-1-
لنعترف ndash; بالقلم العريض ndash; أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر، أصبحت واقعاً سياسياً في الشارع المصري، وفي الحياة السياسية المصرية الجديدة بعد مشاركتها الفاعلة والرئيسية في ثورة 25 يناير، رغم أنهم يتواضعون، وينفون ذلك. فهم (يتمسكنون) حتى يتمكنوا، ويتواضعون حتى يرقوا، وينفون حتى يَثبُتوا، وينزلون حتى يصعدوا.
وذلك هو التكنيك الذكي الجديد (التخفي والتقيّة)، الذي يتبعونه الآن للوصول إلى السلطة، بعد أن فشلت خططهم المعلنة على مدار ثمانين عاماً للوصول إليها. وفي ظني أنهم سينجحوا هذه المرة في الوصول إلى السلطة بعد أن قاموا اللعب بمهارة. غير أن المبصرين من ذوي البصر والبصيرة، فقد رأوا quot;الإخوانquot; وهم يشرفون إشرافاً كاملاً على تنظيم صفوف ميدان التحرير، وجلب المشاركين في المظاهرات من الأحياء الفقيرة والعشوائيات المحيطة بالقاهرة، لخبرتهم الطويلة على مدار ثمانين عاماً في التنظيم الحزبي بقيادة قياديين منهم كمحمد البلتاجي، وسعد الكتاتني، ومحمد مرسي، وعصام العريان، وغيرهم.
إضافة لذلك، فهم:
أصحاب quot;حملة قرع الأبوابquot;، وحملة quot;دعم البرادعيquot;، وهما الحملتان اللتان سبقتا ثورة 25 يناير، التي أرادوا بها محو آثار ثورة 23 يوليو 1952، التي سحقت الإخوان، وسجنتهم، وطاردتهم، وشنقت زعماءهم (عبد القادر عودة، وسيد قطب).
وهم من عدَّل مواد الدستور (المادة 76، 77، 88، 93، و189) ومحاولة إلغاء المادة 179 الخاصة بقانون الطوارئ، بمشاركة اثنين من تنظيمهم (عاطف البنا وصبحي صالح) إضافة إلى المتعاطف جداً معهم، ورئيس لجنة تعديل الدستور(طارق البشري)، وكاتب مقدمة كتاب أحد قادتهم (عبد المنعم أبو الفتوح).
وهم مخترقو الجيش المصري. ففي تقرير نشرته quot;الفيجاروquot; مؤخراً، أن عدداً كبيراً من ضباط الجيش (دون رتبة لواء) ينتسبون للإخوان المسلمين. وهؤلاء يضغطون على المجلس الأعلى للقوات المسلحة باستمرار لتلبية طلبات quot;الإخوانquot;، التي تُسند عادة لـ quot;الإرادة الشعبيةquot; ، وتغليفها بطبقة السُكَّر (الإرادة الشعبية)، لكي تتم تلبيتها.
وهم من دعوا يوسف القرضاوي إلى ميدان التحرير، ونظموا خطبته في صلاة الجمعة في هذا الميدان، وبمباركة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.
وهم من حرموا وائل غنيم أحد زعماء الشباب من إلقاء كلمته.
وهم من ضغطوا على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لإطلاق سجنائهم من القياديين( خيرت الشاطر نائب المرشد العام وحسن مالك المحكوم بالسجن لمدة سبع سنوات عام 2008).
وهم من هاجموا مكاتب مباحث أمن الدولة واستولوا على ملفاته ووثائقه، وأحرقوا، واتلفوا جزءاً كبيراً منها، يتعلق بالنشطاء من الإخوان المسلمين. فهم أكثر حزب سياسي له نشطاء في المعتقلات.
وهم منظمو quot;جمعة الغضبquot;، وquot;جمعة التوبةquot;، و quot;جمعة الشكرquot;، وأخيراً quot;جمعة الخلاصquot;.
-2-
إن قلة الخبرة أو انعدامها عند الشباب الغر، الذين اشتركوا في ثورة 25 يناير، أتاح للإخوان فرصة ذهبية للنفاذ إلى طريق السلطة. بل تكاد quot;ثورة 25 ينايرquot; أن تكون ثورة الإخوان المسلمين، رغم أنهم قد تعلموا من دروس ثمانين سنة مضت عدم الإعلان عن أنفسهم، وعن جهودهم، والتخفّي، والتقيّة، وعدم رفع شعاراتهم الدينية المعروفة (الإسلام هو الحل)، و (خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود) وغيرهما، حتى لا يثيروا عليهم بقية قطاعات المجتمع، والمجتمع الدولي المتخوف من سطوتهم، وخططهم لتطبيق الشريعة الدينية التي يمكن أن تضر بالمواطنين الآخرين في مصر وغير مصر.
-3-
نقدنا الدائم لفكر وشعارات وقيم quot;الإخوانquot;، لا يعني أننا ndash; كليبراليين ndash; نطالب بعزلهم كما تمَّ عزلهم، وعزل غيرهم، في عهد عبد الناصر. وكان الشيخ خالد محمد خالد المصلح السياسي والاجتماعي والديني أول المعترضين والمعارضين لهذا العزل في اللجنة التحضيرية عام 1962 ، ونقاشه الشهير مع عبد الناصر، الذي أبرزناه بشكل واضح في كتابنا (ثورة التراث: دراسة في فكر خالد محمد خالد، 1991).
نقدنا المستمر لـ quot;الإخوانquot;، ينبثق من أهمية هذا التنظيم الحزبي السياسي/الديني، محاولين أن يهتدي quot;الإخوانquot; بهدي العصر الذي نعيشه، مع الحفاظ على الثوابت في العقيدة الدينية، بحيث لا ضرر ولا ضرار، لا سيما وأن هذا التنظيم، أصبح أقوى قوة سياسية في مصر من حيث أنه ndash; كما قال المفكر الفرنسي آلان تورين في مقاله (المثقفون الفرنسيون في مواجهة الثورات العربية) ndash; quot;يسيطر على النقابات المهنية (المحامين، والأطباء) كما يسيطر على المؤسسات الخيرية، ناهيك عن هيمنة القطاع العام في بلد يتكوّن فيه الناتج الوطني من موارد خارجية (عائدات قناة السويس، الهبات الأميركية، التحويلات المالية من المصريين في الخليج، والسياحة) أكثر منه من إنتاج داخلي، سواء كان زراعياً، أو صناعياً.quot;
ونقدنا المستمر لـ quot;الإخوانquot;، لا يعني أننا ننادي بعزلهم سياسياً، بقدر ما نحرص على أن يشاركوا في السلطة، أو حتى يتولوا السلطة الكاملة، لكي نفتح هذا الدمل الديني/السياسي المتقيِّح منذ سنوات طويلة، والذي تحوَّل الى ورم سياسي يتضخم كل فترة، وإلى بعبع، أو إلى quot;خيال المآتةquot; لترويع الشارع العربي، وعدم المساس بالدكتاتوريات العربية الجمهورية، والملكية، والأميرية.
نقدنا المستمر لـ quot;الإخوانquot;، لا يعني أن ليس من حقهم المشاركة في الحياة السياسية. فنحن كليبراليين علمانيين حداثيين نؤمن إيماناً راسخاً بأن الديمقراطية هي حق الجميع ndash; دون استثناء ndash; ضماناً للاستقرار والسلم الاجتماعي المدني، والقبول بمبدأ النسبية. فالديمقراطية ndash; كما يقول المفكر التونسي محمد الحداد في كتابه quot;مواقف من أجل التنويرquot; ndash; هي quot;الغاية وهي الفضيلة في حد ذاتها، ليس لأنها الأمثل، ولكن لأنها الأقل سوءاً.quot;
كما أننا نؤمن بأن دولة العَلْمانية والليبرالية والحداثة في أي مكان من العالم العربي، لن تتحقق إلا بعد حكم الدولة الدينية بقيادة الإخوان، أو من خرج من عباءتهم من التنظيمات الإسلاموية الأخرى. وبدون حكم الدولة الدينية، وبيان نواقصها، وعجزها عن مسايرة العصر وتحدياته، لن تستطيع الدولة العَلْمانية الليبرالية الحداثية إقناع الشارع العربي بجدواها، وفعاليتها، وتطبيقها للعدالة والمساواة والديمقراطية، وإتاحة الحرية للجميع. ولعل عدم تحقيق كل ذلك إلى الآن، نابع من أن الدولة الدينية في العصر الحديث بقيادة الإخوان، أو أي فصيل ديني/سياسي، لم تحكم العرب بعد، منذ مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، ونيل معظم الدول العربية استقلالها.
فربيع هذه الأمة، لن يحلَّ إلا بعد شتاء قاسٍ.
ولن تشرق شمس النهار، إلا بعد أن ينجلي الليل الطويل بصبح.
وهذا سوف يتطلب وقتاً ليس بالقصير لتحقيقه. ولكن كلما أسرعنا في تمكين الإخوان المسلمين من الحكم والسلطة، أصبحنا على مقربة أقصر من الدولة العَلْمانية الليبرالية الحداثية القادمة.
-4-
نريد من الإخوان المسلمين في السنوات القليلة القادمة، أن يتمكنوا من الحكم، حتى نستطيع بالحكمة، والعقل، والممارسة، والبرهان القاطع، أن نعرف ما أطلق عليه المفكر العراقي النبيه عزيز الحاج quot;ديمقراطية الأقنعةquot;. وحينها إما أن ينزع الشارع العربي هذا القناع عن quot;الإخوانquot;، ونرى وجههم الحقيقي فنفزع، وإما يكون هذا القناع هو وجههم الحقيقي فنندهش، وفي ذلك الانقلاب والزلزال العظيم.
فيا ليت quot;الإخوانquot; بتاريخهم الطويل الممتد إلى أكثر من ثمانين عاماً، وبتنظيمهم الدقيق، وبإمكاناتهم المالية والدينية والسياسية، وبسجلات بطولاتهم في وجه الدكتاتوريات (عبد الناصر، والسادات، ومبارك)، وبغض النظر عن سلبياتهم الكثيرة (وقوفهم إلى جانب صدام حسين في حرب الخليج 1991.. مثال من عدة أمثلة) يصلوا إلى الحكم، لنرى ما هم فاعلون؟
-5-
لقد ارتكبت الأنظمة العربية وعلى رأسها النظام المصري خطأ كبيراً حين حالت ndash; مِنْ بين مَنْ حالت ndash; بين الإخوان وبين المشاركة في السلطة، حتى ظن الجميع، أن quot;الإخوانquot; إذا وصلوا إلى الحكم، فسيكونوا هم المرهم الشافي، وهم quot;الحبة السوداءquot; السحرية التي توصف من ضمن وصفات quot;الطب النبويquot; لعلاج كافة أمراض المجتمع!
وأن الأنظمة العربية، لا تريد لشعوبها أن تتناول هذه quot;الحبة السوداءquot; السحرية، لكي يبقى برص الدكتاتورية على جلودهم، وعلَّتها في صدورهم!
-6-
وكما سنسمح، وسنرضى ndash; في العهد الديمقراطي العتيد - بأن يترشح للانتخابات التشريعية والرئاسية الآن، كل من تنطبق عليه شروط الترشّح، ويرى في نفسه الكفاءة اللازمة، سواء كان (زعيط) أو (نطَّاط الحيط) من الإخوان، أو من الأعمام، أو من الأقارب، فلماذا بدأنا إذن، من الآن، بوضع حَجْرٍ على بعض الشخصيات، وعزلها، ومنعها من الترشح، ما دمنا سنخوض انتخابات نزيهة لا تزوير، ولا تدوير فيها؟
-7-
وتبقى الديمقراطية هي الفضيلة السياسية، من حيث أنها تزيل الفوارق والتفريق بين مواطني الوطن الواحد، بغض النظر عن جنسهم، ولونهم، وطائفتهم، ودينهم. وهكذا سنصل إلى quot;ديمقراطية الطاقاتquot; التي نادى بها روسو أحد فلاسفة الثورة الفرنسية.
ونقدنا المستمر لـ quot;الإخوانquot;، لا يعني ndash; بتاتاً ndash; أننا نتفق مع أمريكا والغرب في استعمال quot;الإخوانquot; في كل مكان من العالم العربي والإسلامي كـ quot;فزاعةquot; لحماية الدكتاتورية العربية بكافة أشكالها، الجمهورية، والملكية، والأميرية، والعشائرية، والعسكرية.
وأخيراً، نقدنا المستمر لـ quot;الإخوانquot;، يعني أننا كليبراليين وعَلْمانيين حداثيين نؤمن ndash; بما لا يدع مجالاً للشك ndash; أن الديمقراطية تعني لنا مجموعة من التوازنات بين الأغلبية والأقلية، بين الحاكمين والمحكومين، بين الرجال والنساء، بين الحاضر والمستقبل، بين اليسار واليمين.
وما دمنا في موسم تفتُّح الأزهار الآن، إذن، فلندع ألف زهرة تتفتح!
ولندع شمس الحرية تشرق على الجميع، فهي للجميع.
السلام عليكم.
التعليقات