-1-

قبل أن نبدأ بقراءة هذا المقال، لا بد أن نشرح عنوانه: (كلهم.. دقَّة خويلتي). فعنوان هذا المقال مثلٌ أردني يضربه الأردنيون عندما تتشابه الحالات. فيقولون: دقَّة خويلتي. ودقَّة معناها quot;شبهquot; و quot;خويلتيquot; تصغير خالتي، وهو تعبير للتحبب، باعتبار أن الخالة هي الأحب للمرء بعد الأم. ومناسبة هذا المثل، وهذا العنوان، كتاب الباحثة الأمريكية ليزا وادين، الذي صدر حديثاً مترجماً تحت عنوان (السيطرة الغامضة: السياسة والخطاب والرموز في سوريا المعاصرة) وهو كتاب يبحث في الدولة السورية ولكن معظم ما جاء فيه، ينطبق كل الانطباق على الحالة العربية، والدولة العربية القروسطية الحالية.
فلكي يمر هذا المقال مرَّ الكرام، سوف نُعمم الأحكام، ليضيع الدم بين القبائل!
والقاريء فصيح، وشديد الذكاء، ويستطيع ndash; بسهولة - أن يفهمها وهي (طايرة)، ويُلبس كل حاكم طاقيته!
فبدل كلمة العربية (العامة) يمكن وضع اسم القطر المبتغى.
وسوف يستقيم الأمر تماماً.
فلا يموت الذئب، ولا تفني الغنم!
و(فهمكم كفاية)!

-2-
لقد فشلت الدراسات حول السياسة العربية، في طرح التساؤل عن السبب الذي من أجله يستمر إنفاق الموارد، للإبقاء على ظاهرة تقديس الحاكم، وإجبار المواطنين على المشاركة في مظاهرها.
وتتساءل وادين: لماذا تنفق الحكومات العربية مبالغ باهظة من المال، وموارد نادرة، لصناعة الرموز (الحكام)؟
والجواب:
أن البلاغة الإنشائية والرموز ينتجان quot;الشرعيةquot;، و quot;الكاريزماquot;، و quot;الهيمنةquot; للنظام.. لأي نظام. والشرعية المُنتَجة من خلال ذلك، شرعية مزيفة، وهشَّة، وتسقط مدويةً عند أول هبة ريح شعبية من هنا أو هناك، كما حصل في عدة بلدان عربية، وكما سيحصل في بلدان عربية أخرى في القريب والبعيد كذلك.

-3-
كتاب ليزا وادين يفترض أن ظاهرة تقديس الحاكم العربي، هي استراتيجية للسيطرة القائمة على quot;المطاوعة Compliancequot; بدلاً من quot;الشرعيةquot;. ولنعلم هنا، أن هناك فرقاً بيناً بين المطاوعة Compliance، والطاعة Obedience. فالمطاوعة - كما يشرحها نجيب الغضبان مترجم كتاب وادين ndash; تعني التنازل لرغبات الآخرين، أو مجاملتهم. أما الطاعة فتعني الانصياع لسلطة شخص آخر، بالاشتراك، أو الامتثال لأوامر، أو قوانين. وأن تكون مطاوعاً فهذه خاصية في الشخصية، أما أن تكون مطيعاً فليست بالضرورة خاصية شخصية.
وتضيف وادين قائلة:
أن النظام في العالم العربي - وفي سوريا خاصة - يمكن أن يمضي من دون شرعية ndash; فشرعيات الحكام العرب زائفة، وهشَّة، ولا تساوي شروى نقير ndash; وأن استثماراته في البلاغة الإنشائية، ليس من المهم أن تُنتج شرعية ذات فائدة من الناحية السياسية. وفي هذا الصدد، لنا من مثال صدام حسين وعبد الناصر، والسادات، والقذافي والأسدين و.. و.. و.. و.. و.. وغيرهم، الأمثلة التي تخرق عين الشمس والقمر معاً.
فالشرعية كما يقول صامويل هنتنغتون quot;مفهوم هلاميquot;.


-4-
الدساتير العربية عبارة عن بساطير.
وورق الحمامات أكثر قيمة وقدراً منها.
والدستور العربي هو الحاكم.
وتقول وادين:
لا توجد فقرة في الدستور تفوق، أو حتى تحد سلطة حاكم عربي. كما أن العرب يعيشون في العالم المعاصر، حيث الاستناد إلى السلطة المقدسة يجد تجاوباً، أقل بكثير من أوروبا في القرن السادس عشر (القرون الوسطى)، وهي الفترة الذهبية للأدبيات حول الشرعية والحق الإلهي.
ألم نقل لكم من قبل، أن الأنظمة العربية هي أنظمة دكتاتورية قروسطية!
ألم نقل لكم من قبل، أن الأنظمة العربية، التي تنتسب إلى آل البيت أنظمة ذات شرعية إلهية مزيفة، وأن quot;أبا لهبquot; كان من آل البيت!
ألم نقل من قبل، أن الأنظمة العربية قروسطية، تحكم شعوباً تعيش في القرن الحادي والعشرين، وفي مطلع الألفية الثالثة!

-5-
تقول وادين:
لقد استخدم الباحثون الفاشية كأهم الأمثلة دراماتيكية، لتبيان قوة الرموز التاريخية في توطيد العلاقة الوجدانية بين القاعدة وأتباعهم. لذا، فإن جاذبية الفاشية تكمن في quot;شرعيتهاquot;، وفي شعبيتها ذات النزعة العاطفية لدى الجماهير، وفي جاذبية المرجعية الخارجية لفكرة قدسية quot;الشعبquot;، الذي يحكم القائد باسمه.
ألم يصبح حافظ الأسد بطل quot;حطينquot; الجديدة، في انتخابات الرئاسة 1991؟!
ألم يتم ربط الأسد بالبطل الأسطوري الكردي صلاح الدين الأيوبي؟!
ألم يصبح بعض الحكام العرب من صقور قريش، وفهمكم كفاية؟!
ألم يتم ربط معظمهم بالخلفاء الراشدين؟!
ألم يصبح بعض الحكام العرب من الأبطال التاريخيين الأسطوريين، ويرتفعوا إلى منزلة الآلهة المقدسة، التي لا تُحاسب ولا تُعاقب، ولا تُمس ولا تُجس؟!
السلام عليكم.