فى حدث غير مسبوق، قام المجلس العسكرى المصرى (الذى يحكم مصر الآن) بالإعتذار لما حدث مساء الجمعة 25 فبراير عندما قام بعض أفراد الشرطة العسكرية بالإعتداء على بعض المتظاهرين وإعتقال البعض الآخر، وقال بالحرف الواحد فى بيانه:quot;إقبلوا إعتذارنا فإن رصيدنا لديكم يسمح بهذاquot; وهذا:
كلام جميل.. كلام معقول مأأقدرش أقول حاجة عنه... لكن خيال حبيبى المجهول مش لاقية فيك حاجة منه!!
المجلس العسكرى يحكم مصر الآن لأن شباب ثورة 25 يناير جاءوا به إلى هذا الموقف المؤقت، العسكريون الذين يحكمون مصر quot;مؤقتاquot; الآن لم يجيئوا على ظهر دبابة، ولكن شباب 25 يناير ركبوا دباباتهم وناموا تحت دباباتهم، جيش مصر يحمى شعب مصر خارجيا وداخليا، لأن شعب مصر هو من يدفع مرتباتهم ويشترى أسلحتهم ويدفع من قوته مميزاتهم المعروفة والتى لا يجرؤ أحد أن يتكلم عنها منذ 1952، وعدم قيام الجيش المصرى بعدم الإعتداء على ثوار 25 يناير لم يكن السبب الرئيسى لنجاح الثورة، ولكنه كان أحد أسباب نجاح الثورة والبديل كان أيضا نجاحا للثورة ولكنه كان سيكون بديلا دمويا، الثورة نجحت لأن المصريين نزلوا الشارع بالملايين، ولا توجد قوة على وجه الأرض كان بإستطاعتها أن تقف أمام تلك الملايين، أقول هذا بمناسبة حملة النفاق المبالغ فيها للمجلس العسكرى المنتشرة الآن فى الإعلام المصرى الرسمى والغير الرسمى، وكأن المجلس العسكرى هم من قام بتلك الثورة.

والإعتذار شئ جميل لم نتعود عليه من أى سلطة منذ 1952، ولكن مقولة :quot;أن رصيدنا لديكم يسمح بهذاquot; هى مقولة يمكن أن تكون محل نقاش، فالجيش المصرى نزل الشارع، ولكنه لم يستطع حماية المصريين بدليل موقعة الجمل نهارا فى ميدان التحرير، والقناصة والكرات الحارقة ليلا فى ميدان عبد المنعم رياض والتى أستشهد وأصيب خلالها المئات تحت سمع وبصر الجيش المصرى فى ميدان التحرير. إن عدم إطلاق الجيش المصرى الرصاص على الثوار لم يكن هذا تفضلا منه أو جميلا يحملنا إياه، والجيش المصرى لم يستطع حماية المصريين فى عديد من المدن بعد الإنسحاب المخزى للشرطة، ولكن أفراد الشعب شكلوا لجانا شعبية قامت بحماية الشعب وممتلكاته من النهب والسرقة.
تخيلوا معى أن لديك منزلا وقمت بتعيين غفير على هذا المنزل ثم إشتريت له سلاحا وأعطيته بيتا أفضل من بيتك! ثم يذكرك دائما بقوله:quot;خللى بالك أنا كان ممكن أضرب عليك النار بس قلت مافيش داعى، وخليها بجميلةquot;!!
الجيش المصرى هو درع الوطن وهو جزء لا يتجزأ من الشعب، هذا لاشك فيه، وقد كان لى شرف خدمة هذا الجيش لفترة تقترب من ست سنوات، ولكنى كنت دائما أعتبر نفسى أننى هذا الغفير والحارس على سلامة هذا الشعب، وأن السلاح فى يدى هو سلاح الشعب، يجب ألا ننسى هذا، إن إنفراد الجيش المصرى بالسلطة لمدة تقرب من ستين عاما قد أنستنا وأنست بعض قادة الجيش الحقيقة المجردة: من يعمل لدى من؟؟
إن مقولة :quot;الشرطة فى خدمة الشعبquot;، تنطبق أيضا على الجيش، وعلى كل من يأخذ راتبه من هذا الشعب إبتداء من رئيس الجمهورية إلى أصغر موظف فى مصلحة الشهر العقارى، الكل فى خدمة هذا الشعب، وإذا قام أى فرد ممن يعملون فى quot;الخدمة المدنيةquot; بأداء واجبه على أكمل وجه سوف نشكره لأنه قام بأداء واجبه، وليس لأنه متفضل علينا ويريد أن يحملنا جمايل!!، يجب أن نعرف هذه الحقيقة تماما.
....
عندما ذهبت إلى ميدان التحرير فى جمعة النصر، شاهدت شابا يحمل لافتة مكتوب عليها quot;شفيق ياراجلquot; !! وكانت هذه أفضل لافتة شاهدتها هذا اليوم، وطبعا الكل يعرف أن أحمد شفيق كان أحد المقربين من الرئيس السابق (كم هى حلوة كلمة الرئيس السابق) حسنى مبارك، وكان طيارا مثله، ولقد سمعت فى مصر (وقبل الثورة بفترة طويلة) منذ عدة شهور أسم أحمد شفيق يتردد كمرشح محتمل خلفا لحسنى مبارك، فالسؤال هنا هل لأن أحمد شفيق كان مقربا من حسنى مبارك يعتبر سبة فى حقه، ألم يكن هناك إلى جانب حسنى مبارك أناس أفاضل؟ أنا لا أعرف أحمد شفيق، ولكنه هو رئيس وزارة إنتقالية، وقد قام بعمل تعديل وزارى بناء على طلب الناس، ولكن الإستمرار فى التظاهر سوف يعيق عودة مصر إلى الحياة الطبيعية وسوف يؤدى إلى إستمرار هروب السياح من مصر، وإحجام أى إستثمارات جديدة وتوقف الإستثمارات الحالية، مما يؤدى إلى مزيد من البطالة وإستمرار تدنى دخل المواطن المصرى، إن التركيز على إقالة وزارة أحمد شفيق هو فى تقديرى مضيعة للوقت، أحمد شفيق لن يبقى فى الوزارة لأكثر من شهرين أو ثلاثة.
وإذا إفترضنا جدلا أن المجلس العسكرى قام بإختيار رئيس وزراء آخر لمصر، فهل تضمنون أن رئيس الوزراء هذا سوف يحوز على رضا كل المصريين وكل الثوار، وهل تضمنون أنه لن تكون هناك مظاهرة مليونية أخرى تطالب بإقالة رئيس الوزراء الجديد، وندخل فى حلقة جهنمية تدمر البلاد وتصبح مصر ساحة مظاهرات بدلا من أن تكون ساحة عمل.
وأنا لايهمنى شخصيا شخص رئيس الوزراء المؤقت سواء أحمد شفيق أم غيره، لأن وزارته ستكون وزارة تسيير أعمال، لأن الأمن يجب أن يعود، والأعمال يجب أن تستمر، والسياحة يجب أن تعود، والإستثمارات يجب أن تعود وبكثافة، والبناء يجب أن يبدأ مرة أخرى، ولنؤجل كل المطالب الفئوية مؤقتا لما بعد إنتخابات الرئاسة والإنتخابات البرلمانية وتشكيل الحكومة الدائمة والتى سيمكن محاسبتها أمام مجلس الشعب.
...
فى أى إنتخابات قادمة فى مصر (إن شاء الله ستكون حرة)، فمن المنتظر أن ينتخب رئيس مصر القادم بأغلبية لن تتجاوز %60، ومعنى هذا أن هناك %40 من الشعب المصرى من المنتظر ألا يكون موافقا على الرئيس، فهل معنى هذا أننا سنرى جزءا من %40 الذين لم ينتخبوا الرئيس ينزلون ميدان التحرير فى مظاهرة مليونية تطالب بإقالة رئيس الجمهورية المنتخب؟ يجب أن نتعلم ثقافة الإختلاف فى الرأى، ويجب أن نتعلم أنه ليس كل من خالفنا فى الرأى هو خائن أو عميل أو له أجندة مختلفة أو عدو الثورة.
...
أما ما يحدث فى شرم الشيخ، فأنا أيضا لا يعنينى فى شئ، ومطالبة بعض الثوار برحيل حسنى مبارك من شرم الشيخ هو مطلب غير مبرر وغير معقول، إذا رغب حسنى مبارك فى الإستمرار فى الحياة فى مصر فهذا حقه، وقد أعلنها الرجل أن مصر بلده وسوف يعيش ويدفن فى أرضها، أما مسألة محاكمته فهذا موضوع آخر، إن ثبت عليه ما يستحق أن يحاكم عليه فأنا أؤيد هذا، وإذا لم يثبت عليه أى شئ فدعوا الرجل يعيش فى هدوء، لقد قدم لمصر الكثير، وكانت أحد منجزاته العديدة هو السماح بحرية الرأى الغير مسبوق قبل ثورة 25 يناير، فلوا أحصيت عدد المقالات والمظاهرات والبرامج الحوارية التى هاجمت نظام حسنى مبارك وعائلته لوجدتها أكثر من أن تحصى، وهذا يجب أن يذكر له بالخير، والذى أدى إلى سقوط حسنى مبارك عوامل كثيرة أولها هو دفعه لإبنه جمال إلى الواجهة تمهيدا لتوريثه حكم مصر، وكأن مصر هى تركة أوعزبة يتوارثونها، ثم كانت الطامة الكبرى فى تزوير الإنتخابات البرلمانية الأخيرة بقيادة إبنه جمال والشلة المحيطة به بشكل مضحك ومخزى.
...
إن شهوة الإنتقام هى شهوة غريزية وخاصة عندما رأينا الشهداء الذين سقطوا أثناء الثورة، ولكن شهوة الإنتقام يجب ألا تلهينا عن مستقبل مصر، نريد أن نبنى مصر للحاق يقطار الحضارة الذى فاتنا، ويجب أن نذكر أن مصر فى الأربعينيات والخمسينيات كانت تسبق بلادا كثيرا مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وأندونيسيا، نهضة مصر التى بدأها محمد على سبقت نهضة اليابان، حيث كان المهندسون اليابانيون يأتون إلى الترسانة البحرية بالإسكنرية ليتعلموا من المهندسين المصريين، كانت لمصر برلمانا قبل إيطاليا فى منتصف القرن التاسع عشر أيام الخديوى إسماعيل.
بإمكاننا إذا إستلهمنا روح شباب ثورة 25 يناير أن تلحق مصر بركب الحضارة فى خلال جيل واحد، ولكن إذا إستمعنا إلى quot;عواجيز الفرحquot; الذين يريدون تصفية حسابات قديمة بشهوة الإنتقام مستغلين جو الإشاعات المجنونة الموجود حاليا، فربما تمضى تلك الثورة مثل حلم جميل كأن لم يكن!!
[email protected]