-1-
لم ينتظر الأردنيون طويلاً لكي يكتشفوا، أن ما انتهت إليه المطالبة بدستور جديد، أو بالتعديلات الدستورية الجذرية التي تناسب شعباً يعيش في فاتحة الألفية الثالثة، وفي مطلع القرن الحادي والعشرين، ما هو غير جرعة تخديرية شعبية، ورتوش للزينة لكي يبدو quot;الأردن العروسquot; في نظر الخارج جميلاً وجذاباً. أما في واقع الأمر، وما يحتاجه الشعب الأردني، فهو دستور جديد ينقله من حكم القرون الوسطى، ومن ملك الحق الإلهي إلى ملك دستوري، يملك ولا يحكم، وإنما من يحكم هو الشعب برئيس وزرائه المنتخب انتخاباً مباشراً من الشعب.

-2-
قبل خمس سنوات وعلى وجه التحديد في 17/8/2005 كتبنا في مقالنا (كيف يضمن الهاشميون المستقبل؟) نطالب بتعديلات دستورية جذرية منها:
1- إقرار دستور حداثي جديد للأردن يُطرح للاستفتاء العام، ويُعيد صياغة الهوية الأردنية على ضوء المستجدات التي قامت في الخمسين سنة الماضية.
2- تخلّي الملك عن صلاحياته في تعيين رئيس الوزراء وإقالته، وانتخاب رئيس الوزراء بالاقتراع السري المباشر لمدة أربع سنوات، ولفترتين رئاسيتين فقط.
3- تخلّي الملك عن صلاحياته في حلَّ مجلس النواب قبل انتهاء مدته القانونية. فلا يجوز أن يأتي الشعب بمجلس للنواب، ويقوم الملك بحله متى شاء.
4- عدم تأجيل مواعيد الانتخابات التشريعية المقررة لأي سبب من الأسباب المحلية أو الإقليمية أو العالمية. ولنأخذ من إسرائيل (مثال الكارهين) العبرة في ذلك.
5- انتخاب مجلس الأعيان (الشيوخ) انتخاباً مباشراً من الشعب وليس تعييناً، كما هو الحال الآن منذ أكثر نصف قرن.
6- توحيد الأحزاب الأردنية الثلاثين القائمة الآن في حزبين كبيرين، بحيث يصبح الأول في الحكم والثاني في المعارضة. وهذه وسيلة من الوسائل الرئيسية للتخفيف من سيطرة العشائرية والقبلية السياسية المهيمنة الآن على القرار الأردني. والحزب المعارض ليس تقليعة سياسية جديدة في الأردن فقد تمَّ إنشاء (حزب الشعب الأردني) المعارض في 1947 بعد الاستقلال مباشرة برئاسة عبد الهادي الشمايلة. ومثَّل الوحدة الوطنية تمثيلاً صادقاً، كما قال كامل خلة، (التطور السياسي لشرق الأردن 1921-1948، ص309).
7- إقرار مجلة جديدة للأحوال المدنية، بحيث تُعطى المرأة حقوقها الاجتماعية والسياسية كاملة، وعلى رأسها تولي رئاسة الوزراء أسوة بالهند وباكستان واندونيسيا وبنغلادش، وتولي رئاسة مجلس النواب، وتولي القضاء . والاستفادة من مجلة الأحوال الشخصية التونسية التي صدرت عام 1957، دون الحاجة إلى مجلات الأحوال الشخصية الغربية.
8- تحرير الإعلام تحريراً كلياً وشاملاً. وبيع حصة الحكومة في الصحف. وتخلّي الدولة كليةً عن ملكيتها وسلطتها على الإعلام. فالإعلام الأردني ما زال كإعلام الاشتراكيين العرب في مصر وليبيا وسوريا وغيرها مُلكاً للدولة. فلا فرق بين جريدة quot;الرأي quot; الأردنية، وجريدة quot;الأهرامquot; المصرية، وجريدة quot;البعثquot; السورية، وجريدة quot;الفجر الجديدquot; الليبية، وجريدة quot;القادسيةquot; العراقية في عهد صدام. ولا فرق بين التليفزيون الأردني، والمصري، والسوري، والمغربي، والخليجي، وكل تلفزيون عربي حكومي.. الخ.
9- إغلاق quot;دائرة المطبوعات والنشرquot; الحكومية (المجزرة الثقافية الكبرى) بالشمع الأحمر. وهي التي تمنع الكتب والمطبوعات وتصادرها وتحرقها. وتقوم بدور الوصاية على الذوق والقاريء الأردني الذي لم يتعدَ مرحلة الطفولة الثقافية في رأيها، ولا يستطيع أن يميز بين الغث والسليم بدون رقابتها ووصايتها.

-3-
معظم هذه المطالب ليست جديدة. وكثير منها يزيد عمره عن نصف قرن. فـ (الحزب العربي الأردني) المعارض برئاسة السياسي الأردني اللامع في الأربعينات صبحي أبو غنيمة، طالب بعد الاستقلال مباشرة في 7/6/1946 بكثير من هذه المطالب (جريدة quot;المقطمquot; المصرية، 27/1/1947) منها:
1- وضع دستور ديمقراطي على أساس مبدأ فصل السلطات من قبل هيئة تأسيسية.
2-إقامة حكومة ديمقراطية منتخبة من الشعب مباشرة.
3- إطلاق الحريات العامة.
إذن، ما زال الشعب الأردني ينادي بتحقيق المطالب السياسية التي نودي بها منذ أكثر من نصف قرن. وإذا كانت الظروف المحلية الأردنية والعربية والدولية لم تكن تسمح بتلبية هذه المطالب أو جزء منها في السابق، فهل لا زالت هذه الظروف قائمة الى الآن، بحيث تحول دون تحقيق هذه المطالب؟
لا نظن ذلك.
فالدنيا قد تغيرت.
وعلينا أن نتغير معها، قبل أن تقصف رياح التغيير رقابنا جميعاً.

-4-
أما أن نُردد كالببغاوات - وراء الملك - أن هذه التعديلات الدستورية المضحكة والساذجة، هي تعديلات تمثل انجازاً حقيقياً على طريق الإصلاح السياسي الشامل. فهذا دجل ما بعده من دجل، في مجتمع مثقف ويقظ كالمجتمع الأردني، وليس مجموعة من الأطفال في quot;الروضةquot;.
فترديد عبارات تبجيلية ذات صبغة دينية مقدسة من قبل كبار موظفي الدولة الأردنية الإعلاميين كعبارات: quot;باستثناء الإخوان المسلمين وبعض القوى الهامشية وعدد من شبان المساعدات الأميركية، فإن الغالبية العظمى من الأردنيين قد استقبلت التعديلات الدستورية، التي بلغت اثنين وأربعين تعديلاً، والتي أعدتها لجنة ملكية من بعض رؤساء الحكومات السابقين، ومن كبار المشرعين والقانونيين, بارتياح كبير وبثقة بأن الأردن سيبقى على شاطئ
الأمان رغم كل هذه العواصف الهوجاء التي تضرب عدداً من الدول العربية من بينها الجارة الشمالية سورية.quot;
فأين الدليل على هذا الارتياح؟!
وهل تم طرح quot;التعديلات الملكيةquot; للاستفتاء الشعبي حتى نعرف رأي الشعب الأردني الحقيقي بها، وهي التعديلات التي فُصِّلت، وتمت خياطتها على مقاس صاحب الجلالة، وبتكليف شخصي منه للجنة التي شكَّلها هو نفسه من خياطين ملكيين، واختار الملك أعضاءها بعناية من quot;الملأ الأعلىquot;، لكي تُخيط له هذا الدستور الجديد، بحيث لا تطلب منه هذه اللجنة أن يُنقص وزنه، أو يزيد طوله، لكي تتناسب quot;بذلةquot; التعديلات الجديدة مع حجمه، ووزنه.

-5-
لقد وعت وأدركت تمام الإدراك ببصر وبصيرة نافذة عشائر الأردن، ومنها quot;عشائر العوداتquot; الحرة في إربد (شمال الأردن) مهزلة التعديلات الدستورية المضحكة ndash; المبكية.
فقد أقامت مجموعة من أبناء quot;عشائر العوداتquot; في منطقة اربد أمسية رمضانية، معبرين فيها عن رفضهم للتعديلات الدستورية ، لأنها لم تشمل ضمانات تشكيل حكومة برلمانية منتخبة، وقانون انتخاب يراعي النزاهة والموضوعية. ورفعت العشائر شعارات تندد بالتعديلات الشكلية التي لا تُلبي طموحات الشارع، ولا ترتقي لآمال الإصلاح.
وتعهد quot;التجمع الشبابي لأبناء quot;عشيرة العوداتquot; بان يكون في الصفوف الأولى في ركب من يريدون الإصلاح دون تراجع، حاملاً على عاتقه السير باتجاه المطالبة بتحقيق المطالب التي يلتقي عندها كافة أطياف الحراك الشعبي والمتمثلة بتعديل حقيقي للدستور، وتشكيل حكومة برلمانية منتخبة، وقانون انتخاب عصري يلبي طموح الشعب، وتشكيل محكمة دستورية، ومحاربة الفساد والمفسدين، وفصل السلطات الثلاث، واستقلال القضاء، ورفع القبضة الأمنية، واسترداد أموال الشعب المنهوبة، وإجراء إصلاحات اقتصادية من شأنها رفع المستوى المعيشي للمواطن وصون كرامتهquot;.
فهذا هو صوت الشعب الأردني الحر والحقيقي، حيث لا صوت يعلو فوق هذا الصوت.

-6-
أما الببغاوات الذين يرددون شعارات مستهلكة منذ عشرات السنين، ويدعون الشعب إلى قبول التعديلات الدستورية المضحكة، فسيلقون الرفض والنبذ من الشارع الأردني. وكما قال الشيخ زكي بني ارشيد عضو اللجنة التنفيذية في quot;حزب جبهة العمل الإسلاميquot;، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، وأبرز أحزاب المعارضة في الأردن، فان هذه التعديلات quot;أقل من مطالب الشارع، ولا تتضمن أي تغيير على آلية تشكيل الحكومة، وتحافظ على صلاحيات الملك في هذا الاتجاه. quot;
وقال بني ارشيد:
quot; لم تتضمنالتعديلات تحصين مجلس النواب من الحل، وعُهد للملك بمهمة تمديد ولاية الدورة البرلمانية.quot;
إذن، فلا زال الملك ndash; بعد هذه التعديلات التزويقية ndash; هو الملك المُطلق، المتمتع بالحق الإلهي، كما كان في القرون الوسطى. وهو ما يرفضه الشعب الأردني، ويريد أن يكون شعب القرن الحادي والعشرين، وليس شعب القرون الوسطى!
السلام عليكم.