمرار السلام مع إسرائيل لأنه لا يوجد أى مبرر لإعادة مصر إلى دوامة الحروب التى إستنزفت المقدرات المصرية من 1948 وحتى 1973 بدون طائل أو عائد وفى النهاية أصبحنا نندم على رفض إتفاقية تقسيم فلسطين عام 1948 والتى كانت السبب فى بدء الحروب مع إسرائيل، وأعتقد أن الأخوان لا يمانعون فى إحتفاظ بسلام بارد مع إسرائيل، المشكلة الحقيقية ستكون مع السلفيين.
ثانيا: ضمان إستمرار تدفق البترول إلى العالم من منطقة الشرق الأوسط بالسعر الذى يتم الإتفاق عليه، وقد لا يعرف الكثيرون أن أمريكا تستورد فقط %22 من إحتياجاتها البترولية من بلاد الخليج و %22 من أفريقيا، وفى العام 2011 ولأول مرة منذ أكثر من 60 سنة زادت الصادرات البترولية الأمريكية عن المستورد (أمريكا تستورد البترول الخام وتصدر المنتجات البترولية بعد تكرير البترول)، وأمريكا بمقدروها أن تغطى إحتياجاتها البترولية إن أرادت ولكنها تفضل أن تحتفظ ببترولها فى أراضيها لوقت زنقة، وأمريكا تريد أن تحافظ على أسعار البترول فى حدودها حاليا ولا تريد لها أن تنخفض كثيرا أو ترتفع كثيرا، لأن أكبر المتضررين من أسعار البترول هم دول أوروبا واليابان والصين والبرازيل المنافسون الرئيسيون لأمريكا إقتصاديا أما شركات البترول الأمريكية فهى تكسب كثيرا من إرتفاع أسعار البترول إلى حدود معينة حتى لا تبدأ فى إحداث الضرر للإقتصاد الأمريكى
ثالثا: إستمرار مبيعات صفقات الأسلحة الأمريكية والطائرات والسلع الإستراتيجية مثل القمح والحبوب والأدوية للعالم العربى، من أجل ضمان بيع الأسلحة فلا بد من إستمرار التوتر فى المنطقة، التوتر بين إسرائيل والعرب يزيد من إزدياد قوة وتسليح إسرائيل، وزيادة التوتر بين إيران ودول الخليج يزيد من مبيعات الأسلحة للطرفين
...
وأمريكا لها أسباب وجيهة أخرى (لا تتعلق كثيرا بأمريكا) لتأييد حكم الإسلاميين غير الأسباب الثلاثة عاليه:
أولا: الإنتخابات بإجماع المراقبين كانت إلى حد كبير إنتخابات نزيهة وبإقبال لم يحدث من قبل فى تاريخ مصر الإنتخابى، لذلك فهذه هى الديموقراطية
ثانيا: علاقة أمريكا بالقوات المسلحة المصرية ستظل قوية، لأن الجيش المصرى قد غير وجهته الإستراتيجية من الإتحاد السوفيتى إلى أمريكا وتحديدا من عام 1977، ومصر تتلقى 1300 مليون دولار سنويا على شكل معونات عسكرية منذ عام 1977 وحتى الآن مكافأة لها على توقيع معاهدة السلام مع مصر، ومعظم أسلحة مصر منذ ذلك التاريخ أصبحت أمريكية ومصر تحتاج أمريكا لقطع الغيار والصيانة والتدريب والتحديث المستمر، ولا يوجد عاقل يستطيع أن يغلق هذا الباب حاليا.
ثالثا: أمريكا رأت فى ثورة 25 يناير المصرية ثورة شعبية حقيقية وسواء ركبها الإسلاميون أم لا فالثورة أصبحت حقيقة واقعة وغيرت مصر للأبد (سواء للأحسن أو الأسوأ) فهذا لا يهم أمريكا كثيرا،هذا شئ يخص المصريين وحدهم.
رابعا: قلق الليبراليين والأحرار والمسيحيين المصريين والعرب من حكم الإسلاميين لا يهم أمريكا كثيرا ولا يضر مصالحها، أمريكا لايهمها إن إرتدت كل النساء النقاب أو إذا منع شرب الخمر أو منعت النساء والسياح من الشواطئ، لأن هذا شيئا يخص المصريين والعرب وحدهم دون غيرهم.
خامسا: حكم الإسلاميون فى مصر وبلاد الربيع العربى قد يساعد امريكا فى حربها ضد الإرهاب وأملها أن يفكك هذا تنظيم القاعدة، فهناك العديد من قادة تنظيم القاعدة قد عادوا إلى مصر واليمن وشمال أفريقيا لكى يساهموا فى الحكم، ولقد سمعنا السلفيين المصريين يهتفون
لبن لا دن فى ميدان التحرير أثناء جمعة قندهار، والدليل على هذا هو أن أمريكا نفسها قد تبدأ قريبا فى التفاوض مع حركة طالبان بعد أن فتحت الحركة مكتب تمثيل لها فى قطر، ونحن لم نعد نسمع كثير عن تنظيم القاعدة أو الظواهرى لأنهم أصبحوا بيننا فى بغداد وبنى غازى وطرابلس وتونس وصنعاء وميدان التحرير ومين عارف يمكن أيمن الظواهرى يرشح نفسه لرئاسة مصر.
سادسا: أمريكا تراهن على أن الإسلاميين سوف ينقسمون وربما يحاربون بعضهم البعض، ولقد راينا بروفة لذلك أثناء الإنتخابات المصرية وبالذات فى المرحلة الثالثة فمعظم الحوادث وقعت بين الإخوان والسلفيين، والصراع الأكبر الذى قد يحدث هو صراع السنة والشيعة والذى نشاهد وقائعه الآن على ملعب العراق وسوف يتصاعد بعد أن خرجت القوات الأمريكية من هناك، وقد ينتقل قريبا إلى لبنان وسوريا والبحرين والسعودية والكويت.
سابعا: يوجد فى أمريكا مثل مهم يقول:
If you canrsquo;t beat them, join them
ويعنى quot;إن لم تستطع هزيمتهم، إنضم إليهمquot;، فمن الواضح أن أمريكا قد فشلت فى هزيمة تنظيم القاعدة وطالبان والتطرف الإسلامي، بل على العكس إزداد التطرف الدينى قوة منذ أن أعلن بوش الإبن إعلان الحرب على الإرهاب بعد جريمة 11 سبتمبر عام 2001
....
فمرحبا بالإسلام السياسى والذى سيرتدى برنيطة الكاوبوى هذه المرة!!
التعليقات