-1-

كانت نيتي أن أكتب لكم اليوم عن قرار الإخوان المسلمين بإنشاء حزب سياسي باسم quot;الحرية والعدالةquot;، وكيف أن quot;الإخوانquot; كعادتهم على استعداد لخيانة العقيدة من أجل السلطة، وكيف أننا ننصح quot;الإخوانquot; بالابتعاد عن السلطة، والبقاء في المعارضة، فذلك أنفع لهم، وأعز مقاماً.

لكن جاء قرار مجلس الأمن رقم 1970 في الأمس، جامعاً مانعاً بإدانة النظام الدكتاتوري الليبي، إدانة حاسمة، وإحالة القذافي وعصابته على محكمة الجنايات الدولية، وإنزال أقسى العقوبات في هذا النظام، تحت طائلة الفصل السابع، الذي يتيح مستقبلاً التدخل العسكري الدولي، فيما إذا ساءت الأمور جداً. وهذا القرار نُصرة، ونصر كبير للشعب الليبي العظيم. ولو أنه جاء متأخراً عدة سنوات. ولكن أن يأتي متأخراً خيرٌ من أن لا يأتي أبداً. وبذا أصبح الشعب الأعزل من السلاح، يملك سلاحاً عالمياً وأممياً فعَّالاً، هو سلاح quot;مجلس الأمنquot;، وكافة المنظمات الإنسانية من ورائه، المدافعة عن حقوق الشعوب في الحرية، والديمقراطية، ومحاربة الفساد.

-2-

وكانت نيتي كذلك، أن أثير إصرار quot;المعارضةquot; المصرية، على إقالة حكومة أحمد شفيق باعتبارها من quot;مخلفات الماضيquot;.

وأسأل quot;المعارضةquot;:

هل أحمد شفيق وبعض أعضاء حكومته فقط، من مخلفات الماضي؟!

ماذا عن المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع في حكومة شفيق، ورئيس الأركان، الذي عيَّنه مبارك في هذا المنصب؟

لماذا لا فوهاً من أفواه المعارضة المصرية، يجرؤ على التصريح بضرورة عزل طنطاوي، كما يفعلون الآن مع شفيق، ويرابطون في ميدان التحرير أياماً وليال مطالبين بعزله؟

هل لأن طنطاوي هو المشير، وشفيق هو الفريق؟!

ولكن كليهما نصبهما مبارك المتنحي.

وهل لأن زعماء quot;الجماعةquot; لهم ثأر شخصي عند شفيق، فأصبحت ثورة 25 يناير ثورة الثأرات، والانتقام، وتصفية الحسابات من شخصيات معينة؟

وللعلم، فشفيق ليس بأبي، وطنطاوي ليس بابن عمي!

-3-

سبق وكتبنا في 16/11/2006 مقالاً تحت عنوان (ليبيا من تحت الدلف إلى تحت المزراب) قلنا فيه، أن ليبيا قد ابتليت بحكم ديكتاتوري طاغٍ ومجنون. وهي الوطن الذي أنجب عمر المختار. وهي وطن الاستقلال الذي حققه محمد إدريس السنوسي عام 1951. وليبيا هي بشير السعداوي زعيم المؤتمر الوطني 1922، والمناضل أحمد زارم، والمناضل مصطفى المصراتي. وليبيا هي إبراهيم الكوني الروائي الليبي العظيم، الذي كتب رواية الانثروبولوجيا التاريخية لليبيا، والمرشح لجائزة نوبل، والتي ترجمت رواياته لأربعين لغة. وليبيا هي الشاعر الليبي المجيد خالد المطاوع، وغيرهم من أعلام ليبيا المعاصرة في السياسة والتاريخ والأدب.

وليبيا ليست معمر القذافي.

القذافي كان قاطع طريق، أختطف ليبيا بقوة السلاح ودعم عبد الناصر.

ومنذ عام 1969، وليبيا مبتلية بالملازم معمّر أبا منيار القذّافي، الذي نسخ الثورة المصرية 1952، وجاء بمثلها ممسوخة في ليبيا. وفعل بالعقيد الركن الليبي سعد الدين بوشويرب، ما فعله عبد الناصر بمحمد نجيب. وهو الذي قام في 1969 بترقية نفسه من رتبة ملازم إلى رتبة عقيد، ثمّ عينه رفاقه ـ وفي اليوم نفسه ـ رئيساً لأركان الجيش الليبي. فقفز بالرتبة الجديدة أربع رتب في الجيش دفعة واحدة. وهو ما فعله عبد الناصر بعبد الحكيم عامر. ثم شيئاً فشيئاً صفّى quot;ضباط الثورةquot;، وأصبح هو مالك المزرعة الوحيد، التي أُطلق عليها quot;الجماهيريّة العربيّة الليبيّة الشعبيّة الاشتراكيّة العظمىquot;!!

-4-

في العهد الملكي الليبي، كان الفساد ضارباً أطنابه. واعترف الملك إدريس السنوسي بالفساد في ذلك الوقت، كما اعترف به ابن القذافي (سيف الإسلام) اليوم. ففي عهد حكومة عبد المجيد كعبار، تم اكتشاف النفط بكميات تجارية عام 1959، وأدى ذلك إلى ازدياد الفساد المالي واستشرائه، لدرجة أن الملك السنوسي أصدر بيانه الشهير quot;بلغ السيل الزُبىquot;، موجهاً خطابه لرئيس الحكومة والوزراء وولاة الأقاليم, مندداً بقبول المسئولين للرشاوى، واستغلالهم لسلطاتهم ونفوذهم. وكانت ليبيا في العهد الملكي تعيش تحت دلف الفساد الملكي، متمثلاً برؤساء الحكومات الفاسدين السارقين من أمثال عبد المجيد كعبار، ومحمد بن عثمان الصيد، ومصطفى بن حليم وغيرهم. وكان الفساد في العهد الملكي دلفاً؛ أي نقطة نقطة. ليس لأن هؤلاء المسئولين كانوا شرفاء قليلاً، ولكن لأن المال المُتاح للسرقة كان قليلاً في ذلك الوقت. فقد سرق هؤلاء في ذلك الزمان جَمَلاً. أما اليوم فقد سرق القذافي وطناً بأكمله. فأموال ليبيا وذهبها الأسود والأصفر، لا يُعدُّ، ولا يُحصى. وهي تدفع مليارات الدولارات مرغمةً، تكفيراً عن ذنوبها السابقة في الإرهاب الدولي، ولا يهتز لها طرف عين. وتدع الناهبين والسارقين يمرحون ويسرحون، دون حساب أو عقاب، والشعب الليبي يموت جوعاً موت الكلاب، كما يصفه القذافي بنفسه بكل وقاحة وحماقة، وهو يبتسم، إما غباءً، وإما مكراً، وإما جنوناً.

-5-

قصص المجنون معمر القدافي لا تنتهي. فله في كل يوم قصة. وكان من قصصه المضحكة المبكية، والتي كانت من ضمن القصص التي زادت في غليان البركان الذي وجد يوم 17/2/2011 القشرة الرقيقة التي انطلق منها، وشق الأرض، وانفجر منها، أنه في عام 2007 أعلن أن أسرته ndash; كما كتبت في 26/2/2007 تحت عنوان (محرومون يستحقون الصدقة)- من ضمن 400 أسرة ليبية محرومة، قد تسلّمت حصتها لهذه السنة من ثروة ليبيا، وهي مائة ألف دولار فقط. وقال القذافي للشعب الليبي، كيف سيتصرف بهذه الثروة المتواضعة، التي لا تكفي لشراء أحذية ايطالية له، ولعائلته.
وقال حينها، بأنه سيشترى بجزء من هذا المبلغ مائة سهم هنا، ومائة سهم هناك، مثله مثل أي مواطن ليبي محروم. وأدار للشعب الليبي بعد ذلك، الاسطوانة الثورية، التحررية، الاشتراكية، الديمقراطية، الشعبية المشروخة، قائلاً، إن الثورة مكَّنت الليبيين من السيطرة على مقدراتهم وثرواتهم، مشيراً إلى أن جهوداً لتحقيق العدالة الاجتماعية في البلاد، تُوّجت بتوزيع الثروة على الذين كانوا محرومين منها، والذين أصبحوا بموجب هذا الإجراء مساهمين وشركاء في مؤسسات مالية ومصرفية وشركات خدمية وإنتاجية ، وبات لديهم رأسمال ثابت في كل النشاطات الاقتصادية في البلاد.

قصص لا يصدقها حتى الأطفال.

ولكن القذافي كان هو الطفل الغر، الذي لا يجيد الكلام مع الشعوب.

-6-
ورغم بهلوانية القذافي وشعوذته المعروفة والمعتادة وسذاجته، إلا أنه لم يذكر لنا وللشعب الليبي، مقدار الأموال الطائلة التي نهبها هو وعائلته وزمرته، طيلة 42 سنة من حكمه الدكتاتوري الكاريكاتوري.
ماذا فعل بمئات الملايين التي نهبها من ثروة ليبيا، ومن جيب الشعب الليبي، طيلة السنوات الماضية ؟
ويلاه.. !

ولكن هذا ما سنعلمه وما ستكشفه الأيام القليلة القادمة.
فلم يُنكب شعبٌ في التاريخ بسلطته الطاغية المشعوذة والبهلوانية، كما نُُكب الشعب الليبي من أحفاد عمر المختار.
وكيف له ذلك، وليبيا أصبحت سجناً كبيراً بلا قضبان.

ولهذا ثار الشعب الليبي ثورته الكبرى. وسيدفع ثمن ثورته غالياً، لأن نيرون ليبيا، تمكن خلال 41 عاماً من أن يُحكم قبضته تماماً على من حسبهم قطعاناً من الأغنام، فإذا هم اليوم أسوداً ضارية بأنياب حادة.

أما الذين يتساءلون أسئلة ساذجة كأسئلة:

كيف صبر التونسيون على حكم زين العابدين مدة 23 سنة؟

وكيف صبر المصريون على حكم مبارك مدة 30 سنة؟

وكيف صبر الليبيون على حكم القذافي مدة 41 سنة؟

فعليهم أن يقرءوا التاريخ جيداً، ويتساءلون:

كيف صبر الفرنسيون على حكم لويس الخامس عشر (1715-1772) مدة 59 سنة من الظلم والطغيان؟

فالثورات كالبراكين، كما قال عنها نهرو في رسائله لابنته انديرا غاندي عام 1933، يحتاج غليانها إلى زمن طويل، لكي يجد قشرة الأرض الرقيقة، لينفذ منه ويرسل حممه، التي شاهدناها في تونس، ومصر، وليبيا، واليمن، وغداً في العراق، وبلاد عربية أخرى تنتظر.

السلام عليكم.