الدولة فى تقديرى مثلها مثل جهاز الكومبيوتر فجهاز الكومبيوتر مكون من هارد وير، وسوفت وير، الهاردوير هو جهاز الكومبيوتر نفسه بالديسك والذاكرة وشريحة التشغيل وخلافه، والسوفت وير هى برامج التشغيل من نظام التشغيل وغيرها من برامج التشغيل المشهورة من شركات ميكروسوفت وآبل وغيرها.
وبدون برامج التشغيل يصبح الكومبيوتر مجرد قطعة حديد صماء، وبدون الكومبيوتر تصبح برامج التشغيل مجرد أوراق أو ديسكات لا قيمة لها.
فالدولة تتكون من هارد وير عبارة عن الشعب والأرض والموارد الطبيعية المختلفة، وبها سوفت وير يقوم بتشغيلها مثل السلطات الثلاث (التنفيذية ndash; التشريعية ndash; القضائية) والتى تعمل بموجب الدستور والقوانين والتى يقوم على تنفيذها الشرطة والجيش والقضاء وغيرها من الجهات التنفيذية.
....
وعندما خرجت أول مجموعة من الشباب المصرى الرائع يوم 25 يناير حمل شعار quot;الشعب يريد إسقاط النظامquot;، وبالفعل سقطت الأنظمة التالية فى مصر:
سقطت معظم السلطة التنفيذية: سلطة رئاسة الجمهورية بسلطتها الخرافية، وتولى تلك السلطة المجلس العسكرى
سقطت الحكومة وجرى إستبدالها بحكومة مؤقتة يتم تعديلها بعد كل مظاهرة فى ميدان التحرير.
سقطت سلطة الشرطة وترك العنان للصوص والبلطجية والهاربين من السجون.
سقطت السلطة التشريعية تماما فقد تم حل مجلسى الشعب والشورى.
إهتزت سلطة القضاء، فتم الهجوم على بعض القضاة أثناء محاكمة بعض المجرمين واللصوص من جانب الأهالى، وتم الهجوم وإنتقاد أحكام القضاء من جانب الثوار والمفترض فيهم إحترام إستقلال القضاء، ولكن يبدو أن أى حكم أقل من quot;إعدامquot; لن يرضى عنه الثوار.
هذا عن سوفت وير الدولة المصرية، أما عن الهارد وير، فإن هناك خطورة كبيرة على تماسك الشعب والأرض المصري فالأحداث الطائفية الأخيرة بين المسلمين والمسيحين تهدد بإنقسام الشعب المصرى، وأحداث جنوب السودان ليست ببعيدة وكذلك أحداث يوغسلافيا التى إنقسمت إلى إلى عدة دول.
وصحراء سيناء مهددة وخاصة أن مصر فى حالة ضعيفة، ويجب أن تتوحد البلد فى اسرع ما يمكن، ويجب أن يتفرغ الجيش للدفاع عن البلد، فماذا يمنع إسرائيل من إفتعال حرب مع مصر وإستيلاءها على سيناء ويقومون بتوطين الفلسطينين فيها ويكون هذا حلا نهائيا لمشكلة فلسطين.
ونيل مصر مهدد ومع حالة الضعف هذه لا أدرى كيف سيدافع المصريون عن حقهم فى مياه النيل إدا تم الإعتداء عليها.
...
الدولة المصرية من أقدم الدول المركزية فى العالم عبر التاريخ، وأستمرت فى البقاء برغم مرور كل المستعمرين والطغاة والغزاة على أرض مصر، ألا أنها حافظت على تماسكها وعلى نسيجها بالرغم من إنتقالها من عبادة الإله رع إلى إله أخناتون صاحب الإله الواحد ثم جاءتها الديانة اليهودية ثم المسيحية ثم الإسلام وأصبحت شيعية فى عهد الفاطميين ثم رحعت سنية فى عهد الأيوبيين، وإنتقلت من الملكية إلى الجمهورية. وبالرغم من كل هذا بقيت الدولة المصرية على تماسكها.
وحتى عندما فقدت مصر خمس أراضيها (صحراء سيناء) بعد هزيمة 1967، إلا أن المصريين أحسوا بخطورة الوضع فى عهد عبد الناصر وأكمل المسيرة السادات وتمكن من إعادة سيناء حربا وسلما، وعندها تنفس المصريون الصعداء بإعادة الأراضى المصرية تحت العلم المصرى.
...
وما يحدث الآن بعد ثورة 25 يناير هو محاولة إيجاد السوفت وير المناسب لإدارة الدولة المصرية، ونظرا لأن ثورة 25 يناير هى ثورة بدون رأس وبدون زعيم لذا فإن كثرة أدعياء الزعامة لتلك الثورة جدير بإفسادها.
ومن الملاحظ أن هناك فئتين من الشعب المصرى هما أكثر إلتزاما وأكثر إنضباطا من غيرهم من الفرقاء، وهما القوات المسلحة والأخوان المسلمون، فكلا الفريقين لهما رئيس معروف فالأخوان لديم المرشد العام، والجيش لديه المشير، وكلاهما لديه مجلس إدارة فالجيش لديه المجلس العسكرى والأخوان لديهم مجلس الإرشاد، وكلاهما مؤمن بالإنضباط وبإحترام الأقدمية وبإحترام الرؤساء.
أما المدنيون الأعزاء، فلا يوجد لديهم رئيس أو مجلس إدارة ولا يوجد لديهم أى إنضباط فإذا صدر أى قرار مش على مزاجهم فيعلنون أنهم غير موافقين، ولا يحترمون رأى الأغلبية رغم الديموقراطية التى يتغنون بها ليلا ونهارا. فبدأوا بالرئيس فتنحى الرئيس، ثم لم يعجبهم أحمد شفيق فتنحى أحمد شفيق، وكل أسبوعين يقوم الدكتور عصام شرف بتغيير بعض وزرائه تلبية لميدان التحرير، وطبعا ثوار التحرير لا يوجد من يوقفهم عند أى حد فلم يبق أمامهم الآن سوى المجلس العسكرى والذين يرغبون فى القضاء عليه أيضا.
وثوار التحرير لا يعطونك أى بديل سوى الفوضى والإنهيار، ويقودهم ويغذيهم مجموعة من الصحفيين والكتاب الهواة الذين لا يفهمون شيئا فى السياسة والذين حولوا كل الصحافة المصرية إلى صحافة صفراء تتبارى فى نشر الأكاذيب والإشاعات بدون أى مسئولية.
فهل يفهم ثوار التحرير الفرق بين القضاء على النظام والقضاء على الدولة المصرية، تلك الدولة التى إستمرت فى الوجود دولة موحدة منذ أن وحدها مينا موحد القطرين منذ حوالى خمسة آلاف سنة.
هل تصدقون أننى أصبحت أحترم الأخوان المسلمين لإلتزامهم وحرصهم على الدولة المصرية مع المجلس العسكرى أكثر من معظم الثوار المدنيين الذين لا يلتزمون بأى شئ ويتصرفون تصرف أطفال غير مسئولين، وإن لم يقف أمامهم المجلس العسكرى بحسم وقوة فإن خراب البلد على أيديهم قادم وقريب. وسوف يحولون تلك الثورةالرائعة إلى مجرد هوجة وفوضى، هم يريدون تحويل مصر (بدون وعى أو قصد) إلى صومال أخرى أو أفغانستان أخرى بدلا من أن تتحول مصر إلى كوريا الجنوبية أو ماليزيا أو تركيا أخرى.
[email protected]
التعليقات