شر البلية ما يضحك ، بمناسبة أحداث الإشتباك بين الشرطة المصرية والمتظاهرين المسيحيين فى العمرانية، حدثت أشياء مضحكة وخطيرة فى نفس الوقت وهذه هى قراءتى لتلك الأحداث والتى أعتبرها الأخطر من نوعها حتى الآن:
أولا: رأيت فيديو لأفراد من الشرطة المصرية وهم يرشقون المتظاهرين بالحجارة، وعادة يحدث العكس يستخدم المتظاهرون الحجارة ويحمى أفراد الشرطة أنفسهم بالدروع البلاستيك القوية، ومن الممكن لتفريق المتظاهرين إستخدام وسائل عديدة منها القنابل المسيلة للدموع خراطيم المياه الطلقات المطاطية، ولكن لأول مرة أرى الشرطة ترشق مظاهرة بالحجارة، لذلك يجب أن نطلق عليها شرطة الحجارة (تيمنا بأطفال الحجارة فى الإنتفاضة الفلسطينية الأولى).
ثانيا: هذه أول مرة أرى الشرطة المصرية تعتدى على متظاهرين مسيحيين، فى السابق كانت الشرطة المصرية تعتدى وكان هناك مساواة فى الإعتداء ولم يفرق البوليس بين مسلم ومسيحى وهذا أدى إلى تعزيز الوحدة الوطنية، أما إستهداف المسيحيين فقط فلم يكن ليحدث، وكان من واجب الشرطة دعوة بعض المتظاهرين المسلمين للتظاهر مع إخوانهم المسيحيين حتى لا يتهم البوليس بالطائفية.
ثالثا: عادة ما يتعاطف الشعب المصرى الغير مشارك فى التظاهر مع المتظاهرين وبغض النظر عن سبب التظاهر، وفى معظم الأحيان كانت الأغلبية الصامتة تتعاطف مع أى مظاهرة ضد الحكومة حتى لو لم تعرف سبب التظاهر، فكان التعاطف ضد البوليس يتم لا حبا فى موضوع المظاهرة ولكن نكاية فى البوليس، ولكن هذه أول مرة (كما قيل لى) تتعاطف الأغلبية المسلمة مع البوليس (المسلم)، وهذا بحق يسبب الإستقطاب الحقيقى بين المسلمين والمسيحيين، لقد كان يتوقع المتظاهرون المسيحيون أن تتعاطف معهم الأغلبية المسلمة ضد البوليس كما يحدث دائما وفى هذا أشد علامات الوحدة الوطنية، لهذا فإن من حق المسيحيون أن يقولوا لأشقاء الوطن quot;ما كانش العشمquot;.
رابعا: يبدو أن البابا شنودة قد نفذ صبره فقد صرح تصريحات قوية فى أعقاب الحادث لقت التهليل والترحيب فى الكنيسة، وإنى أحذر المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين من محاولة جعل البابا شنودة زعيما سياسيا للمسحيين، لأن فى هذا تكريسا حقيقيا للدولة الدينية والتى ممكن فى هذه الحالة أن نتقسم لأول مرة منذ عهد مينا موحد مصر، لقد كان على المسيحيين اللجوء إلى وزير الداخلية أو النائب العام أو رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية لأخذ حقوقهم، أما اللجوء إلى البابا شنودة فإن فى هذا إحراجا له هو فى غنى عنه. وإذا كان من حق المسيحيين الشكوى من التفرقة فى المعاملة (على المستوى الشعبى والرسمى أحيانا) والشكوى من زيادة التطرف الدينى لدى المسلمين المصريين فإن عليهم أن يحاسبوا أنفسهم أيضا فإن زيادة التطرف الدينى لدى المسيحيين المصريين أصبحت ظاهرة هامة تقلق العقلاء من المسيحيين قبل عقلاء المسلمين
خامسا: نرى أمامنا أن الدول تنشأ وتنقسم وتتجمع وتتفتت، فالدول التى تستخدم عقولها تتجمع مهما كانت تعدديتها (مثل الإتحاد الأوروبى والولايات المتحدة الأمريكية)، والدول الديكتاتورية أو الدينية تتفتت فنرى تفتت الإتحاد السوفيتى و الهند وباكستان وبنجلاديش ويوغسلافيا وتشيكسلوفاكيا والسودان (عما قريب) وربما العراق والضفة الغربية وغزة، لذلك فإن إستمرار الإستماع إلى نشيد الوحدة الوطنية ووحدة الهلال مع الصليب هو مجرد مخدر يوهمنا أن كل شئ جميل وأن ما حدث حدث من قلة منحرفة، ولكن عندما تأتى (الفاس فى الراس) فلن تغنى وقتها أحضان البابا شنودة لشيخ الأزهر ولا أفطار رمضان فى مقر البابا ، الموضوع أخطر من هذا بكثير. ولدى المصريين قناعة قديمة أن مصر موحدة وقديمة قدم التاريخ ولن يفرقها شئ، وهذا كلام جميل كلام معقول ما أقدرش أقول حاجة عنه، لكن خيال المصريين الطيبين والمحترمين شئ والواقع شئ آخر.
خامسا: لقد إتحد الهلال مع الصليب فقط فى مصر أيام حزب الوفد وذلك ضد الإنجليز الذين لم يفرقوا بين مسلم ومسيحى أيام الإحتلال، وبمجرد أن وقع الإنجليز معاهدة الجلاء عام 1936 فقد الوفد بريقه وبدأت الأحزاب الفاشية فى الظهور فى مصر وتلاها صعود الأخوان المسلمون إلى أن أستولوا على الحكم بقيادة ضباط الجيش عام 1952 والذين تغدوا بهم قبل أن يتعشوا بهم عام 1954 ، وبعد صعود عبد الناصر ومناداته بالقومية العربية وما تلاه من طرد اليهود من مصر وطرد كل الأجانب سواء بإرادتهم أو رغما عنهم لأن الظروف أصبحت لا تسمح بوجود أجانب فى مصر، وفقدت مصر هذا التنوع الجميل الذى كان موجودا حتى خمسينيات القرن العشرين، هل تصدق أن حارس مرمى فريق مصر لكرة القدم فى أوائل الخمسينيات كان أسمه براسكوس (من أصل يونانى)، نجيب الريحانى أعظم من أنجبتهم السينما المصرية كان عراقيا مسيحيا، ليلى مراد من أعظم مطربات مصر كانت يهودية، عمر الشريف الممثل المصرى العالمى كان مسيحيا، آسيا المنتجة المسيحية والتى أنتجت أعظم أفلام السينما المصرية (الناصر صلاح الدين) عن واحد من قادة المسلمين العظام ،يعقوب صنوع الذى أسس المسرح المصرى كان يهوديا يوسف وهبى عملاق المسرح كان مسلما ، داوود حسنى واحد من أعظم ملحنى مصر كان يهوديا، بيرم التونسى كان تونيسيا ، فريد الأطرش كان درزيا، صباح كانت لبنانية، وغيرهم وغيرهم من الأرمن والشركس والأتراك واليهود والإيطاليين واليونانيين وغيرهم، كانت مصر بوتقة التعددية فى الشرق الأوسط مثل لبنان، لذا حملت مصر ولبنان مشعل التقدم والحضارة فى المنطقة. إن غياب التعددية يؤدى حتما إلى الإستقطاب والتطرف والإنقسام الذى قد يكون سرطانيا، هل يعقل أن تنقسم يوغسلافيا إلى أكثر من ست دول مستقلة، وياريت ييجى على الإنقسام ولكن أعقب الإنقسام حربا أهلية طاحنة من أسوأ ما شهدت أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
سادسا: إن السماح بحرية الإعلام شبه المطلقة فى مصر حاليا بدون أن يصاحبها أى أمل فى تغيير السلطة يؤدى إلى الغليان والإحتقان، أن تغيير السلطة يعطى للناس أملا فى المستقبل، وبدون التغيير الدورى فى السلطة من أعلاها إلى أدناها فإن الناس لن تقدر ولا تحترم حرية الكلام التى يتمتعون بها بل على العكس سوف تؤدى إلى مزيد من الإضَطرابات سواء من جانب المسيحيين أو المسلمين. لذلك أقول لزعيمنا الجالس فى شرم الشيخ quot;كفاية بقىquot;!!
التعليقات