quot;الشعب يريد تغيير النظامquot; كان هو شعار كل الثورات العربية، وكلما إستجاب quot;النظامquot; لأى مطلب كان الشعب يرفع من سقف مطالبه، وحتى بعد أن سقط النظام فى مصر ودخل حسنى مبارك وأولاده ومعظم وزرائه وأركان النظام السجون وقفص الإتهام كان quot;الشعبquot; لا يكتفى بهذا ولكن يريد المزيد، وأعتقد أن الآن quot;الشعب يريد الإعدامquot;، وأى حكم غير الإعدام يكون هناك تواطؤ، فإذا شهد شاهد لصالح متهم فهو مرتشى وشاهد زور، وأما أذا شهد الشاهد ضد المتهم فهو بطل ويرفع فوق الأعناق، والشعب يريد الحرية والعدالة بالفعل كما نادى بها الثوار من أول يوم، ولكن أية حرية وأية عدالة؟
الشعب يريد حرية قطع الطريق إذا تم تركيب برج تليفون موبايل فى أرضه، وفى نفس الوقت يريد إستخدام أجهزة الموبايل بإستمرار، والشعب يريد حرية إحتجاز سياح فى الصعيد إذا لم تستجب مطالبه، وفى نفس الوقت الشعب يريد عودة السياح إلى مصر!! والشعب يريد حرية إضراب المدرسين وفى نفس الوقت يريد تحسين التعليم، والشعب يريد حرية التظاهر فى الشارع وحرية المليونيات، وفى نفس الوقت يشتكى من إنتشار الفوضى، والشعب يريد حرية شتيمة الشرطة وفى نفس الوقت يشتكى من إنعدام الأمن، والشعب يريد حرية مهاجمة المجلس العسكرى وفى نفس الوقت الشعب يريد أن يكون الجيش والشعب quot;إيد واحدةquot;، والشعب يريد الدولة المدنية وفى نفس الوقت فإن تصرفات الشعب لا تنم عن أى مدنية، والشعب يريد الحفاظ على المادة الثانية فى الدستور والتى تنص على أن :quot;الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريعquot;، وفى نفس الوقت الشعب يخشى من الدولة الدينية، وبعض أفراد الشعب يريد الدولة الدينية ولكن تصرفات الشعب اليومية لا علاقة لها ب quot;مكارم أخلاقquot; الدين، والشعب يريد حرية تكوين الأحزاب وفى نفس الوقت يشتكى من تشكيل أكثر من خمسين حزب، والشعب يريد حرية الإسراع فى إنتقال السلطة من العسكريين إلى المدنيين، وفى نفس الوقت الشعب يخشى من إنتقال السلطة إلى الإسلام السياسي، والشعب يريد حرية تدمير سفارة إسرائيل وإلغاء معاهدة السلام معها، ولكن الشعب لا يريد الحرب، الشعب يريد حرية المرأة ولكن فى نفس الوقت يريد حرية التحرش بالمرأة، والشعب يريد حرية التناسل ولكن الشعب يشكو من الزحام والإنفجار السكانى، والشعب يريد حرية رمى القاذورات والمخلفات فى الشارع، ولكنه يعلن آناء الليل وأطراف النهار بأن النظافة من الإيمان، الشعب يريد حرية البناء على الأراضى الزراعية ولكنه يشتكى فى نفس الوقت من تقلص الرقعة الزراعية، والشعب يريد حرية البناء بدون تراخيص بناء (كما يحدث الآن بعد الثورة) ولكنه يشتكى ويلوم الحكومة لإنهيار العمارات لأنها لا تراقب أعمال البناء، والشعب يريد حرية الإضراب عن العمل ولكنه فى نفس الوقت ينادى بضرورة مضاعفة الإنتاج لتعويض ما خسرناه أثناء الثورة، الشعب يريد حرية الأديان ولكنه لا يريد أن يرى أن كنائس تبنى بل والبعض يريد إحراق الكنائس الموجودة.
أما عن العدالة:
الشعب يريد العدالة، ولكن لا يريد تنفيذ أحكام القضاء إن لم تكن على مزاجه، الشعب يهتف للعدالة ولكن لا مانع أن يقابلك شخص على باب محكمة مصرية يقول لك: quot;مش عاوز شاهد يابيهquot;؟؟، الشعب يريد العدالة ولكن يريد عدالة تفصيل على مقاسه وإلا سيطلب تغيير القاضى، الشعب يريد عدالة سيدنا محمد وسيدنا عمر، ولكن لا مانع من إستثناء أولاده وعائلته، والشعب يريد العدالة ولكن لإن لم يكن الحكم على مزاجه، فسيقوم بالإعتداء على القاضى داخل المحكمة، الشعب يريد مشاهدة محاكمة القرن، ولكن تحولت المحكمة إلى سيرك قومى!!
وكثير من القراء المستنيرين والمثقفين يهاجموننا بدعوى أننا نقوم ب quot;جلد الذاتquot; ، وإذا كان جلد الذات تهمة؟ فياحضرات المستشارين أنا مذنب حتى النخاع، جلد الذات هو الوسيلة الوحيدة للنهوض بنا من قاع التخلف حتى quot;نقبquot; على وش الدنيا، وإذا كنتم تريدون حقا مشاهدة quot;جلد الذاتquot; ونشر الغسيل الوسخ على أصوله فعليكم بمشاهدة أى من برامج التوك شو فى أمريكا أو بريطانيا
وجلد الذات أو نقد الذات ما هو إلا دليل على الثقة بالنفس والرغبة فى الإصلاح والترقي.
أذكر نكتة قاسية عند إفتتاح أول خط لمترو الإنفاق فى مصر، فقد كتب أحمد رجب فى باب نصف كلمة: quot;نشكر الشركة الفرنسية التى قامت ببناء مترو الأنفاق على هذا الإنجاز الرائع، وياريت كانوا كملوا جميلهم وجابوا لنا ركاب من فرنساquot;!!
...
أثبت المصريون أنهم تفوقوا على أنفسهم خلال 18 يوم عندما قاموا بتغيير نظام الحكم وكانوا فى منتهى التحضر أثناء تلك الفترة، ولكن يبدو أنهم لم يتحملوا التحضر أكثر من 18 يوم!!
وكما يقول الإسلام فإن الجهاد الأكبر هو جهاد النفس ،( وإن كان معظم المجاهدين قد فهموا الإسلام على أنه قتل الآخر)، فإن الثورة الكبرى هي الثورة على النفس:
تحدث الثورة عندما نستطيع أن نقف فى طابور العيش بإنتظام
تحدث الثورة عندما نحافظ على نظافة شوارعنا
تحدث الثورة عندما نحترم المرأة داخل وخارج المنزل
تحدث الثورة عندما نعمل 8 ساعات فى اليوم
تحدث الثورة عندما نعمل بروح الفريق
تحدث الثورة عندما نحترم الأقليات
تحدث الثورة عندما نبتسم فى الصباح فى وجه من يقابلنا
تحدث الثورة عندما نحترم القانون حتى لو كان ضد رغبتنا
تحدث الثورة عندما نحترم قوانين المرور
والقائمة كبيرة وتبدو أمور بسيطة ولكنها الفرق بين التقدم والتخلف.
...
إستغرق تغيير النظام فى مصر 18 يوما فقط، فكم عاما (ولا أقول قرنا) يستغرق تغيير الشعب؟؟؟
[email protected]