يتبارى معظم حكام العالم العربي، ممن سقطوا، وممن ينتظر السقوط، في ذِكر حسناتهم على وطنهم، وعلى مواطنيهم. ويؤكدون من طرف خفي، بأنه لولاهم، ولولا حكمهم، لما تحقق للوطن وللمواطنين شيء، مما حصل. ويتبجحون بين وقت وآخر، وفي كل مناسبة دينية أو وطنية بالمنجزات، التي تمّت. وهي في كافة الموازين، أقل ما يجب أن يتم، ويتحقق. وقد سمعنا من زين العابدين قبل سقوطه، ومن حسني مبارك قبل تنحية، ومن القذافي قبل مقتله، ومن عبد الله علي صالح قبل تخلّيه عن السلطة، قائمة طويلة من المنجزات الوطنية، كثير منها كذب وتضليل. ولكن هؤلاء الحكام الدكتاتوريين القروسطيين، ذكروها باعتبارها مكرُمات، وصدقات، وعطايا من الأب للأبناء، ومن كبير (العيلة) إلى الأولاد، ومن الراعي إلى الرعية.

الإكبار والتعظيم للسعيد
أكبرتُ مؤخراً موقف الإخوان المسلمين في الأردن، لعدم المشاركة في المهزلة السياسية الجارية الآن.
واحترمتُ موقف همّام سعيد أحد زعماء الإخوان المسلمين في الأردن، حين أكد في مهرجان خطابي أقامته quot;الجماعةquot; في مسجد الجامعة الأردنية، عقب صلاة الجمعة الماضية، أن لا مشاركة في أية عملية سياسية، ما لم يتحقق الإصلاح المطلوب.
وقوله بكل شجاعة وفروسية، لم يسبق أن سمعناها في الأردن الجديد: quot;أن الشعب الأردني، سيبقى يدير الظهر لكل عملية سياسية [كاذبة] حتى يتحقق الإصلاح المنشود.quot;

العمليات السياسية الكاذبة
فما أكثر العمليات السياسية الكاذبة في الأردن، منذ أكثر من تسعين عاماً (1921-2012). وكل من يعرف (فك الخط)، ويقرأ ببصيرته، وليس ببصره فقط، التاريخ الأردني الحديث، سوف يعلم ويتألم، وربما يطلق النار على نفسه - كما فعل الأردنيان المنتحران حرقاً (أحمد المطارنة، وياسين الزعبي) أسوةً بما فعل محمد بوعزيزي التونسي احتجاجاً على صعوبة العيش في الأردن. ويقول أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية الدكتور حسين الخزاعي للبي بي سي :quot;إن الفساد، والمحسوبية، وغلاء المعيشة، والفقر، والبطالة، وسياسية التمييز، بين أفراد الشعب، أهم أسباب الإقدام على الانتحار في الأردن.quot; - من هول ما سيقرأ، ويعلم، من كثرة العمليات السياسية الكاذبة في الأردن. ورغم هذا ما زال بعض المنتفعين والمرتزقة في الأردن، يدافعون عن عرش أسيادهم!

quot;فزّاعاتquot; الوطن البديل
السياسي العريق همّام سعيد أحد زعماء جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين الذي سبق أن انتقدت بعض مواقفهم السياسية من القصر الملكي لاعتبار أنفسهم في الماضي من عظام رقبة النظام الهاشمي. وأنا كمثقف ليبرالي بسيط، من المفروض - كما يفهم سواد العامة - أن لا أُعجب، وأن لا أُكبِر، وأن لا أُثمِّن موقف زعيم من زعماء الإخوان، باعتبار ما كان بين الليبراليين وبين الإخوان، الذين فهموا ليبراليتنا خطأً، وفهمنا إسلامهم خطأً كذلك.
فالحمد لله، على أنني لست عضواً في حزب لكي أُفصل على هذا الموقف!
والحمد لله، على أنني لست موظفاً في حكومة لكي أُطرد على هذا الرأي!
والحمد لله، على أنني لست عضواً في منظمة لكي أُستَبْعد نتيجة لهذا الفكر!
ولكن الحق يُقال، وتلك كلمة للتاريخ والحقيقة، وهي أن من يقف في (زور) النظام الأردني الآن، هم الإخوان المسلمون الأردنيون. وأن النظام يحاول شراءهم، واستمالتهم، ونيل بركتهم، و(تطرية) جانبهم، واستيعاب احتجاجهم، بكافة الطرق، منذ أن أحسَّ، وأيقن أن عصاهم أصبحت غليظة، وأن (قنوتهم) أضحت باطشة. فجاء لهم بعون الخصاونة (القانوني الدولي) لكي يلعب معهم (الاستغماية) السياسية. والخصاونة هذا، يحاول تارة تسميمهم عن طريق تقديم طبق quot;حماسquot; الشهي، والمسموم لهم. وتارة عن طريق استضافة المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية التي كانت نكتة الموسم بفشلها منذ اللحظة الأولى. وتارة عن طريق الارتماء بأحضان الخليجيين. وتارة باستقبال بعض اللاجئين السوريين، وإيوائهم. واليوم بفرش السجادة الحمراء من جديد لخالد مشعل، علّها تطوي السجادة السوداء، التي فردها الإخوان المسلمون للنظام. ولكن كل هذه الأكاذيب السياسية، لتمييع الحراك الشعبي، وجعل الشارع الأردني ينسى قضايا الفساد والإصلاح المطلوب، لم تعُد تنطوي على أحد. فحذَّر همّام سعيد من التلاعب، ما وصفه بـquot;فزّاعاتquot; الوطن البديل، من أجل أن يخفت صوت الإصلاح.

لا رجعة عن الإصلاح
إنني انحني - أنا الليبرالي - احتراماً وتعظيماً لهمّام سعيد، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين الأردنيين لقوله: quot;إن الحركة مصرّة على شعار الإصلاح، الذي رفعته، ولا يجوز أن يتأخر. فالمرجع هو الشعب الأردني، الذي يطالب بأن يكون سيد قراره، وصاحب سلطته وquot;أن لا يتحكَّم فيه فرد مهما كان هذا الفرد.quot;

مسيرة quot;حقوق لا مكارمquot;
كما أنني انحني له تبجيلاً وتعظيماً لمطالبته الصادقة، بحكومات أردنية برلمانية، وإنهاء الهيمنة الأمنية على قرار الحكومات العاجزة أمام سلطة المخابرات، والكشف عن الفساد الحقيقي، في جميع ما أصاب البلاد من خسائر فادحة. وقيادته لمسيرة quot;حقوق لا مكارمquot; التي نظمها الائتلاف الشبابي والشعبي للتغيير، لمكافحة الفساد.
ونأمل أن لا يخيب أملنا في هؤلاء جميعاً.
السلام عليكم.