لى تجربة شخصية سيئة عن الإستثمار فى مصر، فقد رغبت منذ عدة سنوات بالإشتراك مع بعض المصريين العاملين بالخارج فى بناء فندق ثلاث نجوم مثل الفنادق التى تنتشر فى أمريكا وأوروبا، وهى فنادق تتميز بالنظافة والخدمة المميزة وإقتصادية لا فخامة فيها وهى مناسبة جدا لسياح الطبقة المتوسطة وكذلك لرجال الأعمال الذين لا يريدون إنفاق مبالغ باهظة على فنادق الخمس نجوم، لأن أحد مشاكل مصر الفندقية أنه لا توجد حلول وسط كثيرة فإما تجد لوكاندة quot;الكلوب الزينيبىquot; بالسيدة زينب وهو فندق يوجد به بطانية واحدة لكى يستخدمها كل الزبائن !! أو فندق الفور سيزونز حيث من الممكن أن تكون هناك خدمة طرقعة أصابع رجليك (إذا رغبت فى هذا) أو رغبت فى شرب لبن العصفور فسيأتون به إليك وكله بحسابه طبعا. أما فنادق الطبقة الوسطى فغير موجودة.
وذهبت منذ خمس سنوات إلى محافظة الجيزة حيث موقع الفندق ووجدت ترحيبا غير عاديا من المسئولين وقلت والله يبدو أن مصر تتغير للأفضل، ولكن بعد الترحيب الشفهى وجدت تعقيدات ووضع مصاريف غير منطقية على المشروع تبلغ ملايين الجنيهات الأمر الذى أدى إلى هدم المشروع من أساسه، بينما بعض المستثمرين الآخرين quot;الواصلينquot; كانت تعطى لهم الإعفاءات بالملايين ذات اليمين وذات الشمال وتفتح لهم الأبواب على مصراعيها، وسألنى سائل :quot;هل أنت من الواصلينquot;، فعندما أجبت بالنفى قال لى:quot;إنسىquot; وهى كلمة رائعة ومن أكثر ما حبى به الله من الخصال هى خصلة النسيان، لذلك قررنا quot;النسيانquot; وصرف النظر عن المشروع، وإحتفظنا بأموالنا التى إكتسبناها من سنين الغربة والهجرة فى بلاد لايوجد فيها quot;واصلونquot; إلا من أتى الله بعمل جاد.
وأنا من أشد المؤمنين على ضرورة تنقية الماضى لكى نبدأ كما يقولون فى مصر على :quot;مية بيضةquot;، وأنا كذلك من المؤمنين بأن معظم المستثمرين فى العالم هم من الشرفاء وأن القلة المنحرفة هى التى تشوه صورة المستثمر، ولكن مع إنتشار أجواء الفساد يصبح الإنحراف مرضا معديا ينال المنحرف والشريف على حد سواء وتجد أن الرشوة تنتشر كإنتشار النار فى الهشيم، وتبدأ من الفراش الذى يمد يده لتناول جنية بقشيش وحتى الوزير الذى يمد يده لتناول مليون جنيه بقشيش، ويصبح للفساد مؤسسة كبرى تجد من يحميها ويدافع عنها بل ويبرر وجودها على اساس أنها جزء من الحياة، والفساد بالفعل هو جزء من الحياة ولكن لا يعقل أن يكون كل الحياة.
...
وقد تعجبت عندما قرأت أنه قد تم تخصيص 100 ألف فدان لأحد المستثمرين العرب فى مشروع توشكى بسعر الفدان 50 جنيها مصريا فقط لاغير (يعنى أخذ الفدان بأقل من سعر كيلو لحمة) ولم يستصلح من تلك الأرض سوى %10 منها ولم يزرع على حد قول الجرائد سوى %1 (رغم أن الأرض قد تم تخصيصها له منذ 13 سنة)، وقد عرض المستثمر العربى عدة تسويات للموضوع منها أنه عرض إعادة 50 ألف فدان للحكومة المصرية بنفس السعر، أو أن يعيد كامل الأرض للحكومة بشرط أن يحصل على ما تم صرفه خلال الفترة الماضية، وغيرها من الحلول والتى تثبت أنه وغيره من رجال الأعمال العرب المتعاملين مع مصر قبل ثورة 25 يناير لم يشعروا بأن هناك تغييرا جذريا حصل فى مصر وإقتصادها بعد ثورة 25 يناير وأن عليهم أن يتغيروا أو على الأقل أن يشعروا ويقروا بالتغيير وأن الثورة فى مصر لا تقبل من يملى عليها الحلول لأنه ليس وحده المعنى بعملية إستعادة المال العام المنهوب فهناك من هو مطلوب للتحقيق ومن عرض مليار جنيه لإبقاء أرضه التى أخذها منذ 15 سنة بهدف إقامة مدينة ترفيهية تجارية ولكنه يتباطأ وعليه الآن دفع الثمن وهذا ما لاتطبقه حكومة الثورة على رجال الإعمال العرب فقط بل على رجال الأعمال المصريين الذين بعضهم فى السجون إنتظارا للمحاكمة وبعضهم امام التحقيق وبعضهم هارب.
والله أعلم ماذا تم وراء الكواليس لإنهاءصفقة توشكى تلك من قبل حكومة مصر قبل ثورة 25 يناير، (وأثناء كتابة مقالى هذا عرفت عن طريق تليفزيون quot;العربيةquot; أنه هناك تسوية تجرى بحيث يحصل المستثمر على ال 10 آلاف فدان التى بدأ فى إستصلاحها بالفعل ويحصل على 15 ألف فدان كحق إنتفاع (إيجار لمدة محددة)، وتسترجع مصر 75 ألف فدان).
http://www.alarabiya.net/articles/2011/04/20/146111.html
...
وهناك قصص لمستثمرين عرب آخرين حصلوا على حقوق إستثمار ومميزات ولم يقوموا بما إلتزموا به أثناء تعاقدهم، مثل المستثمر العربى الملياردير التى حصل على أجمل بقعة فى مصر ويمكن فى الشرق الأوسط وهو فندق الميرديان سابقا فى نهاية جزيرة الروضة، وحتى الآن لم يقم بالتزاماته، وخاصة بالنسبة لأرض رائعة على البحر فى الغردقة حصل عليها لإقامة فندق منذ 15 سنة ولكنه لا يزال يحتفظ بالأرض لتسقيعها ويعيد بيعها من جديد.
ولا ننسى هنا أن نذكر ونشيد بالمستثمرين الجادين مثل المرحوم ناصر الخرافى (الكويتى) والذى إستثمر فى المجالات الصناعية والغذائية والسياحية ومشاريع البنية التحتية لإنشاء مطار رأس علم ومحطات الكهرباء بإستثمارات بلغت سبعة مليارات دولار.وأيضا مثل الشيخ سليمان الراجحى (السعودى) والذى إستثمر فى صمت بلايين فى مشروعات زراعية وغذائية، والغريب أن الذين يعملون فى صمت وينتجون لايوجد لهم نصيب من الهالة الإعلامية والدعاية الفضائية.
وهناك على الجانب الآخر مستثمرين مصريين وعرب وأجانب لم يستطيعوا تحمل أجواء الفساد فى مصر وهربوا وبعضهم خسر بضعة ملايين قبل أن يهرب بجلده وببقية نقوده إلى بلاد اخرى.
...
يوجد فوائض مالية من عوائد البترول فى العالم العربى تزيد عن ثلاثة تريليون دولار (والتريليون لمن لا يعلم هو مليون مليون أو ألف مليار)، وكثير من تلك الفوائض تسثمر فى أمريكا لشراء سندات الحكومة الأمريكية أى بمعنى آخر يقوم العرب بتسليف أمريكا المال لكى تشترى به بترول وإحتياجاتها الأخرى، أليس من الأفضل أن تستثمر تلك الأموال الضخمة (والمنتظر زياداتها بشكل تراكمى فى السنوات القادمة) فى العالم العربى وبخاصة فى بلد مثل مصر (أكبر سوق فى لاشرق الأوسط)، وذلك إستعدادا لفترة ما بعد البترول.
وكلمة أود أن أوجهها للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب، أعتقد أن مصر بعد 25 يناير لن تكون مثل مصر قبل 25 يناير، وأن زمن الحصول على الإمتيازات والإعفاءات بغير وجه حق قد ولى بغير رجعة (آمل هذا)، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت لكى تبدأ الثقة فى الإقتصاد المصرى فى العودة لإجتذاب المسثمرين مرة أخرى، وأرجو أن تكون هذه المرة على أسس حضارية تنافسية شفافة، لأن فى هذا فيه مصلحة للمستثمرين قبل مصلحة مصر.
دعونا نرى كل الزهور تتفتح فى أجواء مشمسة وفى النور وبعيدا عن كواليس الفساد والأبواب المغلقة، ومين عارف يمكن أقدر أقنع أصدقائى المصرين المغتربين مرة أخرى ببناء فندق الثلاث نجوم لكى يحل محل لوكاندة quot;الكلوب الزينبىquot;!!
[email protected]
التعليقات