فى عام 1933 كتب الشاعر أحمد شوقى وغنى محمد عبد الوهاب الأغنية الجميلة: quot;النيل نجاشىquot; ومعناها أن النيل يجئ من ملك الحبشة إثيوبيا (النجاشى)، وجاء فيها:
النيل نجاشى... حليوة أسمر
عجب للونه دهب ومرمر
أرغوله فى إيده يسبح لسيده
حياة بلدنا
يارب ديمه
....
وكما قال quot;هيرودتquot;: (أن مصرهبة النيل)، وهى كلمة أعترض عليها كثيرا، لأن النيل يمر فى عشر دول ولكنه فى مصر أنتج حضارة غير مسبوقة، ومن الصعب أن تتكرر، فقد استمرت تلك الحضارة لمدة ثلاثة آلاف عام متواصلة بفضل سواعد وعقول وإيمان المصريين وبفضل النيل (حياة بلدنا ... يارب ديمه)، ولكننا فى العصر الحديث لم يعد لدينا سوى النيل، فهل ينهض أبناء مصر لإنقاذه.
وإذا سألتنى ما هى أهم دولة بالنسبة لمصر، فلن أقول لك أنها أمريكا أو إسرائيل أو فلسطين أو كل دول مجلس تعاون الخليج مجتمعة أو ليبيا ولكن أهم دولة بالنسبة لمصر هى إثيوبيا تليها السودان، %80 من مياه النيل تأتى من إثيوبيا، وقد أدرك ذلك محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، لذلك أرسل القوات المصرية لإحتلال منابع النيل فى إثيوبيا، وهناك فى منبع النيل بحيرة تسمى (بحيرة إبراهيم) بإسم إبن محمد على باشا (إبراهيم باشا)، وملك مصر السابق فاروق، كانت آخر ألقابه أنه ملك مصر والسودان، حتى نال السودان إستقلاله عن مصر فى منتصف خمسينيات القرن الماضى، ونحن لا نطالب بضم السودان لمصر أو بإعادة إحتلال منابع النيل لأننا فى عصر إستقلال الشعوب.
وتلك هى خريطة وادى النيل:

وهاهو ملخص عن دول حوض النيل:
إثيوبيا: الدولة التى تقود المطالبة بإعادة بتوزيع مياه النيل، ويبلغ عدد سكانها 79 مليون نسمة ومساحتها أكبر قليلا من مليون كيلو متر مربع (وفى هذا تماثل مصر تقريبا)، ولإثيوبيا تاريخ طويل من المجاعات وعدم المقدرة على التحكم فى كمية الأمطار المهولة التى تهبط على أراضيها وتشكل بعضها النيل الأزرق والذى يشكل الرافد الأعظم من النيل.
الكونغو الديموقراطية : ثانى دولة من دول حوض النيل من حيث عدد السكان 68 مليون نسمة وهى دولة تعانى من الحروب الأهلية والعنف والتمرد ضد السلطة الحاكمة وللصين علاقة قوية فى الكونجو وخاصة فى مجال المناجم (الذهب والماس).
كينيا: سكانها 37 مليون نسمة ومساحتها نصف مساحة إثيوبيا تقريبا وتعتبر كينيا من أكثر دول حوض النيل المطالبين بإعادة النظر فى حصة مصر والسودان من مياه النيل لأن كينيا تعانى من التوزيع غير المتكافئ لمياه النيل بحيث تحصل مصر والسودان على حصة الأسد من المياه، ولإسرائيل تواجد مكثف فى كينيا بالمقارنة للوجود المصرى.
تنزانيا: يبلغ عدد سكانها 37 مليون نسمة وتبلغ مساحتها مساحة مصر تقريبا ويوجد بها عدد هائل من البحيرات والأنهار الصغيرة ويشكل المسلمون حوالى %70 من السكان، وهى من الدول التى وقعت على إتفاقية عنتيبى الأخيرة بدون موافقة مصر والسودان.
أوغندا: عدد السكان حوالى 25 مليون نسمة ومساحتها أقل من ربع مساحة مصر وتعتبر أوغندا من أجمل بقاع إفريقيا والعالم من حيث إنتشار المياه وكثرة الكساء الأخضر،وأكثر من %75 من أراضى أوغندا عبارة عن هضبة ترتفع بين 900 إلى 1500 متر. ومصر لها علاقات إقتصادية قوية نسبيا مع أوغندا.
رواندا: يبلغ عدد السكان حوالى عشرة ملايين نسمة بمساحة صغيرة لاتزيد عن 26 ألف كم مربع، لذلك فتعتبر الكثافة السكانية من أعلى الكثافات فى العالم وعانت رواندا من مذابح رهيبة فى الحرب الأهلية عام 1994 وتم إلقاء عشرات الآلاف من الجثث فى المياه والتى إستقرت فى بحيرة فكتوريا.
بوروندى: يبلغ عدد السكان حوالى ثمانية ملايين نسمة وتعانى أيضا من كثافة سكانية عالية نظرا لصغر مساحة أراضيها (حوالى 28 ألف كم مربع) وتعانى أيضا من الحروب الأهلية مثلها فى ذلك مثل رواندا.
أريتريا: يبلغ عدد سكانها حوالى خمسة ملايين نسمة يعيشون على مساحة حوالى 118 ألف كم مربع، %78 من سكانها يدينون بالإسلام، توجد بينها مشاكل حدودية كبيرة مع إثيوبيا.
وطبعا مصر والسودان تكملان دول حوض النيل العشر.
والذى يجمع دول منابع النيل (بالإضافة طبعا إلى نهر النيل) هو الفقر والتخلف والحروب الأهلية والإنقلابات العسكرية.
والقول الساذج أن إسرائيل تتآمر على مصر فى حوض النيل، هى حجة خائبة لتبرير تقاعس مصر عن حماية النيل (حياة بلدنا)، فإسرئيل لا توجد لها علاقات دبلوماسية سوى بثلاث دول فقط من دول حوض النيل (إثيوبيا ndash; أوغندا ndash; كينيا) بالإضافة إلى مصر، والحقيقة هى أن الصين هى أكبر مستثمر فى إثيوببيا وفى بناء السدود فى الوقت الذى أمتنع فيه الغرب وأمريكا من الدخول فى هذا المجال وترك الباب على مصراعيه للصين والتى تنشر نفوذها بشكل غير مسبوق فى كل أفريقيا ويبدو أنها تحاول ملء الفراغ الذى تركته القوى الإستعمارية السابقة.
ومصر تحصل على نصيب الأسد من مياه النيل بموجب إتفاقيات عديدة أهمها هى إتفاقية عام 1929 والتى وقعتها مصر وبريطانيا (بالنيابة عن كينيا وتنزانيا وأوغندا)، وذلك للإقرار بحصة مصر فى النيل وكذلك إعطاء مصر حق الفيتو فى الموافقة أو عدم الموافقة على أى مشروعات مائية فى تلك الدول من شأنها أن تؤثر على حصة مصر التاريخية، ودول حوض النيل تقول أن تلك الإتفاقيات غير إلزامية لها لأنه تم التوقيع عليها من قبل بريطانيا (دولة الإحتلال فى هذا الوقت)، وأنه من غير المعقول أن تحصل كلا من مصر والسودان على أكثر من %80 من مياه النيل، وفى نفس الوقت تريدان الإحتفاظ بحق الفيتو ضد إنشاء أى مشروعات مائية فى باقى دول حوض النيل، وفى نفس الوقت إرتفعت بعض الأصوات الراديكالية فى كينيا تطالب مصر بشراء مياه النيل من دول المنبع، وهناك إتفاقيات دولية عديدة تنظم العلاقة بين دول المنبع والمصب فى كل أنهار العالم الدولية، والموضوع يحتاج إلى دراسات فنية وقانونية عديدة، لكنى سوف أحاول أن أكون إيجابيا لحل تلك المشكلة والتى لا يمكن تجنبها ولا يمكن لمصر التعامل مع دول حوض النيل بفوقية وكأن مصر هى دولة إستعمارية، كما لا يمكن التهديد بإستخدام القوة المسلحة للتعامل مع الموقف لأن مصر ليس لديها القوة لهذا فضلا عن العالم لن يسمح بمثل هذا العبث، كما أن التلويح بإستخدام القوة إنما التأكيد على أن مصر مازالت تعتبر نفسها صاحبة نهر النيل، إذن ما الذى يجب على الرئيس مبارك عمله فى الشهور المقبلة:
(12)الرئيس مبارك منذ محاولة إغتياله فى أديس أبابا 26 تونيو 1995 لم يقم بزيارة إثيوبيا أو أى من دول حوض نهر النيل، بينما يقوم بزيارة أوروبا أكثر من مرة فى السنة الواحدة وبدون أن نرى أى نتيجة لتلك الزيارات الأوروبية ويهمل فى نفس الوقت زيارة أهم دولة بالنسبة لمصر (إثيوبيا)، فعلي الرئيس مبارك التوجه فورا لإثيوبيا بقلب وصدر منفتح لمساعدة إثيوبيا على مشاكلها المائية.
(12)على الرئيس أن يصحب معه كل خبراء الرى والمياه المصريين لدراسة كل وسائل الحفاظ وتخزين مياه الأمطار فى إثيوبيا، فصدق أو لاتصدق أن إثيوبيا يهبط عليها سنويا من الأمطار حوالى 900 مليار متر مكعب أى حوالى 16 مرة من نصيب مصر من مياه النيل (البالغ 55.5 مليار مكعب). يعنى خير المياه كثير ولكن لا بد من مساعدة إثيوبيا على تنظيم تخزين مياه الأمطار.
(3) على الرئيس أن يصحب معه كل رجال الأعمال الكبار والبدء فورا بعمل مشروعات مياه ومشروعات زراعية ومشروعات مرافق وسدود وآبار ومراعى الماشية، وعلى الرئيس أن يضغط على رجال الأعمال المصريين بعمل تلك المشروعات ولو بسعر التكلفة لأن هذا هو مستقبل مصر.
(4) على الرئيس أن يستغل علاقاته الواسعه مع رجال الأعمال العرب والأجانب على عمل نفس الشئ.
(5) على مصر أن تبدأ فى إستيراد كل إحتاجاتها من اللحوم من إثيوبيا، ومعروف أن بإثيوبيا مراعى كبيرة للماشية.
(6) يجب أن تقفز مصر لتكون الزبون رقم واحد لدى إثيوبيا، يجب أن تشعر إثيوبيا بأهمية مصر بالنسبة لها مثلما تشعر مصر بأهمية إثيوبيا.
(7) على مصر أن تتدخل لحل المشاكل بين إريتريا وبين إثيوبيا، بدون أن تنحاز لصالح إريتريا.
(8) على مصر أن تقود مشاريع المياه فى دول حوض النيل بدون تعالى ولكن من واقع المصلحة.
(9) على مصر أن تقوم ببناء مستشفيات ومعاهد علمية زراعية ومائية فى دول حوض النيل وخاصة إثيوبيا.
(10) على مصر أن تعطى منح دراسية للمتفوقين من طلبة حوض ماء النيل لكى يدخلوا الجامعات الخاصة والحكومية فى مصر.
(11) على مصر أن تلغى تأشيرات الدخول بينها وبين مواطنى حوض النيل.
(12) على مصر إحياء مشروع قناة جونجلى فى السودان وغيرها من المشروعات والتى سوف تزيد حصة مصر والسودان من المياه، كل هذا يجب أن يتم بالتنسيق مع دول حوض النيل، ويكفى أن مصر تجاهلت تلك الدول عندما قامت ببناء السد العالى.
على مصر أن تتجه جنوبا من الآن فصاعدا،يجب أن نحذو حذو محمد على باشا، يجب أن نغزو دول منابع النيل إقتصاديا لا عسكريا لفائدتهم وفائدة مصر.ويجب أن نعامل تلك الدول على قدم المساواة.
وحتى نستطيع أن غنى مرة أخرى :quot;النيل نجاشىquot; بدلا من أن نغنى لا قدر الله :quot;النيل مجاشىquot;!!
[email protected]