-1-
يغطي الفساد العالم كله، ولكن بدرجات متفاوتة. فلا دولة في العالم تخلو من الفساد حسب تقرير quot;منظمة الشفافية الدوليةquot;، ولكن تبقى الديمقراطية، وحرية الرأي، هما الوسيلتان الأكثر نجاعة لمحاربة الفساد، حيث تسمح الديمقراطية وحرية الإعلام بشكل عام، في الكشف عن الفساد والمفسدين، وفضح عملياتهم، وليس التكتم عليها وإبقائها في زوايا مظلمة، لعدم توفر الإعلام الديمقراطي الحر.
ومن هنا يكثر الفساد، ويستشري في العالم الثالث، لأنه لا توجد مؤسسات دستورية، ولا إعلام حر يراقب، ويحاسب، ويعاقب.
وفي ماضي الأردن الملكي الدكتاتوري (1957-1989) كان الأردن يغرق في الفساد، (ولا حِسْ ولا خبر).
أما اليوم، وفي ظل الانترنت، وثورة المعلومات، والعولمة، والإعلام المفتوح، فإن عمليات الفساد، وروائحها النتنة والعفنة، بدأت تنتشر بسرعة، وتزكم الأنوف.
وبدأت بعض الشخصيات السياسية، تفضح بعض قضايا الفساد، وعلى رأسها (تطويب) كافة أراضي الدولة (الأراضي الميري) باسم الملك شخصياً، وباسم أفراد العائلة المالكة.
وبذا تمَّت سرقة وطن بأكمله (الأردن) وعلى (عينك يا تاجر)؛ أي بكل صلافة ووقاحة، ودون خوف أو وجل، من حساب أو عقاب!
-2-
لقد شجع غياب الشفافية، والديمقراطية، وحرية الرأي، والحياة الحزبية، وغياب الإعلام الحر، في سنوات الرماد (1957-1989) منذ حلِّ الأحزاب السياسية ndash; ما عدا حزب الإخوان المسلمين- وتعطل الحياة النيابية (لم تجرِ انتخابات برلمانية طيلة أكثر من 30 عاماً) إلى ثورة الجياع المباركة في 1989، على أن (يتشرعن) الفساد في الأردن ؛ أي أن يصبح عملاً مشروعاً، وقيمة لا هي بالرذيلة ولا بالفضيلة. خاصة عندما قام الملك بتسجيل كافة الأراضي الحكومية (الميري) باسمه شخصياً بمساعدة رئيس الوزراء الحالي (معروف البخيت) الذي برر فعلته هذه بالرغبة الملكية في الاستيلاء على الوطن بأكمله. وبذا أصبح الأردن كله ndash; ما عدا الملكيات الخاصة للأهالي ndash; مُلكاً للملك، والعائلة المالكة، والحاشية الملكية.
وهذا ما لم يجرِ في التاريخ كله، وفي أي بلد من بلدان العالم.
فهل هناك فساد، بعد هذا الفساد؟
وهل هناك نهب وسرقة، بعد هذا النهب، وسرقة وطن بأكمله من أصحابه، وهم الشعب الأردني؟
وكيف يُؤتمن عهدٌ على تنفيذ ما قيل عن quot;التعديلات الدستوريةquot; الأخيرة؟
ومِنْ أجل مَنْ هذه quot;التعديلات الدستوريةquot;؟
هل من أجل الشعب والوطن المسروق والمنهوب، أم من أجل تثبيت دعائم حُكم السارقين والناهبين؟
-3-
لماذا نلوم إسرائيل على سرقة فلسطين؟
فلأول مرة في التاريخ ndash; كما قلنا ونكرر - يقوم ملك أو حاكم بتسجيل كافة أراض الدولة (الميري) باسمه شخصياً، وباسم أفراد عائلته.
لم يفعلها الاستعمار البريطاني، ولا الفرنسي، ولا الايطالي، ولا الهولندي، ولا العثماني من قبلهم.
لم يفعلوها المماليك في مصر وبلاد الشام والعراق.
لم يفعلها محمد على باشا، ولا الخديوي اسماعيل من بعده.
لم يفعلها أحد.
وهذه الفضيحة جزء بسيط، مما يجري في الأردن الآن من بيع وشراء لأراضي الوطن، على حساب الشعب (الغلبان).
أراض الدولة في quot;العبدليquot;، التي أقام الحريري عليها quot;سولديرquot;، اشتراها بهاء الحريري بثلاثمائة دينار للمتر، ويبيع المتر الآن بثلاثين ألف دينار أو أكثر، حسب ما قاله السياسي الأردني ليث شبيلات في quot;برنامج الفسادquot; في تلفزيون quot;الجديدquot; اللبناني، مع غادة عيد، في 11/2/2011.
آل الياسين (عائلة الملكة رانيا) هم كآل الطرابلسي في تونس، وآل مخلوف في سوريا، وآل القذافي في ليبيا، وآل المالكي في العراق، وأحمد عز في مصر، وغيرهم كثير في العالم العربي المنكوب بهذه العائلات السارقة الفاجرة، استولوا على أراض شاسعة، واشتروها من الدولة برخص التراب.
ولكن ما فعله الفاسدون السارقون الناهبون في تونس ومصر لا يمثل غير قطرات في بحر ما يجري في الأردن الآن من سرقة، ونهب للمال العام.
فقد تمّت السرقة في الأردن، دون دفع فلس واحد.
الآخرون في العالم العربي، دفعوا أثماناً بخسة، لما استولوا عليه من أراض.
أما quot;الجماعةquot; في الأردن، فلم يدفعوا حتى أثماناً بخسة، لما استولوا عليه!
-4-
صوت محمد خلف الحديد، في quot;أم رمانquot;، في 21/2/2011، وبيان quot;العشائرquot; الذي وقعت عليه 36 شخصية سياسية مرموقة، الذي يوضح الاحتجاج الشديد والصارخ على ما يجري من سرقة وطن بأكمله، كان صرخة الحق.
فهل يسمعها جيداً باقي الأردنيين الأحرار؟
لقد كان الشيخ محمد الحديد ينتقد الحكومة والنظام الأردني، ويقول أن الملك ليس خطاً أحمر. وأن هنالك من قام بسرقة الأراضي، في اتهام واضح للقيادة الأردنية.
وفي انتقاد مبطن للحكومة الأردنية (حكومة معروف البخيت) قال الحديد إنها quot;حكومة الكازينوquot; (نسبة لفضيحة quot;كازينو البحر الميتquot; المعروفة في الأردن.)
-5-
الاختلاسات والسرقات في وزارة الزراعة، ووزارة الأشغال العامة والصحة، وغيرها التي كشف عنها المعارض الأردني ليث الشبيلات في برنامج quot;الفسادquot; في تلفزيون quot;الجديدquot; اللبناني مع غادة عيد في 11/2/2011، يجب أن يسمعه الشعب الأردني جيداً، ويحفظه جيداً، ويكون مبرراً للثورة العارمة التي يجب أن تكون أكبر من هبّة نيسان في معان 1989 ، وهبّة الكرك 1996 ، وغيرها من الهبّات.
فأعاصير الثورة العربية، تجتاح العالم العربي الآن بلداً بلداً.
فلم تعد تنفع رسائل quot;المناصحةquot; للحكام، الذين لا يجيدون قراءة مثل هذه الرسائل، وإذا قرءوها لا يفهموها، وإذا فهموها لا يأخذوا بها استكباراً، واستعلاءً، واحتقاراً للمعارضة (المرتزلة)، كما سبق أن سمّاها الفقيه والمؤرخ السياسي العراقي أبو الحسن المارودي (974-1058م) صاحب quot;الأحكام السلطانيةquot;، و quot;نصيحة الملوكquot;، في نصائحه لأحد الحكام!
وكل عام وانتم بخير، وعيد فطر مبارك
التعليقات