كان العديد من أعضاء الضباط الأحرار فى عام 1952 أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين وبعضهم أقسم قسم الإخوان على المصحف والمسدس، ولم يكن بين أعضاء الضباط الأحرار مسيحى واحد، وكان من ذكاء عبد الناصر هو أنه بعد أن ساعده الأخوان فى تولى عرش مصر تغدى بالإخوان قبل أن يتعشوا به، وإبان أزمة مارس عام 1954، كان هناك إجتماع بمجلس قيادة الثورة بين الضباط الأحرار وبين الأخوان، وحان موعد صلاة العصر، وكان دائما يقوم الجميع للصلاة، أما فى هذا اليوم فقد قال عبد الناصر للإخوان: quot;إحنا خلينا الصلاة ليكم أنتمquot;، وبعدها عرف الإخوان أن عبد الناصر قد غدر بهم، وبالفعل تم إفتعال حادث الإعتداء على عبد الناصر فى المنشية بالإسكندرية، وبعدها تم التنكيل بالإخوان أعداء اليوم بعد أن كانوا حلفاء الأمس، ثم نكل بهم مرة أخرى فى عام 1964 عندما تم إعدام سيد قطب.
وجاء السادات للحكم بعد وفاة عبد الناصر، ثم قرر الإفراج عن الإخوان وشجع تكوين الجماعات الإسلامية فى الجامعات وذلك حتى يتمكن من مواجهة اليساريين والناصريين، وفى تلك الحالة غدرت الجماعة الإسلامية بالسادات وتغدوا به قبل أن يتعشى بهم، وكان حادث المنصة.
وحاول حزب الشعب وحزب الوفد التحالف مع الإخوان، فإستولى الإخوان على حزب الشعب (برئاسة إبرهيم شكرى) ولم يتفق الإخوان مع الوفد، وإن كانوا قد تركوا بصمتهم عليه ورفض العديد من المصريين (وخاصة المسيحيين) الإنضمام لحزب الوفد بعد تحالفهم مع الإخوان.
أما مبارك فقد لعب على الحبلين، فواجه عنف الجماعات الإسلامية فى التسعينيات بعنف أمنى شديد، وفى نفس الوقت ترك الحبل على الغارب quot;للجماعة المحظورةquot; لكى تمارس السياسة علنا بالرغم من أنها محظورة حتى أصبح %20 من مجلس الشعب من الإخوان فى المجلس السابق، وفى نفس الوقت منعت وحوربت أحزابا ليبرالية ويسارية من ممارسة أى نشاط، لذلك أصبحت الساحة خالية ولا يوجد بها سوى quot;جماعة محظورةquot; والحزب الوطنى والذى تكون فى معظمه من آفاقين ومنتفعين ولم يكن له أى وجود فى الشارع، حتى خلى الشارع تقريبا للتطرف الدينى والإخوان.
...
ثم كان التسونامى المصرى الرهيب والذى فاجأ الجميع فى ثورة 25 يناير، وفى البداية كما يعرف الجميع أعلن الإخوان أنهم لن ينضموا إلى تلك الحركة، لأنهم كانوا يخشون من الصدام المباشر مع نظام مبارك، ولكن لما ثبت لهم أنها ثورة بحق وحقيق قرروا ركوب الموجة، بعد أن ثبت لهم ضعف النظام الذى حدث بينهم كر وفر وهادنهم وهادنوه لأكثر من نصف قرن من الزمان.
وحاول الأخوان فى أكثر من مظاهرة أثناء ثورة 25 يناير رفع شعار الإسلام هو الحل، أو شعار إسلامية...إسلامية، لأنهم أدركوا أن تلك الشعارات لن تجد قبولا أثناء تلك الثورة ولذلك قرروا إستخدام التقية على الطريقة الشيعية، وأعلنوا أنهم: يقبلون بالدولة المدنية، ولن يرشحوا أحدا لرئاسة الجمهورية، ولن يترشحوا فى اكثر من %30 من الدوائر.
وحاولوا التحالف مع الدكتور البرادعى، ولكنه عندما رفض الإجتماع مع عمر سليمان خلوا به كعادتهم وذهبوا للإجتماع مع عمر سليمان بعد أن أعلنوا فى البداية رفضهم للإجتماع، ولما رفض شباب الثوار والبرادعى أى حل وسط قبل تنحى مبارك، وتم لهم ما أرادوا قرر الإخوان مرة أخرى ركوب موجة النصر، حتى أن بعض زعمائهم زعم أن الأخوان وراء نجاح الثورة!!
...
ثم إستولى المجلس العسكرى على السلطة وقاموا بخلع حسنى مبارك، أو quot;نحووهquot; ولم نعرف حقا على وجه اليقين أنه تنحى أو تخلى عن السلطة لأننا حتى اليوم لم نسمعه شخصيا يقول أنه تخلى عن السلطة ولم نقرأ خطاب إستقالته. ولست أدرى ماهى شرعية إستيلاء المجلس العسكرى على الحكم فى مصر؟ فحسب دستور 1971 الحالى هو أنه فى حالة إستقالة رئيس الجمهورية يقوم رئيس مجلس الشعب أو رئيس المحكمة الدستورية العليا بتولى السلطة لحين تولى رئيس آخر، إذا هل هو إنقلاب عسكرى؟ هل قام شباب الثورة بتسليمهم السلطة؟ هل يكفى تعظيم سلام المتحدث العسكرى لشهداء الثورة أثناء إلقائه أحد البيانات بإعطائهم تلك الشرعية؟ هل يكفى أنهم قاموا بحل مجلسى الشعب والشورى؟ وهل يكفى وضع بعض أفراد النظام السابق رهن الإعتقال أو المنع من السفر؟
...
ثم أحسست أن هناك أشياء تجرى فى الخفاء بين المجلس العسكرى والإخوان، وهذه هى الدلائل:
(1)عند تشكيل لجنة تعديل الدستور، كان ثلاثة (من سبعة) من أعضائها بما فيهم رئيس اللجنة إما ذوى ميول إخوانية أو أعضاء فى جماعة الإخوان.
(2)ما معنى أن يتم السماح للشيخ القرضاوى (الذى كان مرشحا لتولى منصب المرشد العام للإخوان)؟ أن يقوم بإلقاء خطبة الجمعة فى جمعة النصر فى ميدان التحرير، هل يمكن أن يتم ذلك بدون موافقة المجلس العسكرى؟؟
(3)تم الإفراج عن خيرت الشاطر أحد زعماء الإخوان وعضو مجلس الإرشاد.
(4)ما معنى توقيت الإفراج عن عبود الزمر (مهندس حادث المنصة)، فى هذ التوقيت بالذات، ليس هذا فقط، ولكن كل هذا الإحتفاء والإحتفال به وكأنه عائد من أحد الغزوات منتصرا؟ ومامعنى أن يتم إستضافته فى التليفزيون المصرى الحكومى فى واحد من أكثر البرامج مشاهدة؟ وقال تصريحا عجيبا بان ثورة 25 يناير هى ما كان يتمنى خالد الإسلامبولى (قاتل السادات)؟؟؟ وهناك إشاعة أنه قام بزيارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لشكرهم، وإشاعة أخرى أنه ربما يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، ويجب ألا ننسى أن عبود الزمر كان ضابط سابق فى المخابرات الحربية، وقد يكون زميل عمر سليمان ضابط المخابرات؟؟؟ أو أحد أعضاء المجلس القدامى.
(عبود الزمر)
(5)ما معنى الإستعجال فى الإنتخابات البرلمانية (شهرين فقط بعد الموافقة على إستفتاء الدستور) إلا إذا كان هذا مخططا لإكتساح الإخوان وبعض فلول الحزب الوطنى (بعد إجراء عمليات تجميل كثيفة) لتلك الإنتخابات.
(6)لأول مرة منذ عام 1954 إتفق الإخوان مع السلطة، فقد دعوا الشعب المصرى لقول نعم فى تعديل الإستفتاء، وقال أحد المشايخ المهمين (الشيخ المحلاوى) بأن الإجابة بنعم فى الإستفتاء هو:quot;واجب شرعىquot;!!
(7)أستمع الآن وأنا أكتب هذا المقال للدكتور عصام العريان (المتحدث بإسم الإخوان) فى حديث للتليفزيون يدافع دفاع المستميت عن التعديل الدستورى؟ وكأن الأخوان هم من وضعوا تلك التعديلات.
(8)إعلان جماعة الإخوان المسلمين عن تشكيل حزب الحرية والعدالة تمهيدا لخوضهم الإنتخابات، وإعلان بعض شبان الإخوان عن ترشيح عبد المنعم أبو الفتوح (نائب المرشد) لرئاسة الجمهورية.
.....
(المجلس الأعلى للقوات المسلحة)
أما كيفية إحتواء ثورة 25 يناير أو كيفية إخمادها، فدعونى أفكر بصوت عال:
(1)أعتقد أن الجيش لن يتخلى عن السلطة التى حصل عليها بالقوة فى عام 1952، وكان المجلس العسكرى من الذكاء أن إبتعد بنفسه عن نظام مبارك، بالرغم من أن نفس المجلس العسكرى إجتمع برئاسة مبارك فى مبنى القيادة العامة يوم 30 يناير فى عز أحداث الثورة فى حملة دعائية لتأييد مبارك
(2)أعلن الجيش أنه لن يعين شخصا من جانبه للترشح لرئاسة الجمهورية فى أعقاب إعلانه تنحى مبارك، وفى هذا أيضا ذكاء شديد، لأن لديه بدائل أخرى.
(3)ولكن من يستطيع أن يملأ الفراغ السياسى الحادث فى مصر الآن، أعتقد أن القوات المسلحة لا تريد البرادعى أو جماعته لأنه رفض لقائهم، ولا يريدون أيضا إعطاء فرصة لشباب الثورة على أساس أنهم صغار السن (ملاحظة: عبد الناصر وزملاؤه كانت تترواح أعمارهم بين 30 ndash; 35 سنة فى عام 1952)!!
(4)القوى المؤهلة لملء الفراغ السياسى فى مصر هى الحزب الوطنى (شئنا أم أبينا) والأخوان المسلمون، وبالطبع الحزب الوطنى أصبح مرفوضا فى الشارع المصرى، لذلك لن يبقى سوى الإخوان.
(5)تحديد مدة الشهرين للإنتخابات البرلمانية كان الهدف منها تحديدا إستبعاد شباب الثورة والذين لن يتمكنوا من إنشاء حزب أو أحزاب تمثلهم فى الفترة البسيطة.
(6)عمل تعديلات محدودة فى الدستور والغرض منها كان تجميلا أكثر منه أى شئ آخر، لأن ثورة بهذا الحجم لا بد أن يكون لها دستور جديد، لقد تم عمل دساتير فى مصر من قبل بدون ثورة بهذا الحجم، لذلك فإن إستعجال الإستفتاء على الدستور هو خطوة الغرض منها سرقة الثورة وإخمادها.
(7)لم يقرر المجلس العسكرى الإقتراب من أى ضابط جيش سابق مثل صفوت الشريف أو عمر سليمان أو أحمد شفيق من أعمدة النظام السابق، بل على العكس أفرج عن قاتل (عبود الزمر ضابط المخابرات السابق).
(8)هناك نوع من الدعاية والتى تصل لحد البروباجاندا وذلك لتصويرالمجلس العسكرى وكأنه منقذ مصر وكأنه هو منقذ ثورة مصر وأنه فوق الخطأ أو فوق النقد.
(9)أعضاء المجلس العسكرى هم من أعمدة نظام حسنى مبارك وهم المستفيدون من هذا النظام ومن فساده، وهم الذين يرفضون منذ عام 1952 فى إعطاء تفاصيل عن ميزانية الجيش وكيفية صرفها، ولن يتخلوا عن كل مميزاتهم بسهولة. فمعظم المحافظون ورؤساء المدن فى مصر هم ضباط سابقون، رؤساء بعض الشركات الحكومية ضباط سابقون، أجهزة الرقابة على الحكومة يتولاها ضباط مخابرات سابقون، والمميزات الممنوحة لضباط الجيش أكثر من أن تحصى سواء أثناء تواجدهم بالخدمة أو بعد خروجهم على المعاش.
(10)أعتقد أن المجلس العسكرى قام بعمل صفقة بينه وبين الأخوان، بأن يترك الأخوان السلطة الحقيقية فى يد الجيش مع الإحتفاظ بكل مميزاتهم السابقة،على أن يترك الجيش السلطة التنفيذية والسياسية فى أيدى الأخوان مع إضافة بعض اللمسات الجمالية، ومحاربة الفساد فى كافة الأجهزة بإستثناء جهاز القوات المسلحة.
(11)سوف يفشل الأخوان فى التصدى لمشاكل مصر الكبيرة، ساعتها سيتدخل الجيش لكى يتغدى بالأخوان قبل أن يتعشوا به!!
التعليقات