-1-
ما هي شرعية أي رئيس، أو حاكم، في العصر الحديث، وليس في العصور الوسطى، أو في عهد الخلافة، والسلطنة، والأمارة.. الخ؟
الشرعية اليوم - بكل بساطة - ليست مستمدة من صندوق الاقتراع العربي، الذي غالباً ما يكون مزيفاً، وفي قعره عشرات الثعابين والجرذان القارضة لأصوات الأحرار الصادقة.
والشرعية اليوم، ليست مستمدة من الأب، والمُجيَّرة للابن. فشرعية الأب زائفة أساساً. وهي في معظم الأحيان مكتسبة بقوة السيف، وبالظلم، والطغيان، و(الهمبكة).
والشرعية اليوم، ليست نتيجة للحسب والنسب. فقد انتهت مثل هذه الشرعية بعد قيام الثورة الفرنسية، ولم يعد في العالم ndash; ما عدا العالم العربي وبريطانيا وهولندا ndash; شرعية نسب وحسب. وشرعية الحسب والنسب في بريطانيا وهولندا، هي شرعية دستورية تملُك ولا تحكُم. أما شرعية الحسب والنسب في العالم العربي فهي شرعية تملُك وتملُك وتملُك، ثم تحكُم وتحكُم وتحكُم.
والشرعية اليوم، ليست شرعية دينية، يستمدها الحاكم من المؤسسة الدينية، كما كان الحال في القرون الوسطى، من الكنيسة حيث كان الملك يستمد شرعيته من البابا، ومن شيخ الإسلام العثماني، الذي كان يقضي بعزل السلاطين، وتعيينهم، وقتلهم، كما فعل مع السلطان عبد العزيز بن محمود بن عبد الحميد (1830-1876م) وغيره.

-2-
ولكن العالم العربي ما زال - سياسياً - يعيش في القرون الوسطى. فالمذابح التي نشاهدها في ليبيا، وفي سوريا، وفي اليمن اليوم، أكبر دليل على ذلك. رغم أن العالم العربي فنياً، واقتصادياً، يعيش في القرن الحادي والعشرين ويأكل البيتزا والهامبورجور ويشرب الويسكي والكوكاكولا، ويركب طائرات الجامبو 747، ويستمتع بكل منجزات القرن الحادي والعشرين التقنية.


-3-
الشرعية اليوم، في هذا العالم، الذي نعيشه، تقاس بمدى ما حققه الحاكم من تنمية لوطنه.
الشرعية اليوم، في هذا العالم، الذي نعيشه، تقاس بمدى ما حققه الحاكم من نهضة زراعية وصناعية، وتعليمية، واقتصادية، واجتماعية.
الشرعية اليوم، في هذا العالم، الذي نعيشه، تقاس بمدى ما حققه الحاكم من فرص عمل للعاطلين عن العمل.
الشرعية اليوم، في هذا العالم، الذي نعيشه، تقاس بمدى ما حققه الحاكم من قضاء على الأميّة الأبجدية، والأميّة الإلكترونية.
الشرعية اليوم، في هذا العالم، الذي نعيشه، تقاس بمدى ما حققه الحاكم من ارتفاع في مستوى المعيشة، ومحاربة الفساد المالي، والسياسي.

-4-
فأين الحكام العرب، من كل هذا؟
إذن، فنحن نعيش - سياسياً ndash; في القرون الوسطى!
لقد تغير العالم، ولم نتغير!
وتقدم العالم، ولم نتقدم!
نحن الآن، في نهاية قائمة الشعوب زراعياً، وصناعياً، وتعليمياً، واجتماعياً. نتيه على العالم بنتيجة الصدفة الجيولوجية التي أنتجت لنا البترول. وننفرد عن العالم بالحجاب، والنقاب. وحين ينضب بترولنا، سنعود إلى الرعي، ونسكن في مضارب الخيام، فليس لدينا من صناعة، أو زراعة، أو علم، يحفظ لنا ما نحن فيه الآن، من نعمة ونقمة البترول.


-5-
حكام الدكتاتوريات العربية اليوم، ما زالوا في ليبيا، وسوريا، واليمن، يذبحون، ويقتلون كل يوم المئات، وينادون بالشرعية في الوقت ذاته!
المهاجرون الفارون من سياط هذه الدكتاتوريات، في هذه البلدان، يتدفقون على حدود الدول الأخرى، وما زال الدكتاتوريون ينادون بالشرعية المزيفة!
المظاهرات تَعمُّ كافة مدن هذه البلدان، والجماهير تخرج تنادي بسقوط النظام، وسقوط الدكتاتور، وما زال الدكتاتوريون ينادون بالشرعية المزيفة!
العالم الحر بأكمله، يدين أعمال القتل، والتنكيل، والتهجير في الدكتاتوريات العربية، وما زال الدكتاتوريون ينادون بالشرعية المزيفة!
العالم العربي الباقي صُمٌ، بُكمٌ، عُميٌ، فهم لا يسمعون، ولا ينطقون، ولا يشاهدون - ما عدا دولة قطر - وكأن ما يجري على كوكب آخر، وليس على حدودهم. وما زال الدكتاتوريون ينادون بالشرعية المزيفة!

-6-
لقد اكتشف العالم العربي ndash; أكثر من ذي قبل ndash; بأنه محكوم لعصابات إجرامية، ولمجموعة من اللصوص، والقراصنة، وقُطاع الطرق. وأن كل ما كُتب عن عطب وعفونة السياسة العربية، وفساد الحكام، وظلمهم للمحكومين، لا يزن مثقال ذرة، قياساً لما يجري الآن!

-7-
إن أكبر مذبحة للشعوب في تاريخ العرب، تجري الآن في هذه الدكتاتوريات. وما الدعوة إلى الحوار الوطني، وإعطاء الشباب كل ما يطلبون، والوعد بتحقيق الحرية والديمقراطية، وزيادة دخل الفرد، وتوفير المزيد من المدارس للأطفال المشردين، في الحواري، والأزقة، والقضاء على الفساد المالي والسياسي، إلا مسكنات، وجرعات تخدير، لبراكين الثورة الكاسحة. ولكن، هيهات أن تنفع مثل هذه المسكنات وجرعات التخدير، في إخماد براكين الثورة المتدفقة بحممها، الساحقة للدكتاتوريات. فقد وعى الشعب العربي، بأن الأنظمة السياسية القائمة، غير قادرة على الإصلاح والتغيير، ولو كانت قادرة على ذلك، لاستجابت لنداءات المثقفين في quot;ربيع دمشقquot;، وquot;ربيع بغدادquot;، وquot;ربيع صنعاءquot;، وquot;ربيع طرابلسquot;، وكل مواسم الربيع السابقة، في أنحاء متفرقة من العالم العربي. ولكن هذه الدكتاتوريات، صماء، بلهاء، كسيحة، وعاجزة عن السير، فلا بد من إسقاطها، وهو ما يطالب به الشعب الآن.
السلام عليكم.