فى الشهر الماضى إستمتعت بلقاء تليفزيونى بين يسرى فودة (مذيع الجزيرة السابق) وكان يستضيف عضوين من المجلس العسكرى المصرى: اللواء محمد العصار (نائب وزير الدفاع)، واللواء إسماعيل عتمان (مدير إدارة التوجيه المعنوى بالقوات المسلحة)، وعلى مدى ثلاث ساعات ونصف كان يسرى فودة بإعتباره محاور متميز يحاول إقناع عضوى المجلس العسكرى المصرى بإستخدام محاكم ثورية وأساليب إستثنائية لمحاكمة مبارك وأولاده وأعمدة حكمه، وحاول عضوى المجلس العسكرى إقناع يسرى فودة بأهمية ترك الأمور بيد النيابة والقضاء وأن إجراءات القضاء قد تكون بطيئة ولكنها أفضل من ظلم برئ على إستعجال، ولم ييأس يسرى فودة فى محاولته إقناع المجلس العسكرى بضرورة إستخدام أساليب quot;ثوريةquot; وليس اساليب quot;مدنيةquot;، وقد إحترمت مداخلة السيد سليم العوا والذى إتصل به يسرى فودة محاولا إيجاد مخرج شرعى دينى لمحاكم الثورة التى دعا إليها والتى واجهت مقاومة شديدة من المجلس العسكرى، ولكن سليم العواء قال بما لا يدع مجالا للشك :quot;من الإفضل لمصر أن تبرأ متهما على أن تظلم بريئا ، وأن القانون لا بد أن يأخذ مجراه، وأن الدستور ينص على أن من حق المواطن المصرى أن يحاكم أمام قاضيه quot;الطبيعىquot;، ولم يستطع السيد يسرى فودة أن يخفى إمتطعاضه من رأى سليم العوا الذى لم يكن على هواه، وأعجبنى هدوء وحجة المنطق لدى كلا من اللوائين العصار وعتمان، وقلت ياسبحان الله، العسكريون أكثر حرصا على مدنية الدولة من المدنيين، ويسرى فودة يعتبر نجما إعلاميا كبيرا رغم أننى لم أره من قبل (لأننى لم أكن ومازلت لا أحبذ مشاهدة قناة الجزيرة لتعصبها وعصبيتها)، ولكنه يتكلم وكأنه الإعلامى الأوحد متمثلا بإستاذه هيكل (الصحفى الأوحد)، ولكن بالرغم من نجوميته، إلا أن العسكريين بهدوئهم (وعدم نجوميتهم) تفوقوا عليه بالمنطق لأنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح.
والحقيقة أننى بعد ذلك اللقاء التليفزيونى قلت لنفسى أن مصر بخير فى وجود القوات المسلحة المصرية المعروفة بإلتزامها وإنضابطها من أيام مؤسسها محمد على باشا، وأيضا فى وجود القضاء المصرى النزيه، وعلى ذكر القضاء المصرى، شاهدت أيضا برنامجا يقدمه مذيع أراه لأول مرة يحاور قاضيا مصريا، وجاء الحديث على ضرورة محاكمة جمال مبارك، وكان من رأى القاضى أن يحاكم جمال مبارك فى وجود الأدلة، وإذا بالمذيع المحترم يقول بالحرف الواحد:quot;الموضوع فى حالة جمال مبارك لا يحتاج إلى أدلة!!quot;
وإذا قرأت وطالعت الصحف المصرية هذه الأيام وشاهدت قنوات التليفزيون الخاصة والحكومية لذعرت من كمية الحقد والتشفى والغل ورغبة الإنتقام المنتشرة بين رجال الإعلام والتى عن طريقها يحاولون دفع الغوغاء لنصب المشانق فى كل أنحاء مصر، وبالطبع ناهيك عن الإشاعات المنتشرة بقصد أو بدون قصد وبشكل يومى مقزز، ولم يسلم من هذا جرائد عريقة محترمة مثل الأهرام والتى أصبحت مثل الصحافة الصفراء وصحافة الفضائح والتى كل همها هو زيادة التوزيع أما الحقيقة وصدق الخبر فإلى صفيحة القمامة، وأما عن الخلط بين الخبر والرأى فحدث ولا حرج، فكثير من الآراء توضع وكأنها أخبار ويلتبس الناس البسطاء ويتخيلون أن رأى الصحفى أو المذيع هو حقيقة مصدقة، ويقول لك : (يأخى ده أنا شايفها بنفسى فى التليفزيون أو ده أنا لسه قارئها فى الأهرام!!)
وشباب الثورة وأدعياء الثورة وراكبى موجة الثورة والمتحولون من تأييد لنظام حسنى مبارك مائة بالمائة إلى معارضته مائة بالمائة ولعن سنسفيل جدوده، كل هؤلاء اليوم يقفون مطالبون بالثأر بحق أو بدون وكأننا أمام قبائل من أعماق الصعيد، أما االعدالة التى طالبت بها الثورة فى البداية مع الحرية، فأصبحت فى خبر كان، وكلما إرتفع صوت خافت مطالبا بعدالة القضاء إرتفعت الأصوات تهاجمه أنه من الثورة المضادة وأننا فى ثورة، والثورة لا تنطبق عليها القوانين السابقة، واذكر أن السيد يسرى فودة أثناء اللقاء الهام مع اللوائين من المجلس العسكرى، فوجئ عندما طالب محاكمة مبارك بتهمة الإفساد السياسى فقال له اللواء محمد العصار أنه لا يوجد قانون يحاكم على الإفساد السياسى فى مصر، وتألم يسرى فودة جدا، وزاد من تألمه اللواء العصار عندما قال له:طمن الممكن فى المستقبل أن تكون هناك قوانين تعاقب على الإفساد السياسى، ولكننا لا يمكن أن نحاكم أى شخص حاليا بقانون لم يصدر بعد، أو بأثر رجعىquot;.
وأقول فى النهاية،: quot;اللهم إحفظ لمصر العسكريين فى مواجهة الإعلاميين، وإحفظ لمصر قضاتها فى مواجهة إللى لا بسين ثورةquot;
[email protected]