بعد العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 خرج عبد الناصر سالما بالرغم من هزيمة الجيش المصرى، وبعد تدخل أمريكا والإتحاد السوفيتى لإنهاء هذا العدوان خرج عبد الناصر بطلا (لسبب لا يعلمه إلا الله) وكنا نحتفل بعيد النصر عام يوم 23 ديسمبر، ويبدو أنه تقليد عربى أصيل بتحويل أى هزيمة إلى نصر بعضها نصر قومى وبطولة شعبية ومؤخرا أصبحت الهزيمة تسمى نصرا إلهيا، حتى الهزيمة الواضحة وضوح الشمس فى رابعة النهار والتى نحتفل بذكراها هذا الإسبوع (5 يونيو) أطلقنا عليها إسم دلع (النكسة)، أما كبرى وأم الهزائم 1948 فأسميناها النكبة والتى إحتفلنا بذكراها الإسبوع الماضى، المهم أنه بعد هزيمة 1956 أصبح عبد الناصر بطلا قوميا ليس على المستوى المصرى فقط ولكن على مستوى العالم العربى وأصبح الفتوة رقم واحد فى المنطقة وأفريقيا وأرسل قوات مصرية إلى سوريا واليمن والكونجو وتصرف وكأنه دولة إقليمية عظمى فى المنطقة، ومن خالفه من الزعماء العرب نعته بأسوأ الألفاظ مثل عملاء الإستعمار والرجعيين واحيانا (طالع لأمه... أو ننتف له دقنه)، ولم يسلم من فتونته أمريكا أو إنجلترا فكانت مقولته الشهيرة قبل هزيمة 1967 بأسبوعين (أنا مش خرع زى إيدن... رئيس وزراء إنجلترا فى حرب السويس) أو (على أمريكا إذا ماكانش عاجبها تشرب من البحر الأبيض ولو مش كفاية تشرب من البحر الأحمر)، كل هذا وسط هتاف وغوغائية الجماهير التى تتعطش للكراهية والشتيمة، ورغم هذا فبعد الهزيمة الساحقة فى 1967 قامت نفس تلك الجماهير بالرقص داخل مجلس الشعب المصرى فرحا بعودة الزعيم المهزوم بعد تمثيلية الإستقالة، والتى لم يطلق عليها إستقالة ولكنه أطلق عليها إسم دلع آخر هو (التنحى)، وبعد تلك الهزيمة لم يستطع عبد الناصر أن يقوم بدور فتوة المنطقة، وظهر عدة فتوات فى المنطقة حاولوا أن يقوموا بدور عبد الناصر، وكان أبرزهم صدام حسين وكان أعظم إنجازاته هو حرب إيران الفاشله (قادسية صدام وحامى حمى البوابة الشرقية) ثم غزو الكويت الفاشل، وإنتهى به الحال نهاية مشينة فى جحر الفأر وتم شنقه بطريقة أكثر إهانة فى عيد الأضحى، وكان من تأثير هذا أن فتوة آخر فى ليبيا آثر السلامة وسلم إلى (ماما أمريكا) كل وثائقه الخاصة بأسلحته الكيميائية كما أعطى تعويضات مجزية لضحايا العدوان الإرهابى على طائرة بان أمريكان (لوكيربى)، وأصبح يمشى على العجين ما يلخبطوش، وكان هذا آخر عهدنا بالفتوات العرب، بإستثناء quot;السيدquot; حسن نصر الله الذى أراد أن يلعب دور الفتوة ولكننا إكتشفنا أنه يلعب دور الفتوة بالإصالة عن نفسه وبالنيابة عن quot;السادةquot; الحقيقيين فى طهران، فوجدناه يغزو بيروت ويرسل مقاتليه إلى مصر لتحرير فلسطين مرورا بالقاهرة (على طريقة ودنك منين ياجحا)، وظهر فتوات على مقاس أصغر فى غزة وبدأوا عصر الفتونة بالإنقلاب على زملاء الكفاح فى فتح وبلغ الأمر إلى رمى جثة أحد رجال فتح من الدور الثالث عشر، ومؤخرا قامت حماس بهدم عدد من المنازل فى غزة (مثل إسرائيل ومافيش حد أحسن من حد) والتى تم بناءها بدون ترخيص حيث أن اصحابها كانوا ضحايا عدوان فتوة آخر هو إسرائيل، ومن الفتوات الذين تم تقليم أظفارهم فى أعقاب هزيمة صدام هو فتوة دمشق والذى أجبر على الإنسحاب من لبنان وغض الطرف عن قصف إسرائيل لما قيل أنه مفاعل ذرى سورى، ثم إكتشفنا فيما بعد أن أسد سوريا قم تم إستئناسه، وأصبح يعمل أسدا فى حديقة حيوان طهران، وأحيانا فى حديقة حيوان إسطنبول!!
أما الفتونة العربية الحقيقية فكان تنظيم القاعدة والذى دخل عالم العولمة من أوسع أبوابه فى نيويورك وواشنطن ومدريد ولندن وبالى وبغداد وكابول وقندهار وكراتشى والجزيرة العربية، والسر فى نجاح هذا التنظيم فى القتل والتدمير بشكل لم يستطع أى فتوة عربى آخر القيام به هو أنه تنظيم شعبى!! من بقايا تنظيم الجهاد المصرى والتنظيمات الوهابية المتطرفة فى الجزيرة العربية، والحق يقال أن هذا التنظيم لم يخضع لأى حكومة لأنه ضد كل الحكومات العربية والإسلامية والدولية، ولا يعترف إلا بحكومة واحدة هى حكومة طالبان.
hellip;..
يعنى إيه مافيش فتوات فى المنطقة العربية ولا إيه؟!! للأسف ترك العرب منطقة الشرق الأوسط للفتوة الأكبر إسرائيل ويساندها فتوة العولمة (أمريكا)، وفى السياسة هناك قاعدة فيزيائية هو أنه إذا ظهر فراغ ما فى منطقة ما فإنه لا بد أن يتم هذا الفراغ، لذلك تقدم فتوة فارسى من الشرق وإستخدم رؤوس حربة (لتسجيل الأهداف)، ففى الشرق هناك تنظيم مقتدى الصدر كرأس حربة فى العراق، وأحيانا يصطدم مع فتوة آخر هو تنظيم القاعدة، وفى الشمال له فتوة آخر يتمثل فى حزب الله، أما فى الجنوب وعلى حدود فتوة سابق (مصر) يوجد تنظيم حماس كرأس حربة يسجل أهداف تحت الأرض عن طريق الأنفاق، وفى جنوب الجزيرة إكتشفنا فجأة أن هناك شيعة فى اليمن!! وقام فتوة إيران بتأييدهم. أما أحدث فتوة يدخل المنطقة هو تركيا ويطمع الفتوة الجديد بإستعادة أمجاد الفتونة العثمانية، وهل هناك قضية أروع من القضية الفلسطينية للدخول إلى قلوب العرب والمسلمين تلك القضية التى إعتبرها السيد أردوكان بمثابة حصان طروادة للدخول والتربع فى قلب العالم العربى، ومافيش مانع إن السيد أردوكان يزعل من شيمون بيريز ويترك جلسة العمل على الهواء، والسفير التركى فى إسرائيل هو كمان يزعل والعرب يصقفوا بشدة وحرارة على أمل أن مثل تلك quot;الحركاتquot; سوف تحرر فلسطين، ومن جانب آخر فلا مانع أيضا من أن تقوم تركيا بإجراء بمناورات عسكرية مشتركة (بشكل دورى) مع إسرائيل والتى إضطرت إلى إلغائها مؤخرا بعد إصطدامها بالفتوة الأكبر فى المنطقة، وما فعلته إسرائيل مؤخرا هو عدوان وقرصنة دولية بكل معنى الكلمة راح ضحيتها ناس مسالمين وقفوا بالعصى وسكاكين المطبخ أمام الكوماندوز الإسرائيلى الهابطين عليهم من السماء (زى القضاء المستعجل)، فكان الرد الإسرائيلى العادى هو الرد بالذخيرة الحية وراح ضحايا كان معظمهم من الأتراك، وهنا قامت الدنيا ولم تقعد، وإجتمع مجلس الأمن بعد 36 ساعة من الحادث وإتخذ قرارا حتى لو لم يكن ما يتمناه العرب والأتراك ولكنه فيه إدانة ضمنية لإسرائيل ولأول مرة صوتت أمريكا مع القرار ولم تستخدم حق الفيتو والذى تستخدمه دائما (عمال على بطال)، وإجتمع حزب الناتو إجتماعا طارئا بعد الحادث ب 72 ساعة، طيب بالله عليكم لوكان الضحايا من الفلسطينيين، هل كان من الممكن أن نرى كل تلك ردود الأفعال القوية، نحن نرى الضحايا بالعشرات والمئات فى العراق وأفغانستان وباكستان والصومال ودارفور، ولا يتحرك العالم وكأن القتلى والضحايا يتساقطون فى كوكب آخر، ولكن بما أن الضحايا ينتسبون إلى دولة من حلف الناتو فنجد تحرك العالم كله بسرعة وبقوة، لذلك أقترح على الجامعة العربية أن تغلق أبوابها وننضم جميعا إلى حزب الناتو، أو نعود جميعا إلى عصر الفتونة!
[email protected]