-1-
قبل أن تكون بلاد الشام وحدة جغرافية وتاريخية، كانت وحدة سياسية. ومعنى هذا، أن الفساد والمحسوبية والطغيان والحكم الفردي الدكتاتوري القروسطي كان سائداً في سوريا وشرق الأردن وفلسطين، وبعض الشيء في لبنان، وهي البلدان التي كان يطلق عليها تاريخياً quot;بلاد الشامquot; التي خضعت للحكم التركي العثماني طيلة أربعة قرون (1517-1918).
فالحال إذن واحد في هذه البلدان الأربعة، التي تكون بمجموعها quot;بلاد الشامquot;، والتي من المفروض أن تتحقق وحدتها السياسية، وتُلغى الحدود والقيود التي فرضها الاستعماران البريطاني (الأردن وفلسطين) والفرنسي (سوريا ولبنان).

-2-
لم يكتفِ الاستعماران البريطاني والفرنسي بتقسيم quot;بلاد الشامquot; إلى أربعة أقسام هزيلة، بعد أن كانت وحدة سياسية واحدة في العهد العثماني، وإنما سمحا لأكثر النخب السياسية فساداً، وجهلاً، وتخلفاً، بحكم quot;بلاد الشامquot; المُقسّمة، كما هي الآن.
ففي سوريا، ما أن انسحبت فرنسا منها، ونالت استقلالها عام 1946 ،حتى تجشمتها طُغمٌ فاسدة من العسكريين الفاسدين الطغاة، فقام حسني الزعيم (كان مدمناً للخمر، ولعب القمار، وحب الظهور والمغارة بصورة مسرحية. وكان عصبي المزاج ومتهوراً لأصابته بمرض السكر. وكان يُعلِّق في مكتبة صور نابليون وهتلر. ) بأول انقلاب عسكري في سوريا عام 1949 تبعه عدة انقلابات مماثلة قام بها قام بها ضباط مغامرون وقراصنة حتى عام 1970 ، فقام حافظ الأسد بانقلابه الشهير وحكم سوريا بعد ذلك بالحديد والنار. وما شراسة بشّار الحالية في مقاومة الثورة الشعبية السورية إلا جزءاً من شراسة أبيه وقسوته، التي كانت واضحة ومفضوحة في حماة 1982، التي قتل فيها أكثر من عشرين ألف مواطن ومواطنة.

-3-
أما في الأردن الذي بدأ تكوينه السياسي عام 1921 بقيادة الأمير عبد الله بن الحسين، الذي جاء من الحجاز مهزوماً في معركته (معركة تربة) مع السعوديين في الطائف عام 1919. فعطفت بريطانيا على الهاشميين وأرادت أن سترضيهم بعدما وعدتهم بمملكة العرب كلهم بعد الحرب العالمية الأولى ولكنها لم تفِ بالوعد لاعتقادها أن الهاشميين لا يستحقون مملكة على كل العرب. فهم ضعفاء، ولا يملكوا القوة، والحنكة، والمقدرة السياسية اللازمة، لحكم العالم العربي كله. والدليل أنهم فشلوا في حكم الحجاز، وطُردوا منه نهائياً شر طردة عام 1924/1925، وجاءوا هاربين مهرولين إلى quot;بلاد الشامquot; (فيصل الأول في دمشق وعبد الله الأول في عمّان) .

-4-

وقام الكيان الأردني بالترقيع من سياسيين سوريين ولبنانيين وعراقيين. فكان أول رئيس وزراء في الأردن عام 1921 رشيد طليع (لبناني درزي) ثم مظهر أرسلان (لبناني درزي) ثم علي الرضا الركابي (سوري) ثم حسن خالد أبو الهدى ( فلسطيني) وعبد الله السرّاج (سوري) توفيق أبو الهدى (فلسطيني) ثم سمير الرفاعي (لبناني).. الخ. وهو ما يعني عدم وجود شخصية أردنية تصلح لرئاسة الوزراء في ذلك الوقت، إلى أن هاجر الفلسطينيون إلى الأردن 1948 ، وبدأوا بتكوين الشخصيات والنُخب السياسية والحزبية، وتعمَّق هذا الأمر واتسع، بعد ضم الضفة الغربية إلى الأردن عام 1950. وهو ما يعني أن الأردن السياسي كان quot;شامياًquot; برؤساء وزرائه. والملوك الهاشميون وحدهم هم الحجازيون الذين جاءوا من جزيرة العرب. أما الأردنيون فقد كانوا في المعارضة فقط، بزعامة الشاعر مصطفى وهبي التل (عرار) وصبحي أبو غنيمة. وكان quot;عرارquot; من خلال ديوانه quot;عشيات وادي اليابسquot;، شاعر المعارضة الأردنية الأشهر، كما يقول أحمد أبو مطر في كتابه (عرار: الشاعر اللامنتمي، 1977)

-5-
إذن، مظاهر الوحدة الجغرافية والتاريخية والسياسية بين بلدان الشام الأربعة (سوريا ولبنان والأردن وفلسطين) ظاهرة وواضحة خاصة فيما يتعلق بسوريا مع لبنان، والأردن مع فلسطين.
كما أن مظاهر الفساد والدكتاتورية القروسطية، كانت واضحة من خلال حكم العسكر وحزب البعث وملوك الطوائف في سوريا ولبنان، ومن خلال حكم الهاشميين في الأردن، الذي قال عنه الشاعر quot;عرارquot;، الذي سجن ونفي إلى بيروت ثم إلى جدة عام 1927 لمعارضته للحكم، وفضحه للفساد والنهب المال العام، في قصيدة قال فيها:
فالعزل والنفيّ ، حبا بالقيام به أسمى بعينيّ من نصبي وتعييني
يا شرّ من منيت هذي البلاد بهم ايذاؤكم فقــراء الناس يؤذيني

-6-
المصائب والكوارث التي مُنيت بها سوريا منذ الاستقلال إلى اليوم، والتي يثور من أجلها الشعب السوري الآن، هي نفسها المصائب والكوارث التي مُني بها الأردن منذ عام 1921 إلى الآن.
فالفساد واحد
والظلم واحد
والدكتاتورية القروسطية واحدة، سواء كانت جمهورية، أم ملكية.
ومطالب المعارضة هنا وهناك واحدة.
ولكن جواب السؤال الذي يقول:
لماذا انتفض وثار الشعب السوري كالطوفان الكاسح على هذا النحو، ولم يثر الشعب الأردني مثله؟
ولماذا الملايين الثائرة في شوارع سوريا الآن، والآلاف بل المئات فقط، في شوارع الأردن؟
لنعلم، أن سوريا منذ الاستقلال حتى الآن كانت quot;بيضة قبّانquot; السياسة في quot;بلاد الشامquot;، ثم في العالم العربي، في فترات مختلفة.
ولنعلم، أن quot;حزب البعثquot; تأسس وقام في سوريا عام 1947، وحكم عام 1963 ثم 1970 وإلى الآن. وهو أقوى حزب سياسي قومي عَلْماني في العالم العربي، وفي quot;بلاد الشامquot; خاصة. كما كان الحزب الشيوعي السوري من أقدم الأحزاب الشيوعية العربية. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي أسس الطلبة في سوريا quot;جماعة الإخوان المسلمينquot;. وكانت جماعة ناشطة سياسياً بشكل ملفت. وتم ذبحها في مذبحة حماة 1982.
والخلاصة، أن سوريا كانت حاضنة معظم الأحزاب العربية المؤثرة والفاعلة في العالم العربي، ما عدا quot;جماعة الإخوان المسلمينquot;، التي تأسست في مصر 1928.
وهذا جعل سوريا في مقدمة الحراك السياسي في quot;بلاد الشامquot;، وتقود هذا الحراك في الماضي والحاضر.

-7-
لتكن الثورة في بلاد الشام واحدة وعامة.
ففساد الأنظمة سواء الجمهورية أو الملكية واحد.
ولا شرعية لهذه الأنظمة رغم ارتدائها quot;طاقية إخفاءquot; الممانعة والمقاومة (سوريا)، والنسب لآل البيت (الأردن) وإقامة الدولة الفلسطينية (فتح وحماس)، وحماية الطائفية الدينية (لبنان).
فهذه الأنظمة صنعها الاستعمار البريطاني (الأردن وفلسطين ) والاستعمار الفرنسي (سوريا ولبنان).
وزوالها يعني زوال الكثير من الكوارث ودرءاً لمزيد من النازلات الماحقات.
السلام عليكم.